مسارات الدعم التركي للقضية الفلسطينية

علي أسمر
اسطنبول
نشر في 17.12.2023 12:46
لافتة تدعو للإضراب على أحد المحال في ولاية دياربكر. تركيا. 11/121/2023 لافتة تدعو للإضراب على أحد المحال في ولاية دياربكر. تركيا. 11/121/2023

منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، تواجه القضية الفلسطينية تحديات كبيرة، حيث بقيت هذه القضية يتيمة وحيدة في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية، ومن ورائها القوة المالية والسياسية الغربية، لم تفكر الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة للحظة أن تراجع نفسها، أو تخفف دعمها لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي ترتكب أفظع الجرائم بحق أهل القطاع ضاربة عرض الحائط كل المواثيق الإنسانية والدولية، وكأنها فوق القانون، بل فوق القوانين الطبيعية، وهذا ما دعا تركيا إلى أن تتخذ مسارات متعددة لدعم القضية الفلسطينية، لتحقيق شيء من توازن القوى، ولكي يفهم الغرب أن القضية الفلسطينية هي ليست قضية عربية أو دينية فقط، بل هي قضية إنسانية قبل كل شيء.

المسار السياسي

تشغل القضية الفلسطينية مساحة كبيرة في تاريخ السياسي التركي، ولهذا السبب بمجرد بداية الأزمة على الأراضي الفلسطينية رأينا اتصالات مكثفة من الرئيس رجب طيب أردوغان مع العديد من الزعماء العرب والأجانب للعمل على عدم تفاقم الوضع، حيث كان الموقف التركي واضحاً وثابتاً منذ البداية، ويتمثل برغبة حقيقة بخفض التصعيد وتحرير الرهائن وإدخال المساعدات ووقف دائم لإطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ورأينا أيضا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مصر للتباحث مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، وقامت القيادة التركية بالعديد من الزيارات لتنسيق موقف عربي تركي إسلامي موحد تجاه القضية الفلسطينية كالمشاركة في القمة الخليجية في قطر مؤخرا، إذ تؤمن تركيا بأن خطواتها يجب أن تكون بالتنسيق مع جميع الدول المعنية بالقضية الفلسطينية لتكون النتائج إيجابية لأبعد حد ممكن، وتركيا لا تخطط للحاضر فقط بل هي تخطط للمستقبل حيث اقترحت تركيا "آلية الضامنين" أي أن أنقرة ترغب في أن تكون طرفا فعالاً في المفاوضات بعد انتهاء الحرب، وأن تكون ضامنا للطرف الفلسطيني في آلية جديدة لحماية قطاع غزة تتكون من الدول الصديقة لفلسطين لضمان الأمن والأمان وضمان عدم تمادي جنود الاحتلال على القطاع، وهذه الآلية أثبتت نجاحها عبر التاريخ في مناطق متوترة كثيرة حول العالم.

المسار الاجتماعي

بسبب تطابق الرؤية الحكومية مع الرؤية الشعبية في تركيا، شاهدنا الكثير من المظاهرات الشعبية الداعمة لفلسطين، وهذا بسبب التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الحكومة للشعب بخصوص هذا الموضوع، رأينا أيضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إحدى المظاهرات، وهذا شيء نادر لم نره في دول أخرى، من جانب آخر نرى مقاطعات الشعب التركي لبعض الماركات العالمية الداعمة لإسرائيل، بالإضافة إلى ذلك جُمِعَت التبرعات لشعب غزة.

المسار الإعلامي

نعلم جيداً أن الإعلام الغربي متطور جداً وقادر على خداع مواطنيه لذلك كان على عاتق الإعلام التركي المؤيد والمعارض مهمة كبيرة لتفنيد الأكاذيب الغربية حول ما يحصل في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، وهذه من المرات القلائل التي يتوافق بها الإعلام المؤيد مع الإعلام المعارض. وبعد مرور نحو شهرين من بداية الأزمة، لا تزال الصحف التركية الورقية تنشر أخبار فلسطين في الصحف الأولى من الجرائد وما زالت البرامج التلفزيونية والإخبارية والمسلسلات التركية تتابع تطورات الوضع في غزة.

المسار الاستخباراتي

المخابرات الإسرائيلية كانت تظن أن تركيا مثل أي دولة أخرى، وتستطيع القيام بعملياتها بسرية تامة، ولكن كان الواقع غير ذلك.

انصدمت الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" بالحقيقة، حين استطاع جهاز الاستخبارات التركي أن يفكك خلايا الموساد في تركيا مرات عديدة، واستطاع أن يصطاد عملاء الموساد بكل حرفية قبل تحقيق مخططاتهم على الأرضي التركية، في أكتوبر 2021، وفي شهر مايو 2023، وفي تموز 2023 أيضا، وقبل أيام قليلة حذرت تركيا إسرائيل من أي عملية اغتيال تستهدف قادة حماس في تركيا، ووعدتها بأن أي عملية أو هجوم استخباراتي في تركيا ستكون له عواقب وخيمة وكبيرة.

المسار العسكري

في تقديري تركيا تحارب الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل غير مباشر، عن طريق مكافحة التنظيمات الإرهابية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة في شمال سوريا والعراق، وفي آخر بيان لوزارة الدفاع التركية قالت إنَّ عدد الإرهابيين الذين حُيِّدُوا هذه السنة وصل ل 2032 إرهابياً، وهذا ما يدل على أن تركيا سارية في مكافحة الإرهاب المدعوم من بعض الدول الغربية على حدودها، ومن الممكن أن تشهد سنة 2024 على عملية عسكرية برية لتنظيف الشريط الحدودي من المجموعات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي، وتهدد أمن المنطقة كلها.

تنوع المسارات التركية الداعمة للقضية الفلسطينية يؤكد حساسية هذا الملف لدى تركيا، ويجب ألا ننسى أنه يوما ما كانت الأراضي الفلسطينية تحت حماية الدولة العثمانية وانطلاقا من هذا المبدأ ستبقى تركيا تدافع عن فلسطين وكما قال الرئيس أردوغان.

"الدفاع عن غزة وعن فلسطين اليوم يعني في الوقت ذاته الدفاع عن القدس ومكة والمدينة، وعن إسطنبول"، وهذه جملة عميقة ذات معانٍ كبيرة لإدراك أهمية القضية الفلسطينية لدى تركيا حكومة وشعبا.