إيران في 2024.. عام الشغب المحدود والمرسوم

صهيب جوهر
اسطنبول
نشر في 19.01.2024 14:28
الحشود الإسرائيلية على الحدود مع غزة. 16/01/2024 الفرنسية الحشود الإسرائيلية على الحدود مع غزة. 16/01/2024 (الفرنسية)

يعيش مشروع وحدة الساحات والجبهات امتحاناً صعباً أمام القوى الفاعلة في الشرق الأوسط، هذه المعادلة التي استمرت إيران بالتلويح بها منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، فيما المساعي الأميركية في المقابل ردعية، لمنع إيران من الانخراط بشكل واسع في هذه الحرب.

وعلى امتداد الجبهات المفتوحة في الإقليم، رفعت طهران مستوى التحدي في الأيام الأخيرة. ففوجئ الأميركيون والإسرائيليون بتوجيه إيران ضربات صاروخية للمرة الأولى منذ فترة طويلة إلى ما اعتبرته أهدافاً تجسسية إسرائيلية أو داعشية في أربيل العراق وفي أطراف حلب في سوريا.

وأتبعت طهران هذه الضربات بأخرى شرقاً، فاستهدفت في باكستان تنظيم "جيش العدل" الذي ينشط على الحدود بين البلدين، ويستهدف القوات الإيرانية هناك، رافعاً شعار الاستقلال لمحافظة سيستان وبلوشستان عن إيران، ويعتبر الإيرانيون هذا النشاط الانفصالي تخريبياً، وتتهم الولايات المتحدة باستثماره أحياناً لزعزعة استقرارهم وممارسة الضغوط لإخضاعهم.

وكانت طهران وجّهت رسائل أخرى إلى الأميركيين والإسرائيليين في الخليج العربي باستهدافها السفن المتوجهة لإسرائيل وتلك التابعة للبحرية الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، من خلال حلفائها الحوثيين، وبذلك، هي تحاول فرض موقعها كشرطي قادر على الإمساك بحركة الملاحة بالغة الأهمية استراتيجياً في تلك البقعة. وهو ما ردت عليه واشنطن على مدى الأيام الأخيرة بضربات لمواقع الحوثيين.

وعليه فإن مشروع "وحدة الجبهات" الإيرانية، ردت عليها واشنطن بالمثل، مع رغبة واضحة لدى الطرفين بعدم الانخراط الجدي في أي حرب واسعة، والضربات في العراق للحشد الشعبي والضربات في اليمن، بالإضافة إلى رد باكستان وبقاء الحدود الإيرانية الأفغانية خاصرة رخوة قابلة لتهديد إيران من الداخل، بالإضافة إلى قدرة الأميركيين والإسرائيليين على توجيه ضربات لحلفاء ايران في سوريا، يجعل إيران خاضعة أيضاً، عبر إشغالها في الكثير من الأحداث، سواءً في الداخل أو الخارج. وهذا ما يفترض أن ينتج معادلة صفرية.

بالتوازي لا يمكن الفصل بين استعراض القوة العسكرية الإيرانية وعروض القوة السياسية على ضفاف البحر المتوسط وحدود إسرائيل، وتحديداً في لبنان، حيث رفع حزب الله سقف شروطه في وجه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، من خلال المفاوض الرسمي اللبناني. وفيما يصر الحزب على رفض التوصل إلى أي اتفاق حول ترسيم الحدود البرية قبل وقف الحرب في غزة، أضاف إلى هذا الشرط مطلباً مستحيل التسوية في هذه المرحلة، وهو أن يكون انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا جزءاً من الصفقة الموعودة. وهذا الشرط أدى إلى إنهاء المهمة التي تولاها هوكشتاين أخيراً في بيروت، قبل أن تبدأ.

ما رفضه حزب الله معروف سلفاً ويتعلق برفض التراجع إلى ما بعد نهر الليطاني، ورفض وقف العمليات العسكرية طالما الحرب مستمرة على قطاع غزة وحركة حماس. أما ما بعد الحرب، فإن التفاوض سيكون متقدماً، ويتصل بخلق معادلة ردع جديدة، وهي ضمانات لإسرائيل بأن لا يشن الحزب عملية مشابهة لعملية طوفان الأقصى، مقابل ضمانات للبنان بانسحاب اسرائيل من النقاط الـ13 والبحث في معالجة وضع مزارع شبعا ووقف الانتهاكات الجوية.

وعليه يبدو أن إيران بدأت مرحلة جديدة من المواجهة على كل الجبهات الساخنة في الشرق الأوسط، عنوانها التحدي، وهذا النهج لا يبدو مستغرباً. فهناك عوامل عدة تسمح لطهران بالتمسك بمواقفها، بل التصعيد والمطالبة بالمزيد في هذه المرحلة، وأبرزها:

  • استمرار الخلاف الأميركي- الإسرائيلي. لأن إيران تدرك أن الولايات المتحدة لن تستهدفها بضربات عسكرية أياً كانت الظروف، وأن إسرائيل عاجزة أيضاً عن تنفيذ ضربات عسكرية ضدها لأسباب تقنية ولفقدان التغطية السياسية الأميركية. وهذا ما يشجع إيران على التصعيد واستغلال هذه الثغرة في جبهة أعدائها.
  • دخول إدارة بايدن في مناخات الصراع السياسي الداخلي، في العام الأخير من الولاية الحالية والتحضير للانتخابات الرئاسية. وهي لن تخوض مغامرة أخرى غير محسوبة العواقب في المنطقة، فيما هي تبذل الجهود لإطفاء النار المندلعة في غزة.
  • تعتبر إيران أن العديد من القوى السياسية الإقليمية والدولية قد تجرأت على الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الحلفاء. فإسرائيل نفسها تعاكسها اليوم، وكبار الحلفاء العرب يبحثون عن مصالحهم بمعزل عنها: فالسعودية وقعت اتفاق تفاهم مع الإيرانيين برعاية بكين، ومصر والأردن يتشبثان برفض الحلول التي يطرحها الإسرائيليون لتصفية القضية الفلسطينية، التي حملها وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن إلى المسؤولين في بدايات حرب غزة وتقضي بتهجير الغزيين إلى سيناء، وتركيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم وهي تتجه نحو استقلالية موقع وحضور أنقرة السياسي والاقتصادي.

لذلك فهذه الوقائع السياسية والعسكرية تشكل عامل اطمئنان لإيران وتسمح لها بانتهاج سياسة تحدي طوال أشهر مقبلة على الأقل، والأرجح على مدى عام كامل، ما دامت الحرب الكبرى لن تقع.

فحتى الحرب في غزة يُفترض أن تبقى مضبوطة عند مستويات معينة لأن المجتمع الدولي والدول الإقليمية يطالبون بذلك، ولأن مصلحة بنيامين نتنياهو تكمن في عدم إحراق هذه الورقة دفعة واحدة وسريعاً، قبل أن يحقق جزء من الأهداف التي يعمل لها.

ولذلك، ثمة من يعتقد أنّ هذا العام سيكون مصاحباً للحروب الصغيرة والموضعية، من غزة وربما الضفة الغربية، إلى سوريا والعراق واليمن، وإلى لبنان، حيث لا يبدو أن أياً من اللاعبين المعنيين، إسرائيل وإيران، سيتجرأ على الانطلاق في المغامرة المفتوحة أو يجد مصلحة في ذلك.