طاهٍ تركي حائز على نجمتي ميشلان يعيد اكتشاف ثراء المطبخ التركي

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 25.02.2021 13:51
آخر تحديث في 25.02.2021 13:52
الطاهي التركي أحمد ديدي يحضر الطعام مع زميل آخر من الأرشيف الطاهي التركي أحمد ديدي يحضر الطعام مع زميل آخر (من الأرشيف)

المطبخ التركي من أكثر المطابخ فرادة وثراء في العالم، ومن المؤسف حقاً أن تنحصر شهرته وتنوع مأكولاته اللذيذة في الكباب فقط ضمن صورة نمطية تقفز إلى أذهان الناس بمجرد ذكره. لكن الطاهي التركي "أحمد ديدي" الذي حصل مؤخراً على نجمة ميشلان أخرى، يعتزم تغيير هذه الصورة والكشف عن مدى ثراء وتنوع الطعام التركي بكافة أصنافه، من خلال مطعمه في إيرلندا.

وفي معرض حديثه لوكالة أنباء الأناضول قال أحمد ديدي: "إنه لأمر مجحف أن يُختزل تاريخ مطبخنا العريق وثرائه وتنوعه في الكباب وحده على لذته وتميزه، لكن من المحال أيضاً أن ينفرد الكباب في تمثيل مطبخنا المتنوع للغاية والمختلف جداً من منطقة إلى أخرى". وأضاف رئيس الطهاة البالغ من العمر 35 سنة والذي فاز الشهر الماضي بنجمة ميشلان الثانية وهي علامة جودة مرموقة ومطلوبة في عالم المطاعم العالمية: "رغم أن المطبخ التركي مميز بشكل لا جدال فيه إلا أنه أثّر وتأثر بمطابخ الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا".

ومضى بالقول: "نحن بحاجة إلى مزيد من التعريف بمطبخنا وإلى مزيد من الترويج للأطباق المختلفة بدعم من الحكومة والسفراء والمزيد من الطهاة الرائعين لعرض مأكولاتنا الغنية على مستوى العالم".

وتصف شركة ميشلان المعنية بتقييم المطاعم العالمية على موقعها على الإنترنت أصداء مطبخ "ديدي" في إيرلندا بالقول: "الطاهي التركي الأصل والنشأة أحمد ديدي استوطن في بلدة بالتيمور الساحلية، فما كان من المدينة وسكانها إلا أن أحبوه واستضافوه في قلوبهم". وتضيف ميشلان مشيدةً "بأسلوبه في الحد الأدنى من الهدر"، أن "أطباقه الأصيلة معتنى بها غاية الاعتناء وأنيقة وتحتوي بشكل جميل على الكثير من السمات التي تعكس بجلاء تراث ديدي التركي".

وأوضح الطاهي المولود في أنقرة والذي يملك ويدير مطعم "ديدي" في بالتيمور الأيرلندية، إنه "شعر بالارتباك" عندما تلقى الأخبار السارة من عائلته في تركيا. وقال: "كنت فخوراً جداً ومتحمساً وممتناً لعائلتي وفريقي".

ومنذ أكثر من عقد من الزمن وبعد عام من انتقاله للعيش في أيرلندا، قرر ديدي أن يصبح طاهياً عام 2010 وبدأ بالعمل مع العديد من الطهاة والمطاعم. وعندما شعر باستعداده لإدارة مطبخه الخاص وإعداد الأطباق التي تحقق رؤيته، قام بتعليق لوحة خشبية تحمل اسمه، وراح يعمل مع خمسة طهاة مختلفين من ميشلان في بلدان مختلفة، بما في ذلك هولندا والنرويج وأيرلندا.

وفي مارس/آذار 2017 انتقل "ديدي" إلى الساحل الجنوبي الغربي لمقاطعة "كورك" الأيرلندية ليصبح رئيس الطهاة. وحصل على أول نجمة ميشلان له عام 2018 لكن المطعم أُغلق في نهاية عام 2019. عندها قرر "ديدي" تحقيق طموحه وحلمه بامتلاك مطعم خاص به.

ويتذكر "ديدي" كيف ولد شغفه بالطبخ منذ كان مجرد صبي إذ كان يشاهد والدته تطبخ وكان يساعدها في تحضير الأطباق التقليدية قائلاً: "لقد كانت أوقاتاً سعيدةً تقاسمناها أنا وأمي معاً وحضّرنا الكثير من الطعام للعائلة".

ومع أن صناعة السياحة والمطاعم كانت من بين أكثر القطاعات تضرراً من جائحة كوفيد-19 العالمية، إلا أن "ديدي" لم يتأثر بها وظل مشغولاً.

وحول هذا الموضوع قال: "بمجرد أن بدأ الوباء، تطوعت للعمل مع برنامج الخدمات الصحية وأيضاً مع برنامج الوجبات الجاهزة حيث طُلب منا أن نكون بمثابة فريق احتياطي وأن نعمل في المطبخ في حال اضطروا إلى إغلاق المطابخ العامة، لذلك بقيت منشغلاً ومنتجاً".

ومع استمرار الوباء والإغلاق في البلاد بدأ "ديدي" في تقديم الوجبات الجاهزة وافتتح مطعماً لبيع الأطعمة المعلبة، وهو مؤسسة بيع بالتجزئة تبيع الأطعمة الجاهزة الغريبة والأجنبية، جعلته حسب قوله: "يطبخ وينتج ويفكر، فضلاً عن المساعدة في دفع النفقات العامة".

ومع اشتداد الجائحة وتفشي المرض حظرت تدابير كوفيد-19 تناول الطعام في الأماكن المغلقة. يقول "ديدي" عن تلك المرحلة: "لقد حفزتني الدماء التركية التي تجري في عروقي على تجاوز العقبات والعمل على ابتكار ما يخدم المرحلة فقمت ببناء مطبخ خارجي مع شواية متخصصة وفرن يعمل بالحطب". وقد أتاح ذلك للشيف فرصة للتعبير عن جانب مختلف من وجباته المعدّة لعشاء عائلي مريح.

ويقدم مطعم "ديدي" أطباقاً مميزة مثل "خبز البطاطس المتبل" و"بلح البحر الأزرق" مع الفلفل المستورد من شانلي أورفا جنوب شرق تركيا، وحساء الليمون والكركند المتبل، ولحم الغزال البري، والملفوف الأحمر وغيرها.

وأضاف: "أستخدم بهارات مختلفة من تركيا إضافةً إلى بلح البحر المحلي والمحار والأسماك والكثير من الخضار".

ووفقاً لديدي، فإن إلهامه يعود في الأصل إلى "أمي التي كانت تطبخ لإسعاد عائلتها وإظهار الحب لهم، والطبيعة الأم بما تنتجه من المحاصيل الزراعية وقدرتها على إظهار حبها في كافة المواسم"

وقال "ديدي" إنه إذا كان العالم قلقاً بشأن الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فيجب أن يكون هناك تغيير في "طريقة التسوق والطعام الذي نتناوله".

وأضاف: "من الواضح أننا بحاجة إلى دعم المنتجين المحليين وإلى وقف استخدام المواد الكيميائية في الغذاء. يتعين على الناس أن يتعاملوا مع الأطعمة التي يتم إنتاجها موسمياً، ويمكن حينها أن نرى كيف يتراجع تغير المناخ وينخفض تأثيره على مواسم الزراعة وعلى إنتاج الغذاء".

وشدد على أنه "إذا لم نتغير الآن، فسيكون العالم مكاناً مختلفاً بشكل كبير بالنسبة لأحفادنا".

ومع ذلك، ينظر "ديدي" نظرةً متفائلةً بشأن المستقبل ويخطط "لنشر كتاب هذا العام وإنشاء مطعم ثانٍ وفتح فندق صغير و إلهام جيل الشباب لممارسة مهنة الطبخ وتعلم كيفية إعداد الطعام بشكل مثالي". وأضاف وهو يتأمل الجائزة: "بكل تأكيد أنا أرغب في كسب المزيد من نجوم ميشلان وتحسين مهاراتي وتطويرها".