بعد اغتيال العاروري.. ما السيناريوهات المتوقعة لمسار التصعيد؟

صهيب جوهر
اسطنبول
نشر في 04.01.2024 17:45
غزة. 03/01/2024 الأناضول غزة. 03/01/2024 (الأناضول)

جمع الشيخ صالح العاروري الذي اغتالته إسرائيل في الضاحية الجنوبية الثلاثاء عدة سمات، منها أنه متخصص في الشريعة الإسلامية، وعمله في الجناح العسكري لـ"حماس" في الضفة الغربية الذي كان معروفاً باسم كتائب الشهيد عبد الله عزام إلى أن جرى توحيد الاسم بين الضفة وغزة تحت "كتائب عز الدين القسام"، إضافة إلى انخراطه بعد 2007 في العمل السياسي والقيادة التنظيمية لحماس في الخارج.

لذا أكسبته هذه المسارات قدرة على العبور والنفاذ واسعة، إضافة إلى انتمائه إلى الضفة الغربية ومشاركته المبكرة في النضال المسلح فيها إبان الانتفاضة الأولى، واتصاله بكبار العمل المقاوم في حماس كعماد عقل ويحيى عياش ومحمد الضيف، وتعرضه للسجن على فترتين؛ الأولى 15 عاماً من 1992 وحتى 2007م، ثم سجنه مرة أخرى بعد التصفية التي أجرتها السلطة الفلسطينية تجاه حماس في الضفة بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007 حتى أفرج عنه عام 2010. ثم إبعاده خارج فلسطين ليتنقل بين سوريا وتركيا ولبنان وقطر.

تلك التجربة سهلت له ابتكار بعض التكتيكات، التي اتخذت طابع الشعار لكنها في جوهرها استراتيجية ظهرت وتجلت في أكثر من موقف، أبرزها كان "سيف القدس" وعملية "طوفان الأقصى"، إضافة لجهوده في مشروع "وحدة الساحات" الذي قام على فكرة تجاوز الخلافات البينية بين الفصائل ومكونات محور العداء لإسرائيل للتوحد خلف الهدف الرئيسي وهو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، على أن توحد فلسطين كل الساحات التي تمزقها الجغرافيا والأيديولوجيا.

وبالفعل استطاع هذا الاتجاه الذي لم يكن العاروري بالطبع هو مُحركه الوحيد، إدماج العديد من الساحات المتباينة جغرافياً والبعيدة من حيث الانتماء والأفكار، بل ظهر بشكل جليّ في صورة انتفاضة على مدار العامين الماضيين منذ معركة سيف القدس.

لذا فإن اغتيال صالح العاروري في لبنان يؤشر إلى تجاوز اسرائيل المحظور الذي كان سائداً لديه قبل عملية "طوفان الأقصى" من أن تسفر هكذا عملية عن جولة قتال عسكرية مباشرة مع "حزب الله"، وعلى الرغم من الخطوط الحمراء التي يضعها حزب الله لإسرائيل في استهداف قادة المحور والتي التزمت بها إسرائيل لسنوات متعددة، إلا أن الحسابات تغيرت بعد عملية "طوفان الأقصى" حيث أصبح الثأر الإسرائيلي كبيراً وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

وإذا كان التخوف الإسرائيلي سابقاً هو أن يقدم "حزب الله" على رد عسكري على الاغتيال عبر الحدود، فإن هذا الرد أصبح اليوم واقعاً يومياً في المواجهة القائمة على الحدود مع شمال إسرائيل، في إطار التضامن والإسناد لمقاومة غزة.

وبالتالي، فإن قادة اسرائيل ربما يرون أن الثمن مدفوع سلفاً. ولكن هل هذا يشمل التحسب إسرائيلياً لاحتمال أن تؤدي عملية اغتيال العاروري إلى توسيع للحرب الجارية على الحدود مع لبنان؟ هذا يحتاج الى معلومات لا تتوفر في هذه الساعات المبكرة التي أعقبت الاغتيال، وخاصة أن الحزب يلتزم قواعد الاشتباك.

كذلك فإن تنفيذ عملية الإغتيال في الضاحية الجنوبية لبيروت يعتبر تطوراً يحمل دلالات خطيرة على الصعيدين الأمني والمعنوي، وهذا قد يترك تداعيات على مسار المواجهة القائمة في الجنوب اللبناني التي بدأ الجانب الاسرائيلي يتوسع فيها جغرافياً في الفترة الأخيرة، وإن كان لا يزال مردوعاً بحسابات الحرب المفتوحة إلى حد كبير، حتى الآن.

وربما لم يكن توقيت عملية الاغتيال مفاجئاً، بالنظر الى تهديدات نتنياهو الصريحة التي أُطلقت بعد عملية "طوفان الأقصى" باغتيال قادة حماس أينما كانوا، وسمّت الدوائر الاسرائيلية صالح العاروري من بين شخصيات أخرى، لكن استهدافه بعد نحو ثلاثة شهور على الحرب الجارية في قطاع غزة إنما يُشير إلى سعي إسرائيلي حثيث لتسجيل هدف معنوي وعملياتي قد يُعوّض عن الإخفاق في اقتناص شخصيات رمزية من حماس وكتائب القسّام في القطاع.

وفي سياق التوقيت، هناك نقطة ينبغي التوقف عندها ملياً، وتتعلق بالتقارير الإسرائيلية التي تحدثت في الأيام القليلة الماضية عن سحب عدد من الألوية الإسرائيلية العسكرية المقاتلة من غزة لغرض التمهيد للانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب أقل كثافة أو لإراحة الجنود، وسط إشارات إسرائيلية عدة إلى تفكير مستجد بتوسيع نطاق العمليات الحربية مع لبنان لتعديل الوضع على الجانب الآخر من الحدود.

وهنا يكثر السؤال المهم وهو هل من رابط بين الاغتيال وما يجري من متغيرات على ساحة القتال المركزية في قطاع غزة؟ وهل التحذيرات الإسرائيلية تجاه لبنان تنطوي على تهويل، أم أن الجبهة الشمالية تحتاج بالفعل من وجهة نظر العدو إلى تسخين محدود يبدو حاجة داخلية في ظل الأفق الضيق الذي بلغته الحرب على غزة، والأهم من ذلك هل حصلت إسرائيل على غطاء من واشنطن للقيام بالاغتيال.

سبق اغتيالَ العاروري بأيام اغتيالُ قائد مستشاري "قوة القدس" في الحرس الثوري الإيراني في سوريا العميد رضى الموسوي، كان المسؤول عن الإمدادات اللوجستية إلى حزب الله في لبنان وحماس والجهاد في غزة والضفة، في حين كان العاروري المسؤول عن توجيه العمليات في الضفة الغربية وتعزيزها بالأموال والسلاح، إضافة إلى أنه صلة وصل بين ايران وحزب الله من جهة وحماس من جهة أخرى. ونقطة الربط بين حدثَيْ الاغتيال قد تكون في أن نتنياهو يسعى إلى كسر حلقات تؤدي دوراً هاماً في استنزاف وإشغال قواته داخل فلسطين.

وعليه ثمة تخوف جدي من أن تكر سُبْحة الاغتيالات في مرحلة التعثر العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة والاندفاع الى خطوات مجنونة أخرى بهدف محاولة الخروج بمكاسب عسكرية وأمنية، إن كان لجهة السعي للسيطرة على الخط الحدودي بين غزة ومصر أو تسويق مخطط تهجير القسم الأكبر من سكان غزة إلى دول عربية وغربية.

مع هذا، من غير المرجح أن تؤدي عملية اغتيال العاروري في ذاتها إلى انعكاسات سلبية مباشرة على الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل ربما يمكن القول إنها ستؤجج روح النضال ضد اسرائيل، شعبياً وعسكرياً، وقد تؤدي إلى المزيد من العوائق أمام المفاوضات غير المباشرة حول تبادل الأسرى والمحتجزين.