جامعو القمامة.. أبطال مجهولون يعززون مشروع النفايات الصفرية في تركيا

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 12.01.2022 11:44
آخر تحديث في 12.01.2022 11:47
الأناضول (الأناضول)

جامعو القمامة من الشوارع الرئيسية في جميع أنحاء تركيا بعرباتهم أبطال مجهولون يغفل الناس عنهم في زحمة الحياة، بينما يعززون جهود إعادة التدوير في كافة المدن التركية وخاصة الكبيرة منها، ويساهمون في تحقيق هدف النفايات الصفرية، في بلد يعتبر فيه فرز القمامة والتخلص منها بشكل صحيح مفهوماً جديداً نسبياً.

وتخوض تركيا كما معظم دول العالم حرباً لا هوادة فيها ضد أزمة المناخ، كذلك من أجل تنشيط الاقتصاد الوطني ودعمه. وهي من أجل ذلك تسعى لإعادة تدوير كل ما يمكن أن يكون ضرورياً في هذه المعركة. ومع استمرار اعتياد الجمهور على فرز القمامة لإعادة التدوير، تزدهر مهنة جمع القمامة حيث يقوم هواة الجمع من خلال مشاهد مألوفة في الشوارع المزدحمة والأزقة الخلفية، بمحاولة كسب الرزق بهدوء وسط حياة المدينة الصاخبة، وهم يدركون أو لا يدركون أنهم يدفعون قدماً بزيادة معدلات إعادة التدوير.

يبدؤون قبل الفجر، ويهرعون إلى حاويات القمامة قبل أن تبدأ طواقم البلدية جولاتهم المحددة لتفريغها. ويملأ هؤلاء الأفراد عرباتهم المصنوعة من أكياس كبيرة مهملة، من خلال البحث عن أية قطعة نفايات يمكن إعادة تدويرها، من علب الحليب إلى الزجاجات البلاستيكية إلى عبوات العصير المعدنية …. وغيرها. وفي نهاية اليوم، يتوجهون إلى المستودعات في ضواحي المدينة لتفريغ حمولتهم والحصول على كمية من المال تعينهم على لقمة العيش، وليتم نقل النفايات التي جمعوها إلى المصانع حيث يتم إعادة تدويرها وإيجاد استخدام جديد لها في الحياة اليومية.

ويعمل هواة الجمع بمثابة "وسطاء" في جهود تركيا الرامية إلى عدم وجود نفايات، والتي بدأت فصلاً جديداً من خلال مشروع النفايات الصفرية التاريخي الذي أطلقته السيدة الأولى أمينة أردوغان عام 2017. ومن المقرر أن يتم توسيع المشروع الذي اكتسب زخماً على مدار السنوات الخمس الماضية، في إطار اللوائح الجديدة التي تنص على أن يكون لجميع المباني صناديق قمامة منفصلة للبلاستيك والزجاج والورق وأنواع النفايات الأخرى. ومع ذلك، يقوم جامعو القمامة بعمل بطولي حاسم من خلال فرز القمامة التي يتم التخلص منها عشوائياً في حاويات القمامة في الشوارع.

محمود ألبير عضو جديد بين أبطال جامعي القمامة المتنامي عددهم. وصل الشاب البالغ من العمر 25 عاماً إلى إسطنبول قبل شهرين قادماً من من ولاية ماردين الجنوبية الشرقية. ولأن الشاب لا يحمل أية شهادات تعليمية وليس لديه فرص عمل أخرى، بدأ ألبير في جمع القمامة لكسب عيشه والإنفاق على أسرته. وتبدأ مناوبته في الساعة 6 صباحاً، وهو يستمر بالعمل في بعض الأحيان حتى الساعة 8 مساءً. قابلته وهو يقوم بجولاته في منطقة باهجيليفلر إحدى ضواحي إسطنبول المزدحمة فقال لي:"أقوم بجمع كل ما يفيد، مثل البلاستيك وعلب الصفيح وكل ما يمكنني العثور عليه. أشعر وكأنني أمنح القمامة حياة جديدة".

ويعتبر هطول الأمطار الذي يسبب ارتباكاً بالحركة بالنسبة لسكان المدينة الآخرين، بشرى سارة لألبير الذي يقول مازحاً أن المنافسة من قبل جامعين آخرين تغدو أقل، حال هطل الأمطار. وهو يسير في الشوارع لساعات، ويحاول إيجاد طريقة بعيداً عن المرتفعات التي تكون عملية سحب العربة فيها أصعب، واضعاً سماعات نادراً ما يزيلها من أذنيه. ويمشي ألبير كل يوم لمسافة 30 كيلومتراً ويجمع ما متوسطه 250 كيلوغراماً من العناصر القابلة لإعادة التدوير. وهو يكسب أسبوعياً حوالي 86 دولاراً أي ما يعادل 1200 ليرة تركية. الأمر الذي يعبر عنه بفخر قائلاً:"أبذل جهداً من أجل كسب عيشي، على الأقل أنا أعمل عملاً شريفاً ولا أتسول المال من الناس".

أما بطلنا الثاني محمد فالي فقد جاء من مكان أبعد من ألبير. إذ وصل الشاب الأفغاني البالغ من العمر 19 عاماً إلى تركيا سيراً على الأقدام ولا يزال يمشي من أجل عمله حيث انضم فالي إلى مواطنيه الباحثين عن حياة أفضل في الخارج، ووصل إلى تركيا قبل بضعة أشهر، بعدما سار إليها لمدة 35 يوماً على الأقدام. وبعد أن عمل في وظائف غريبة، وجد مهنته الجديدة بفضل زملائه جامعي القمامة من أفغانستان. وهو يشعر بفخر كبير لأنه بدأ بكسب المال لإرساله إلى أسرته المكونة من 8 أفراد. وقال فالي الذي يقيم في كوخ مؤقت يوفره له مالكو المستودع حيث يبيع القمامة التي يجمعها:"يعمل والدي كراعي غنم في أفغانستان، وأنا أرسل لعائلتي كل الأموال التي أكسبها هنا في كل أسبوع".

ويدير فولكان جيلتاش واحداً من العديد من المستودعات في جميع أنحاء إسطنبول، حيث يتم أخذ العناصر المعاد تدويرها قبل المعالجة. وهو ينحدر من عائلة متخصصة في جمع القمامة، الأمر الذي دفعه للمقارنة بقوله إن الأمور تغيرت كثيراً منذ عهد جده، الذي كان يعمل أيضاً في جمع القمامة:"كانت القمامة في الماضي تُجمع في مكان واحد، في مكبات النفايات، وكان الناس يعملون هناك للعثور على مواد قابلة لإعادة التدوير. والآن توجد مكبات نفايات في كل مكان". موضحاً أن جمع القمامة يوفر مصدر رزق لمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعملون بجد، سواء في الشتاء أو الصيف. ويشير إلى أن الناس لديهم تحيز ضد الجامعين بسبب اعتقادهم أنهم يقومون ببعض الأعمال غير القانونية، لذلك يطلب من السلطات منحهم ترخيصاً مناسباً لهذه الوظيفة وفرض ضرائب على دخلهم. والواقع أن أعمال جمع القمامة غير مسجلة إلى حد كبير، بالرغم من أنها تدر دخلاً لعدد كبير من الناس.

كذلك طلب إرهان خان، الذي لا زال يعمل جامع قمامة منذ العقدين الماضيين في غازي عثمان باشا بإسطنبول، إنهم يريدون أن يتم تعريف وظيفتهم على أنها مهنة قانونية بموجب القوانين التركية. ووجد خان وهو أب لطفلين، نفسه في هذا العمل عندما فقد وظيفته السابقة كعامل مصنع بعد الأزمة الاقتصادية عام 2001 في تركيا. وهو يكسب المال الذي يعيل به أسرته ووالدته التي لا تغادر سريرها، بل ويفخر بقدرته على إرسال أبنائه إلى الجامعة بالمال الذي يكسبه من جمع القمامة، موضحاً أنه يجمع حوالي 2.5 طن من النفايات يومياً.

أحمد غوغومن بطل من بين أصغر جامعي القمامة سناً. اضطر الصبي البالغ من العمر 14 عاماً إلى ترك المدرسة لرعاية إخوته السبعة. وبالرغم من الطبيعة الصعبة للوظيفة التي تتطلب منه أن يستيقظ مبكراً كل يوم، فإن الصبي الصغير بوجه مبتسم لا يزال راضياً وغير معترض. وقال غوغومن الذي يعمل أكثر من 12 ساعة ويمشي حوالي 50 كيلومتراً يومياً:"أحب هذه الوظيفة ولا أخجل منها أبداً. الشيء الوحيد الذي أفتقده هو ساعات النوم الطويلة" مضيفاً أن مسؤولي البلدية المعروفين باسم الزبيطة، والمسؤولين عن تفتيش البائعين غير المرخصين وغيرهم من العاملين في الشوارع، اعتادوا تفريقهم في الماضي لكنهم أصبحوا أكثر تفهماً في الوقت الحاضر. وقال:"نحن لا نفعل شيئاً سيئاً ولا نلوث البيئة، بل على العكس نقوم بتنظيفها".

وقال شوكرو كانات وهو بطل من بين هواة الجمع الشباب ويبلغ من العمر 17 عاماً، والذي وصل من شانلي أورفا إلى إسطنبول قبل شهر، إنه يكسب حوالي 50 دولاراً أي ما يعادل 700 ليرة تركية في الأسبوع. وأوضح:"هذه مهمة صعبة للغاية وفي الشتاء أشعر وكأن يداي تتجمدان". وأردف بفخر:"لكن أحياناً أجد أشياء جميلة بين القمامة. وجدت زوجاً من الأحذية اليوم وسأعطيه لأخي".