إشكالية الدبلوماسية في العصر الحديث ولقاء أردوغان – أوباما مثالاً

نشر في 06.04.2016 00:00
آخر تحديث في 06.04.2016 13:20

العالم يتجه إلى أسوأ المسارات من خلال الدبلوماسية العالمية الحديثة تحت تأثير منطق التفكير الأناني وغير الصادق وغير الإنساني للقيادات في كل القمم العالمية.

كانت الدبلوماسية حتى القرن العشرين، تعتمد على القمم المنعقدة بين قيادات الشعوب والدبلوماسيين، وكانت الدبلوماسية في تلك الفترة تمثل العلاقات ما بين الحكومات. إلا أن الدبلوماسية في العصر الحديث إذ أصبحت تغطي مساحة أوسع وأشمل، وباتت الحكومات والدبلوماسيون في دولة ما يولون اهتماماً بشعوب دول أخرى. ولذلك أصبح الإعلام أحد أهم الأدوات في الدبلوماسية المعاصرة.

وفي هذا العصر، يناقش صناع القرار الأجانب بشكل أساسي الرأي العام لدى شعوب أخرى، ويتوقعون أن يؤثر ذلك على قياداتهم. وكما أن لدينا بطبيعة الحال مؤسسات غير حكومية ومجموعات ضغط تسعى للتأثير على صناع القرار في بلد ما، فإن بعض القادة السياسيين يتصرفون ويتحدثون مخاطبين شعوبا أجنبية بشكل مباشر، وكأنهم على رأس منظمات مجتمع مدني.

ومثال ذلك، ما جرى في الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة، حيث التقى بالرئيس الأمريكي باراك أوباما وبحث معه العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وتشارك الزعيمان في الغالب آرائهما حول مستقبل سوريا وإرهاب بي كا كا وروسيا وغيرها من القضايا، وإمكانية اتخاذ خطوات مشتركة في هذا الصدد. محتوى اللقاء كان سرياً كما المعتاد كونه يتعلق بمسائل الأمن القومي. ولا يستطيع أحد التوقع بأن يكشف الزعيمان بعده عن تفاصيل حساسة. إلا أن الغريب في الأمر يكمن في حديث الزعيمين إلى الإعلام بشكل منفصل في أعقاب اللقاء، وإعطائهما انطباعات متناقضة عن طبيعته.

فقد بدا أوباما وكأنه يطلق الأحكام على تركيا، أمام وسائل الإعلام. وربما أراد بذلك حماية إدارته من النقاد وبعض الدوائر التي ترى أن تركيا تتجه للتحول إلى بلد أكثر استبدادية بشكل مضطرد. ولا شك أن نقدا سيوجه له، حيث قال أن البلدين قد وصلا إلى إجماع حول بعض القضايا، وقررا بناء علاقة أكثر قربا. الغريب في الأمر، هو أن أوباما بهذا الشكل، يكون قد وضع إدارته في موقف صعب. فماذا هو الهدف من توجيه النقد الحاد إلى تركيا إن كنت تنوي التعاون معها؟

نعلم جيدا أن انتقاد تركيا سوف يكسبه بعض التعاطف في الولايات المتحدة، وحتى ضمن بعض الأوساط في تركيا. وعلى النقيض، هناك في تركيا من يرفض هذا النقد ويقوم بردود أفعال إزاءه. الولايات المتحدة لا تدرك أن توجيه النقد إلى تركيا حول سجل الحريات والديمقراطية فيها، يعزز من المشاعر المعادية للولايات المتحدة في تركيا، ويعطي المحافظين والقوميين أسبابا جديدة للقيام بردات فعل تجاه أوباما. ربما لا تعبأ الولايات المتحدة بهم، لكنها مضطرة للعمل مع من ينتخبونهم.

انتقاد تركيا من خلال الإعلام لا يساهم في تعزيز الديمقراطية في تركيا. بل على العكس، يزعج أنقرة التي تعتبر ذلك محاولة لتشويه صورتها. وتحت هذا الضغط، كيف يمكن لأحد توقع قبول أنقرة بناء علاقات شراكة أقرب مع الولايات المتحدة؟ فمن الصعب على الولايات المتحدة إيجاد محاورين في الرأي العام التركي، على أية حال.

ربما لم تكن الولايات المتحدة تخاطب الرأي العام التركي، بل الرأي العام الأوروبي. فالحقائق تشير إلى أن العمل الدبلوماسي اليوم لا ينحصر في اللقاءات الثنائية خلف الأبواب المغلقة، بل يتضمن أيضا الجهود الدبلوماسية لتقديم صورة عن هذه اللقاءات إلى الرأي العام العالمي.

وأحيانا، قد تصل الرسائل المقدمة عبر هذا النوع من الدبلوماسية العامة إلى مستوى الابتزاز. وهذا لا يسهم حقيقة في تحسين العلاقات بين الدول. فهي تلقي بظلالها على المحادثات الثنائية بين الزعماء، وتعمق غياب الثقة. وفي هذه الأجواء، يصعب على الشعوب المتابعة التفريق بين السياسات الحقيقية المتبعة، وتلك التي يتم إظهارها وتصوريها.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.