رفض ارهاب "داعش" و "بي كا كا"

نشر في 05.08.2015 00:00
آخر تحديث في 05.08.2015 17:50

ان الحملة العسكرية المزدوجة التي تشنها تركيا على كل من تنظيم الدولة (داعش)، وحزب العمال الكردستاني (بي كاكا) الإرهابي، قد أثارت جدلا شديدا، كشف بدوره معانٍ جديدة للمعايير المزدوجة حول الإرهاب.

فمنذ أن بدأت تركيا حملتها ضد تنظيم الدولة في سوريا، وأهداف تنظيم العمال الكردستاني في العراق والداخل التركي، طفى الى السطح خطان من الأفكار الدفاعية، إحداهما يخص تنظيم الدولة والأخر يخص تنظيم حزب العمال الكردستاني. فثمة دعم كبير لقرار تركيا بفتح قاعدة "انجيرليك" الجوية، لقوات التحالف المتشكل ضد تنظيم الدولة. بينما كانت تركيا، قبل هذا القرار، تقوم ببعض الهجمات ضد تنظيم الدولة في سوريا، كما بدأت باعتقال المشتبه بانتمائهم الى التنظيم في داخل تركيا.

تركيا وتنظيم الدولة

كانت تركيا جزءاً من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة "داعش". كما أنها أضافت التنظيم الى لائحة الأرهاب لديها في أكتوبر 2013. كما قام القادة السياسيون والمسؤولون الأتراك بالعديد من التصريحات التي أدانوا فيها الفكر الفاسد للتنظيم وأعماله البربرية.

وخلال الأشهر السبعة الأخيرة، قامت تركيا بتوقيف أكثر من 500 من المشتبه بانتمائهم الى التنظيم، كما سجنت مئة منهم. وبالإضافة الى ذلك، فقد تم ترحيل أكثر من 1600 أجنبي، ومنع 1500 من دخول تركيا. وفي الأسبوعين الماضيين فقط، تم توقيف المئات على خلفية اتهامات تتعلق بالتنظيم. بناء على ذلك، فإن الاتهام القائل بأن تركيا لا تحارب تنظيم الدولة (داعش) هو اتهام باطل. ولكن يبدو أن البعض قد اختار تركيا لتكون كبش الفداء، لتحميلها مسؤولية انتشار وتوسع التنظيم في سوريا والعراق، بينما يتحمل في الحقيقة مسؤولية ذلك فشل السياسات الأمنية في العراق، والحرب الدائرة في سوريا. فلو أن العراق كان يملك هيكلية سياسية وأمنية مختلفة، وكان نظام الأسد قد أسقط، لما كنا نتحدث اليوم عن تنظيم الدولة، ربما.

إن ايقاف سيل الإرهابيين الأجانب القادم الى سوريا ليس مشكلة تركيا وحدها، بل هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأكمله. فبينما تواجه تركيا تداعيات الحرب الدموية والقاسية التي تدور على حدودها الممتدة على طول 911 كيلومترا مع سوريا، وتتحمل أعباء استضافة 1.7 مليون لاجئ سوري، فإن الانسان لا يقدر إلا أن يتساءل عن ما قامت به تلك الدول، التي يتدفق منها الأرهابيون، لايقافهم قبل أن يصلوا الى تركيا، أو الأردن، أو لبنان أو العراق. يجب أن نتساءل أيضاً، ما الذي يدفع شابا نشأ في أوروبا الى الانضمام الى منظمات ارهابية، مثل تنظيم الدولة. يجب أن نتساءل ما الذي تفعله أوروبا لوقف هذا التطرف المجنون. وكيف يمكن لتركيا أن تمنع الارهابيين المحتملين الأوروبيين من دخول أراضيها، من دون تعاون وثيق مع بلادهم؟ إن القاء اللوم على تركيا وحده لن يحل الأزمة.

تركيا، الأكراد، وتنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كاكا)

أما فيما يتعلق بالحملة العسكرية التركية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كاكا)، والمصنف على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فهناك ردات فعل يمكن وصفها، على الأقل، بالغريبة. حيث أشار بعض السياسيون الى أنه لا يتوجب على تركيا ضرب مواقع تنظيم العمال الكردستاني في المناطق التي يحارب فيها الاخير تنظيم الدولة. بينما أشارت بعض التقارير والمراقبون الى أن تركيا تستهدف "الأكراد".

إن هذه الاتهامات باطلة من عدة نواحي. أولها، أن تركيا تتصرف من منطلق الدفاع عن النفس، في وجه تنظيم العمال الكردستاني وأتباعه. وقد تم التأكيد على ذلك في الاجتماع الطارئ لحلف الناتو في 28 من شهر يوليو. فأشار بيان حلف الناتو إلى "الأدانة الشديدة للأعمال الارهابية ضد تركيا... الارهاب يشكل خطرا حقيقيا على أمن دول الناتو والاستقرار العالمي... لا تسامح مع الارهاب بكافة أشكاله وظواهره". كما حصل رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، في اتصالاتهما الهاتفية مع قادة كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والمملكة العربية السعودية، والعراق، وقطر، والأردن، على الدعم الكامل من المجتمع الدولي لدفاع تركيا عن نفسها ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني.

قادة هذه الدول جميعهم أكدوا على أن تنظيم حزب العمال الكردستاني هو منظمة ارهابية وأن القتال ضد تنظيم الدولة أو الحرب في سوريا لا يعدان أعذار لتبييض صفحة الأعمال الارهابية.

وبالنسبة للادعاءات بأن تركيا تحارب الأكراد، فهذه كذبة واضحة. وهي جزء من حملة يقوم بها تنظيم حزب العمال الكردستاني وأدواته الأعلامية. لكن الحقيقة المزعجة هي أن وسائل الأعلام قد استعارت هذه الدعاية من أجل التشكيك بشرعية حرب تركيا ضد التنظيم.
تركيا لا تحارب الأكراد، وإنما تفكك مواقع تدريب تنظيم حزب العمال الكردستاني، ومواقع اسلحته في العراق وتركيا. وقد أكد مسعود البرزاني، رئيس اقليم كردستان العراق، على ذلك، بقوله بأن تركيا ترد على هجمات التنظيم داخل أراضيها. كما أنه دعا تنظيم حزب العمال الكردستاني الى وقف هجماته وترك شمال العراق.

وبعيداً عن الدعاية التي يقودها التنظيم، فإن الحقيقة تشهد على أن تركيا قامت خلال السنوات العشر الأخيرة، بفتح صفحة جديدة مع أكرادها، وقامت بالعديد من الاصلاحات، واستثمرت المليارات في المناطق الكردية، وجعلت الأكراد مواطنين أحرار ومتساوين مع نظرائهم الأتراك. إضافة لذلك، فإن تركيا قد طورت علاقات سياسية واقتصادية وثقافية متكاملة مع الأكراد في العراق. كما يسجل لأردوغان أنه كان أول من أثار الحديث عن مشكلات الأكراد السوريين مع بشار الأسد، وذلك قبل أن يشير اليها أي من القيادات الغربية بوقت طويل.

إن المروجين لدعاية التنظيم والذين يصورون التنظيم على أنه حمامة سلام يتعامون عن هذه الحقيقة البسيطة، وهي أن تنظيم حزب العمال الكردستاني لا يعني الأكراد، والأكراد لا يعنون تنظيم حزب العمال الكردستاني. ان عملية السلام الداخلي التي بدأها الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، في عام 2005، لا تستهدف تبييض صورة تنظيم حزب العمال الكردستاني أو إضفاء الشرعية عليه. بل تهدف الى انهاء العنف. والمرحلة الأصعب في عملية السلام الداخلي تتمثل في نزع سلاح التنظيم.

لكن اتحاد المجتمعات الكردية، و تنظيم حزب العمال الكردستاني يبحثان عن الذرائع للحيلولة دون ذلك، وفوق ذلك يقومان بلوم الحكومة التركية بسذاجة، على الرغم من أنهما شنا أكثر من ثلاثمئة هجوم ارهابي، منذ الانتخابات البرلمانية في السابع من حزيران. فمنذ أن قام قائد تنظيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجالان، بدعوة تنظيم حزب العمال الكردستاني الى وضع السلاح، قام اتحاد المجتمعات الكردية بعدد من التصريحات الرافضة لعملية ترك السلاح، ودعا الى المزيد من العنف في الشوارع. أحد أسوء الحوادث كان في 6-8 أكتوبر، عندما قتل ما يقارب الخمسين شخصا في صراع في الشوارع، بدعوة من ديميرتاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي.

إنه من الواضح الآن أن حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعتبر نفسه حليفا مقربا من تنظيم حزب العمال الكردستاني، لا يستطيع اتخاذ سياسة مستقلة عن التنظيم، وبالتالي لا يستطيع ادانة أعماله، أو دعوته لترك السلاح. وهو ما سيقود الى خسارة حزب الشعوب الديمقراطي لشرعيته.

في هذه المرحلة، يعتمد مستقبل عملية السلام الداخلي على نزع سلاح تنظيم حزب العمال الكردستاني. فلا ديمقراطية تسمح بمحادثات سلام مع استمرار الهجمات الارهابية.
إن العملية العسكرية المزدوجة على تنظيم الدولة (داعش) و تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) صائبة ومشروعة. وعلى أولئك الذين يرفضون جميع أنواع الارهاب بصدق من دون معايير مزدوجة أن يدعموا تركيا. فذلك يصب في مصلحة تركيا وجيرانها وحلفائها، بالإضافة الى مصلحة كل من يريد السلام والاستقرار والازدهار للجميع في المنطقة.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.