عائلات أفغانية تُجبر على بيع بناتها تحت نير الجفاف والجوع والفقر

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 26.10.2021 15:18
فتاة أفغانية لاجئة في باكستان الأناضول فتاة أفغانية لاجئة في باكستان (الأناضول)

بكت "فهيمة" طويلاً منذ باع زوجها ابنتيهما الصغيرتين للزواج، لتنجو العائلة من الجفاف الذي يجتاح غرب أفغانستان.

غافلةً عن الصفقة، جلست "فريشتة" البالغة من العمر 6 سنوات و"شكرية" البالغة من العمر 18 شهراً إلى جانبها في ملجأ من الطوب والقماش المشمع أُعدّ للنازحين.

وقالت "فهيمة" عن الخيار الذي يواجه الآن آلاف العائلات الأفغانية: "يعتقد زوجي أننا إذا لم نتنازل عن بناتنا، فسنموت جميعاً لأنه ليس لدينا ما نأكله (...) أشعر بالسوء للتخلي عن بناتي مقابل المال".

وطُلب سعر للعروس الأكبر سناً "فريشتة" قدره 3.350 دولاراً والطفلة الصغيرة 2.800 دولاراً، تدفع على أقساط على مدى عدة سنوات حتى يحين وقت انضمامهما إلى عائلتيهما الجديدتين، ولا يزال أزواجهم المستقبليون قاصرين.

يُمارس زواج الأطفال في أفغانستان منذ قرون، لكن الحرب والفقر المرتبط بتغير المناخ، دفع العديد من الأسر إلى اللجوء إلى إبرام الصفقات في وقت مبكر وفي سن صغيرة من حياة الفتيات.

ويمكن للوالدين أن يبرموا صفقة أكثر صعوبة إذا كانت فتياتهم أصغر سناً، من خلال تباعد الأقساط.

وحذر برنامج الغذاء العالمى الاثنين من أن أكثر من نصف سكان أفغانستان، أي حوالي 22.8 مليون شخص، سيواجهون انعدام أمن غذائي حاد اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي "قلعة ناو" عاصمة ولاية "بادغيس" الغربية، وهي إحدى المناطق الأكثر تضرراً من الجفاف، يسود شعور عارم بالحزن والخزي.

يقول رؤساء القرى ومخيمات النازحين إن عدد الفتيات الصغيرات المتزوجات بدأ في الارتفاع خلال مجاعة 2018، وأنه ازداد هذا العام عندما انعدمت الأمطار مرة أخرى.

ومن بين الكثير من المزارعين الذين طردوا من منازلهم، شعرت أكثر من 12 أسرة بأنها مجبرة على بيع بناتها للزواج.

ديون البقالة:

عرضت "صابرة" جارة "فهيمة" في المخيم والبالغة 25 عاماً، فاتورة محل بقالة استحق دفعها. وحذر صاحب المتجر أنه سيتم سجنهم إذا لم يتمكنوا من السداد له.

ولتغطية الديون، وافقت الأسرة على خطبة ابنتهم "زكيرة" البالغة 3 سنوات، لابن البقال "ذبيح الله" البالغ 4 سنوات.

ويجهل الأطفال الصغار مصيرهم في المستقبل، لكن صاحب المتجر فضل الانتظار حتى يكبر الزوجان قبل تولي مسؤولية رعاية الفتاة.

وقال والد الفتاة لوكالة فرانس برس: "لست سعيداً بفعل ذلك لكن لم يكن لدينا ما نأكله أو نشربه". وقالت والدتها الجالسة بجانب مهد حديدي وهي تحمل الرضيع النائم: "إذا استمر هذا الحال، فسنضطر إلى التخلي عن طفلنا البالغ 3 أشهر".

وأكد جار آخر أن العديد من العائلات في المخيم لجأت إلى زواج الأطفال، موضحاً أن ابنته البالغة من العمر ثماني أو تسع سنوات، مخطوبة لرجل يبلغ 23 عاماً كان هو مديناً لأسرته. والشاب الآن بعيد في إيران المجاورة وابنته تخشى يوم عودته.

وعلق أحد المارة الذي سمع الحكاية الحزينة: "نعلم أن هذا ليس صواباً، لكن ليس لدينا أي خيار".

"لم أرهم منذ ذلك الحين":

وفي مخيم آخر في "قلعة ناو"، مسح "محمد أسان" دموعه وهو يعرض على وكالة فرانس برس صور بناته، "سيانا" 9 أعوام و"إيدي غول" 6 أعوام، تعيشان الآن بعيداً مع عرسانهما الصغار.

وقال: "لم نرهم منذ ذلك الحين". "لم نرغب في القيام بذلك، لكن كان علينا إطعام أطفالنا الآخرين".

ومثل كثيرين آخرين، التمس "أسان" وعائلته المأوى في المخيم المؤقت خلال القتال العنيف في السنوات الأخيرة حيث استعادت حركة طالبان المنتصرة السيطرة على البلاد من يد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة.

وقال محاولاً مواساة نفسه: "بناتي بالتأكيد أفضل حالاً هناك، لديهما طعام يأكلانه" بينما أظهر للصحفيين بقايا الخبز التي وفرها له جيرانه.

ولأن زوجته مريضة وعليه دفع فواتير طبية، بدأ "أسان" بالفعل في البحث عن خاطب لابنته المتبقية البالغة من العمر 4 سنوات.

وقالت زوجته: "أحياناً أصاب بالجنون، أغادر الخيمة ولا أعرف حقاً إلى أين أذهب".

ويبدو حزن الأمهات الأفغانيات طويل ومفتوح منذ أن يبدأ القرار الصعب بالمساومة على الطفلة، ثم يعقبه مرور الأشهر أو السنوات التي تنتظر رحيلها، ثم ألم الفراق.

لقد بذلت "ربيعة" وهي أرملة تبلغ من العمر 43 عاماً، كل ما في وسعها لدحر هذا اليوم المشؤوم.

فابنتها "حبيبة" بلغت 12 عاماً وكان ينبغي أن تذهب للانضمام إلى عائلة زوجها المستقبلي قبل شهر، لكنها توسلت إليهم لمدة عام آخر كي تبقى معها.

وهمست الطفلة النحيلة أمام الصحفيين "أريد أن أبقى مع أمي".

وكي تتحقق أمنية "حبيبة" يتعين على "ربيعة" إعادة مبلغ 550 دولاراً الذي تلقته مقابل يد ابنتها، إذا كان بإمكانها إطعام بقية أفراد أسرتها.

"أنقذوا أبنائي":

في صيحة مكتومة نادت إحدى الأمهات في المخيم "أنقذوا أبنائي" فطفلها البالغ من العمر 11 عاماً يكسب 50 سنتاً في اليوم من عمله لدى خباز، وطفلها البالغ 9 سنوات يلتقط القمامة مقابل 30 سنتاً، ويعيش الأطفال مع أمهم في خيمة ممزقة بينما يقف شتاء قاسٍ على الأبواب.

ويبذل "عبد الرحيم" أحد كبار السن في المخيم أكثر ما في وسعه لإنقاذ جيرانه من الاضطرار إلى اتخاذ قرار مروع، ويقوم بتوزيع حصة صغيرة من الخبز على العائلات الأكثر فقراً.

لقد رأى الكثير من الآباء يبيعون بناتهم، بما في ذلك شقيقه. وذهب حتى لمقابلة سلطات طالبان الجديدة في المنطقة لطلب مساعدتهم.

وقال "مولوي عبد الستار" حاكم طالبان المؤقت لإقليم "بادغيس" لوكالة فرانس برس إن "زيجات الأطفال هذه ناتجة عن مشاكل اقتصادية".

حتى في المخيمات خارج "بادغيس" التي ضربها الجفاف، يتزايد زواج الأطفال. ففي المناطق المحيطة بـ"هرات" ثالث أكبر مدينة في البلاد، يتعين على الآباء فعل ذلك.

وقال "دين الله" المزارع الذي لا يملك أرضاً: "بعت ابنتي البالغة من العمر 10 سنوات. لم أكن لأفعل ذلك أبداً لو كان لدي خيار آخر". معترفاً أنه إذا وجد عريساً آخر فإنه سيبيع طفلته البالغة 5 سنوات. بينما بدت عليه أمارات الحزن والخجل لفشله في إعالة أسرته والحفاظ على أفرادها معاً.

قائلاً: "أعلم أنه ليس جيداً، لكنني اعتقدت أننا سنموت جميعاً".