لبنان بعد حرب غزة: مفاوضات حول السلاح والحدود والنفوذ الإقليمي

صهيب جوهر
اسطنبول
نشر في 14.12.2023 13:10
آخر تحديث في 14.12.2023 13:23
دخان يتصاعد عبر الأفق على طول التلال في جنوب لبنان بعد قصف إسرائيلي من موقع على طول الحدود في شمال إسرائيل. 14 ديسمبر 2023 الفرنسية دخان يتصاعد عبر الأفق على طول التلال في جنوب لبنان بعد قصف إسرائيلي من موقع على طول الحدود في شمال إسرائيل. 14 ديسمبر 2023 (الفرنسية)

طوت عملية "طوفان الأقصى" شهرها الثاني ودخلت الثالث ولم تتوقف بحور الدم. وكل ذلك يجري بعد انهيار مجموعة "الهدن الإنسانية"، وتوقف لقاءات الدوحة الرباعية الديبلوماسية ـ الاستخبارية في الانتقال منها الى الحل المُستدام ورسم صورة الوضع في قطاع غزة وغلافه في اليوم الأول الذي يلي وقفها. وهو ما يطرح السؤال حول قدرة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على التماهي مع اسرائيل والاطراف الاخرى، وإمكان استعادتها دور الوسيط النزيه؟

ومع تزايد منسوب القتل الإسرائيلي الذي لايزال يطاول كل مناحي الحياة في القطاع المحاصر، تتركز بعض الجهود الإقليمية والدولية على تحييد لبنان من الانخراط بشكل أوسع في الحرب الدائرة، حيث يستمر التواصل الخارجي مع لبنان، ربطاً بزيارات لمسؤولين دوليين، على أن تحمل الأيام المقبلة المزيد من الزيارات لمسؤولين فرنسيين وقطريين.

وكذلك للمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، للقاء المسؤولين والبحث معهم في سبل خفض التصعيد ووقف التوتر، والوصول إلى حل للحدود الجنوبية، بما يتعلق بانسحاب إسرائيل من النقاط الـ13 المختلف عليها، ومعالجة وضعية مزارع شبعا، بانتظار إنجاز الترسيم البري النهائي لها.

وثمة عروض تقدمها القوى الدولية وفق معايير جديدة، وهي ضرورة العودة إلى خيار الاستقرار، وضمان أمن اسرائيل بموجب اتفاق، قد يكون عبر مجلس الأمن الدولي، أو بناء على اتفاق سياسي، في ظل تعذر الوصول إلى أي قرار في مجلس الأمن لتعديل القرار الدولي 1701، نظراً لتصويت صيني روسي بفيتو ضد تمريره، لذا فإن المفاوضات ستكون سياسية، أي لن يكون بطريقة الفرض، لأن "حزب الله" لن يوافق.

ويسعى المسؤولون الذين يعملون على نقل الرسائل إلى لبنان أن يوجهوا اهتمام الأطراف الداخلية إلى ضرورة تكريس مبدأ التفاوض السياسي، لتجنب أي لحظة جنون لدى الحكومة الإسرائيلية والدخول في حرب مع لبنان، على قاعدة أن تل أبيب قد تسعى إلى نصب فخ عسكري واستدراج الجميع إلى حرب إقليمية شاملة، لا يريدها أي طرف.

ويظهر الأميركيون ومن خلفهم الفرنسيون أنهم يسعون إلى تجنب الحرب الشاملة ومنع الإسرائيليين من فرضها بقوة الوقائع العسكرية والحجج الأمنية والديموغرافية، لذا، تتواصل الأفكار المتعلقة بالصيغة التي سيتم الوصول إليها لتجنب التصعيد، وسابقاً كان قد طرحت الحكومة الإسرائيلية فكرة إنشاء منطقة عازلة بين الحدود وضفاف نهر الليطاني بعمق 30 كيلو متر، لكن حزب الله يعتبر أنها فكرة لا يمكنه القبول بذلك.

فلبنان منذ النكبة في العام 1948 يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية، ولم يطالب الإسرائيليين بالانسحاب إلى منطقة معينة أو انشاء منطقة عازلة أو آمنة، أما بشأن تأمين الاستقرار لإعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية، فإن حزب الله ولبنان يعتبران أن هذه مشكلة إسرائيلية ولبنان غير معني بها، وأن الحل يبدأ بوقف أتون الحرب المستمرة على قطاع غزة باعتبار أن لبنان حتى اللحظة هو جبهة مساندة وليس جبهة مواجهة.

بالمقابل يسعى حزب الله على تجميع أوراق يعتبرها أوراق قوة بين يديه، تحضيراً لمرحلة ما بعد الحرب على القطاع. ويربط الحزب مسألة وقف العمليات التي يخوضها انطلاقاً من جنوب لبنان ضد المستوطنات الإسرائيلية في الشمال، بمسألة انهاء الحرب في حماس، لكنه بات يدرك أن تغييرات كثيرة ستطرح في المراحل المقبلة على مستويات إقليمية ودولية، ستعمل على بحث مرحلة استعادة الاستقرار على كل الجبهات، طالما أن لا أحد يريد الانزلاق في معارك شاملة، ولا يريد استمرار عمليات الاستنزاف.

ويستفيد الحزب من التخبط الإسرائيلي، وخاصة أن حكومة الحرب الإسرائيلية ومن خلفها كل المؤسسات السياسية والأمنية في الكيان الاسرائيلي بدأت التفكير باليوم التالي لما بعد توقف الحرب، وكيف سيعملون على إقناع سكان المستوطنات الشمالية بالعودة إلى منازلهم وأعمالهم وخاصة أن الحرب باتت مكلفة اقتصادياً على حكومة نتنياهو، طالما حزب الله ومعه فصائل فلسطينية ولبنانية بات متواجداً في عمق الأمن القومي الإسرائيلي، ويمكنه في أي لحظة أن يشن عملية أكبر وأضخم من عملية "طوفان الأقصى".

هنا تكمن النقطة الجوهرية الأهم بالنسبة إلى حزب الله، من خلال استثماره بالمشاركة في غرفة العمليات المشتركة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بات شريكاً تلقائي بالتفاوض حول ما يجري في فلسطين ومستقبل القضية، وذلك يندرج في إطار مشروع "وحدة الساحات" وعدم تجزئتها، وفق ما أرادت اسرائيل فعله.

أما مشاركة حماس، والجهاد والجماعة الإسلامية وسرايا المقاومة في عمليات قتالية وإطلاق الصواريخ، فإن الحزب لاحقاً سيكون هو المفاوض عن كل هذه الفصائل والتنظيمات، لا سيما عندما ستُطرح عليه مسألة ضبط الجبهة في الجنوب، وتكريس الاستقرار، وتسجيل انسحابات عسكرية وخاصة لفرقة "الرضوان النخبوية" والتي تطالب بها واشنطن وباريس وتل ابيب.

وهنا سيطرح الحزب مسألة إيجاد حل للوضع على قاعدة ضبط حركة تلك الفصائل والتنظيمات، فيفاوض على سحبها وعلى قدرته في ضبط الجبهة الجنوبية، من دون أن يكون التفاوض على انسحاب قواته أو عناصره، على اعتبار أن مقاتليه هم أبناء تلك المناطق الجنوبية. وبالتالي، لا يمكن القبول بخروجهم. وهذا أمر غير مطروح بالنسبة إلى الحزب ومن خلفه إيران والتي استثمرت به كقوة عابرة للدول، فكيف في ساحته المركزية جنوب لبنان.

بالتوازي يسعى الحزب لاستباق أي تحرك دولي واقليمي وخاصة الفرنسي أو القطري، إضافة للجهد الذي تقوم به واشنطن، مع استمرار التفاوض الإيراني الأميركي حول النووي أو النفوذ الإقليمي. حيث أن كل هذه المساعي تهدف للوصول إلى ترتيبات توزيع النفوذ ضمن مشروع الخارطة الإقليمية الجديدة للمنطقة المرحلة المقبلة، وتحمل تغييراً ضمن اتفاق من دون اللجوء إلى الخيار الميداني. والبحث يتركز حول كيفية معالجة مسألة السلاح الدقيق في جنوب "نهر الليطاني".

ولا يمكن لهذه الحرب في ضوء طريقة إدارتها من قبل الأميركيين، وتركيز الإسرائيليين على غزة، ومنعهم من الضرب في اليمن، ولجمهم عن التصعيد تجاه حزب الله ولبنان، إلا أن يكون له انعكاسات في السياسة.

ولأن التفاوض المركزي في المنطقة الذي يطاول الشريان التجاري البحري العالمي في باب المندب والبحر الاحمر، فلا بد من صنع أوراق في لبنان لمواجهة فرض المشاريع والقرارات، لذا لا تزال هذه المفاوضات بحاجة إلى مزيد من الوقت كي تنضج، ولا يمكن فصلها عن مسار المعركة في غزة، على الرغم من الحديث المتكرر بأن لا أحد يريد الحرب.