بلاد البحر الأسود.. سحر الألوان وإيقاع تآلف التاريخ مع الحداثة

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 04.03.2020 13:47
آخر تحديث في 04.03.2020 13:48
منطقة البحر الأسود منطقة ذات نسيج ثقافي غني جداً iStockphoto منطقة البحر الأسود منطقة ذات نسيج ثقافي غني جداً (iStockphoto)

تتنوع وتتعدد ثقافات سكان منطقة البحر الأسود شمال تركيا، وعلى مر القرون تأثرت هذه الثقافات وتمازجت بثقافات السكان المقيمين والرُّحل ممن عمروا هذه الأراضي الشاسعة التي تمتد على طول شواطئ هذا البحر وما ضمته من جبال وسهول وهضاب لتترك بصمات مختلفة لكل منهم بخصائصه الفريدة في الملبس والمأكل والرقص الشعبي. وهذا ما ساعد في تشكيل المعالم الاجتماعية للمنطقة، لتصل إلى ما هي عليه اليوم.

يمكن للفولكلور والملابس والموسيقى واللهجات المحلية أن تعبر عن ثقافة البحر الأسود، لكن هذه المعايير تتنوع على نطاق واسع في تلك المنطقة، حيث تتميز كل ولاية بما يجعلها فريدة بحد ذاتها بالرغم من العديد من أوجه التشابه بين السكان مثل حبهم للملفوف الأسود الذي يدخل في الكثير من وصفات الطعام، وشغفهم بالرقص الشعبي والدبكات على أنغام الموسيقى المحلية التي تعكس طابع التفاؤل والحيوية.

يُعرف سكان منطقة البحر الأسود الشرقية أيضاً بسرعة بديهتهم وروح الدعابة الطريفة، لدرجة أن الأتراك يتندرون بتداول العديد من النكات المسماة "Karadeniz fıkraları" المرتبطة بسكان هذه المنطقة تحديداً. وتتميز معظم هذه الشخصيات بأنها شخصيات شبه خيالية مثل "درسون" و"تامال" وهي تشكل جزءاً هاماً من الحكايات الشعبية التركية والتراث المروي شفهياً.

وقد تم مؤخراً تتبع أساليب الحياة في كل ولاية من ولايات هذه المنطقة ضمن مشروع "جرد ثقافة البحر الأسود" الذي تنفذه إدارة التنمية الإقليمية لمشروع شرق البحر الأسود، من حيث الملابس التقليدية والرقصات الشعبية والموسيقى المحلية والأدوات والأطباق وذلك بهدف رصد المخزون الثقافي في المنطقة والذي تم عرضه ضمن موقع على الشبكة يتيح للجميع التعرف عليه في karadeniz.gov.tr

وفي حديثه إلى وكالة أناضول، قال "يوسف منغي" رئيس إدارة التنمية الإقليمية، إن الثقافة هي العنصر الرئيسي الذي شكل نسيج المنطقة. وأنهم أجروا دراسة شاملة من خلال تنظيم البيانات الموجودة والمكتشفة حديثاً عن الثقافة الشعبية، وأضاف: "نحن نهدف إلى الكشف عن الحرف والنسيج الثقافي في المنطقة".

وأوضح أيضاً أنهم واصلوا التنقل من قرية إلى أخرى، وقطعوا المسافات صعوداً وهبوطاً عبر جبال البحر الأسود دائمة الخضرة، وطرقوا الأبواب وأجروا مقابلات فردية مع السكان المحليين للحصول على فهم أفضل لما يعنيه أن تكون من سكان منطقة البحر الأسود.

وقال "منغي": "البحر الأسود منطقة ذات نسيج ثقافي غني جداً. ولكل ولاية منها ممارسات وقيم ثقافية مختلفة. وقد مكنتنا هذه الدراسة من تحديد البعد الثقافي العام للمنطقة وتشكيل صورة نمطية لسكان البحر الأسود".

وقد وجد أن النساء في المناطق الساحلية لولاية سامصون، يرتدين الملابس التقليدية ويضعن غطاء الرأس العربي التقليدي المصنوع من وشاح قطني مربع ، في حين يرتدي الرجال بنطالًا فضفاضاً تقليدياً يسمى "السروال" وينتعلون أحذية تدعى"جابولا" أو أحذية بكعب مسطح تدعى "يمني".

وتصاحب رقصاتهم الشعبية أصوات قرع الطبول وآلات النفخ الخشبية ومعازف وترية خاصة بمنطقة البحر الأسود. كما تحظى الرقصات الشعبية الرومانية والقوقازية بجماهيرية كبيرة خاصة في المستوطنات التي يوجد فيها مهاجرون من مناطق البلقان والقوقاز. كذلك تحمل مأكولات سامصون آثاراً من ثقافة البحر الأسود والأناضول والبلقان والقوقاز.

أما في ولاية "أوردو" فقد كانت ملابس الرجال قديماً تقليدية مصنوعة من الأقمشة التي تسمى شالات، ولا تزال هذه الأقمشة المنسوجة يدوياً تستخدم على نطاق واسع في الملابس المحلية هذه الأيام أيضاً.

وتشتمل ملابس النساء على عناصر مثل الأطواق والجيوب الصغيرة والمآزر والدانتيل والتطريز وتضم فساتين المخمل والسترات والسراويل الفضفاضة وكذلك الأحذية اليدوية الصنع التي تشبه الصندل الجلدي. وتعكس الرقصات الشعبية خصائص البيئة المحلية في أوردو.

وفي "غيرسون"، ينتشر مشهد مألوف هناك لنساء متقدمات في العمر يجلسن على عشب الهضاب الجميل ويحكن الأنسجة بصنانيرهن التقليدية.

وتبرز المآزر التي اعتادت النساء على ربطها حول الخصر أو الأوشحة الملونة التي اعتدن لفها حول رؤوسهن من بين الملابس التقليدية في الولاية.

كما اعتاد الرجال فيما مضى على ارتداء نوع فضفاض من السراويل المصنوعة من الجوخ الأسود أو الأزرق مع درزات مطرزة بالحرير الأسود بدلاً من البنطلون العادي، بالإضافة إلى سترات وأغطية للرأس وأحذية يمنية.

وتنتشر في "غيرسون" الكثير من الرقصات الشعبية التقليدية مثل "الهورون" و"السلاما" و"ميتليك" وغيرها.

كما يتم استهلاك الخضروات مثل الكرنب الأسود أو الأخضر، والذرة والفاصولياء والكوسا والبازلاء بشكل كبير مثل معظم مناطق شرق البحر الأسود.

وفي أقصى الأجزاء الشمالية من "غوموش حانة"، يميل الناس إلى استخدام المزيد من الكتان في ملابسهم التقليدية،

حيث كان رجال الولاية في الماضي، يرتدون سراويل مختلفةً عن السراويل التقليدية لسكان جنوب شرق الأناضول. بينما كانت النساء يرتدين ملاءات بيضاء منقطة من الأقمشة الحريرية بجميع الألوان مع أحزمة الخصر، وأردية فضفاضة تسمى "إنتاري" ونعالاً جلدية يدوية الصنع.

وتشتهر "غوموش حانة" أيضاً بالموسيقى الشعبية وخصوصاً موسيقى الزفاف التركية الشهيرة.

أما الأطباق التقليدية هناك فتشمل حساء الزبادي المصنوع من الحمص والقمح والذرة المعروف باسم "غينديمة"، وحساء "كاتيكلي" المصنوع من الحبوب وعادة ما يتم تقديمه بارداً، بالإضافة إلى أطباق تقليدية تصنع من الحبوب مع الثوم واليانسون وأطباق الفاصولياء الخضراء والبرغل، وأطباق لحم البقر مع السفرجل، وحساء اللحم المفروم على الطريقة المحلية.

كذلك تتميز أزياء الرجال التقليدية في ولاية "بايبورت" بأغطية الرأس المخروطية الشكل، والقمصان التقليدية المصنوعة من أقمشة تحاك يدوياً.

بينما كانت نساء الولاية يرتدين أزياء تقليديةً ويضعن أغطية للرأس على غرار الملابس التركية التقليدية المطرزة، بالإضافة إلى التنورة المقسمة إلى ثلاثة طبقات من القماش المزموم على هيئة كشكش.

وتشتهر الرقصات الشعبية في "بايبورت" أيضاً حيث تؤدى بشكل عام إما في خط مستقيم أو في نصف دائرة.

وهناك العديد من الأطباق التقليدية المشهورة في الولاية مثل المخلل مع البصل وأطباق مصنوعة من البيض والزبدة والبصل واللحوم المقلية أو المسلوقة وأطباق مصنوعة من الخبز مع الجبن والزبدة.

وفي ولاية "ريزة" نجد الأكثر تميزاً في الملابس المحلية التقليدية هي الـ"فيريتيكو"، وهو نوع من القماش المنسوج بألياف نباتات تشبه الكتان بالإضافة إلى أقمشة الكتان. وتسمى القمصان المنسوجة مع هذا النسيج قمصان feretiko

وتسمى معظم الرقصات الشعبية في تلك الولاية والمناطق المحيطة بها "هورون".

ومن بعض العناصر التقليدية لولاية "طرابزون" نجد الأحذية المطاطية السوداء والنعال الجلدية التي تشبه الجوارب وأكثر ما يلفت النظر في ملابس نساء "طرابزون" التقليدية هي مآزر بيضاء وحمراء، مبطنة أفقياً تربطها نساء القرية على خصورهن.

وتعد "القيثارة" التقليدية الأداة الرئيسية المستخدمة في الموسيقى المحلية للولاية.

كذلك تشتهر المنطقة بأطباقها المحلية مثل كرات اللحم، وسمك الهمسي، ونوع خاص من الخبز الذي يتم خبزه في فرن الحجر. وكذلك حساء الملفوف الأسود والأرز مع السمك وطبق فريد من الجبن المذاب مع الزبدة والبيض بالإضافة إلى خبز الذرة.

وفي ولاية "أرتفين" نرى آثار الملابس والثقافة التقليدية بين كبار السن. وتتكون ملابس الرجال عادة من البنطلونات والقمصان والسترات المصنوعة من الصوف الكثيف الغامق.

وتظهر الرقصات الشعبية المحلية خصائص مماثلة لتلك الموجودة في الولايات المحيطة بها، بما فيها ثقافة شعوب القوقاز. ويدعى الرقص الشعبي الأكثر شهرة في ولاية "أرتفين" برقصة "أتاباري". بالإضافة إلى أنواع الرقص الشائعة في المنطقة.

ومن الأطباق المشهورة في الولاية طبق الحساء المصنوع من العدس الأخضر والثوم والبصل ومعجون الفلفل ومربعات المعكرونة، بالإضافة إلى شوربة الخضر الخضراء، وشوربة أوراق الملفوف المقلية. كما يشتهر طبق الكرنب المحشو وخبز الذرة.