الشرق الأوسط في نهاية 2023.. الحظ العاثر يستكمل مساراته

صهيب جوهر
اسطنبول
نشر في 27.12.2023 20:32
أطفال غزة. 27/12/2023 الأناضول أطفال غزة. 27/12/2023 (الأناضول)

يَستند ما يطلق عليه "الدلع السياسي" لرئيس حكومة الحرب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حربه على غزة إلى ثابتة أساسية، وهي أن إسرائيل ستبقى "الطفل المدلل" لدى الولايات المتحدة ودول الغرب مهما فعلت، وستتدفق عليها الذخائر والمليارات التي تستهلكها، مهما بلغ حجمها. لذلك، هو يعتقد أن الفرصة متاحة أمامه لتحقيق هدفه الاستراتيجي، وهو التخلص من غزة كمدينة وشعب ومقاومة، مهما طال أمد الحرب.

لكن نتنياهو المعتمد على هذه الثابتة التاريخية تبلغ من واشنطن والأوروبيين وبعض العرب أنهم باتوا يفضلون وقف الحرب عند حد معين، لأنها تستنزفهم بشدة على صعد مختلفة، وتشغلهم عن مكان آخر أكثر أهمية استراتيجية وهو أوكرانيا، بوابة أوروبا ومتراسها لجهة الشرق نحو روسيا.

وعلى العكس، تبدو الحرب في قطاع غزة مصلحة لموسكو، لأنها أدت إلى إضعاف الأوكرانيين وإرباك المعسكر الغربي الداعم لهم. ويراهن بوتين على انهيار الجبهة المقابلة له في أوكرانيا، إذا طال أمد الحرب في غزة واحتاج الإسرائيليون إلى جسر يوفر لهم الإمدادات المتواصلة. وطبعاً، ستكون حاجة الإسرائيليين إلى الدعم أكبر إذا تشابكت الجبهات في وجههم، لا سيما من الجهة اللبنانية.

لذا فالصورة على حقيقتها فيها الكثير من الغرابة السوريالية: فمن المثير أن تكون حركة حماس قد فتحت باب الحرب، لكن إسرائيل لم تعد توافق على وقفها إلا بتحقيق أهدافها الاستراتيجية، أي تدمير غزة وتهجير أهلها، ومن المقلق أيضاً أنّ مصلحة حلفاء إسرائيل الغربيين هي في وقف الحرب، فيما مصلحة روسيا تكمن في استمرارها.

ويبدو من المثير أيضا أن تكون حركة حماس متروكة لمصيرها واقعياً، فيما الجبهات مدروسة لتبقى إما باردة كما في الجولان وإما فاترة كما في الجنوب اللبناني. وأما العرب فيبدو أنهم في انتظار أمور أخرى.

إذاً، ضمن هذا التوازن الإقليمي الحاصل، فإن حرب غزة لن تتوقف في المدى المنظور. وبالتأكيد هي مستمرة حتى بداية شهر رمضان المقبل، وعلى الأرجح ستتخذ طابع الاستنزاف طوال العام المقبل، لأن نتنياهو قرر أن يلعب ورقة الانتخابات الرئاسية الأميركية بين جو بايدن ودونالد ترامب، عله يؤثر على مسار الجانب الخارجي في الانتخابات الأميركية.

وفي مناخ من الضعف العربي والإهمال الدولي، دخلت الحرب مرحلة الخطر الشديد، وباتت تَسقطُ يومياً أعداد مريعة من القتلى والجرحى من سكان قطاع غزة ويتم تدمير أحياء بكاملها، بصمت كامل. والهدف هو حشر المدنيين على بوابة رفح، قبل أن تبدأ المرحلة التالية الأكثر شراسة كما يتوقع الخبراء العسكريين.

وعليه فإن مناخ الشرق الأوسط بكامله سيبقى متوتراً طوال فترة الحرب على غزة، أي في النصف الأول من العام 2024 بالتأكيد، وفي النصف الثاني أيضاً على الأرجح. وإذا كان العرب البعيدون عن الجبهة كالخليج والمغرب العربي ينأون بأنفسهم عن غزة وتداعياتها، فإن لبنان وسوريا منخرطون فيها ولو نسبياً.

كذلك، لا يمكن عزل مصر والأردن عنها في مراحل مقبلة بسبب خطورة ملف التهجير على الدولتين. فيما يبقى النظام السوري الأكثر إصراراً على التمسك بخيار الحياد السلبي لحسابات الأسد بتقديم أوراق اعتماد للأميركيين والإسرائيليين.

هذا يعني أن لا إمكانية لتعافي لبنان خلال العام المقبل، لا على المستوى الأمني ولا حتى على مستوى الاقتصاد المنهار، في ظل إصرار الفريق الحاكم بإحباط كل محاولات الإصلاح الداخلي، وإخضاع المجتمع الدولي على الاقتناع بالأمر الواقع، باعتباره خياراً لا بد منه ولا يمكن الحصول على ما هو أفضل منه. ولذلك، بدأت المؤسسات الدولية تستعد للتعاطي مع هذه السلطة، في القطاعات السياسية والمالية والإدارية.

حتى اليوم، يصر المسؤولون الأميركيون على القول إنهم وحلفاءهم قدموا كل الدعم للشعب في لبنان كي يحقق التغيير، لكن أداء هذا الشعب نفسه لم يكن كافياً، فتعثّر المسار. وتبين أن العالم قد يدعم شعباً معيناً في سعيه إلى التغيير، لكنه لا يأخذ المهمة على عاتقه، إذا فشل هذا الشعب.

في العام 2024، من الواضح أن القوى الدولية ستكون أكثر تأقلماً مع قوى السلطة في لبنان، وستساومها وتبدي رغبتها في عقد الصفقات معها. لكن المناخ السياسي لن يسمح إلا بمزيد من الحلول الهشة، وسيجري تسيير الدولة كما قبل الانهيار وبالأدوات نفسها.

بالمقابل فإن جميع الأطراف تعتقد أنه لا يمكن للبنان إنجاز أي استحقاق سياسي في الداخل، قبل استشراف صورة الوضع في قطاع غزة، وبالتالي في الجنوب اللبناني. لذا، كل النقاش السياسي سيكون مؤجلاً إلى ما بعد إعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان، مع طروحات كثيرة وأفكار حول كيفية تحقيق ذلك إنما بلا إجابات واضحة حتى الآن، بموازاة استمرار العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية.

والمشكلة الأساسية اليوم هو أن هناك إجماعاً دولياً على انعدام وجود أي حكومة إسرائيلية قادرة على إجراء حوار يمكن الوصول معها إلى اتفاقات. خصوصاً في ظل هذه الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً.

أي أن المشكلة تبقى في أن الحكومة الإسرائيلية القائمة حالياً عاجزة عن الذهاب إلى أي اتفاق سياسي، ومن مصلحتها الاستمرار في الحرب والمعارك، والأساس يبقى متعلقاً بكيفية تغيير الحكومة الإسرائيلية للوصول إلى فتح مسار التفاوض الجدي. في غزة يمكن الذهاب إلى إنتاج ما يشبه القرار 1701.

حتى الآن وبالرغم من كل التصعيد العسكري المشهود في الجنوب، والتهديدات والرسائل التي يتم إيصالها إلى لبنان، تبقى هناك وسائل متعددة لنزع الألغام، أو سحب الذرائع للتصعيد العسكري، وهناك وجهات نظر تشير إلى أن أي اتفاق سيتم الوصول إليه، لا بد أن يمر بعد ضربة كبيرة تكرس اتفاقاً جديداً، لذا فإن أي قرار أو اتفاق مهم في جنوب لبنان وعلى الجبهة مع إسرائيل، لا بد أن يحصل بناءً على ضربة عسكرية أو بالأحرى بعد مواجهة. خصوصاً أن ضربات حزب الله للإسرائيليين ستكون موجعة، وقد لا تكون هذه الضربة حرب شاملة، إنما معركة من ضمن المعارك.