أزمة الناتو في مواجهة التهديدات الإرهابية

نشر في 12.11.2019 12:11

تحدث الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لصحيفة "الإيكونومست" الأسبوع الماضي قائلاً إن حلف الناتو أضحى بحكم "الميت سريرياً". وأعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيسي في المشاكل التي يواجهها الحلف، يكمن في عدم وجود "تنسيق... في اتخاذ القرارات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو". وأضاف أن عملية نبع السلام التي أطلقتها تركيا في شمال سوريا كانت "بدون تنسيق" أيضاً، محذراً من فشل الناتو في مراقبة تصرفات أعضائه.

بمعنى آخر، أبدى ماكرون عدم رضاه عن كل من انسحاب واشنطن من شمال سوريا وعن عملية نبع السلام أيضاً. لقد أحبطه قرار "التضحية" بقوات سورية الديمقراطية الواجهه التي يتخفى وراءها تنظيم الـ"ي ب ك/بي كا كا" الإرهابي. ولذلك دعا ماكرون إلى إنشاء نظام دفاع أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة. لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ردت بسرعة على تصريحاته قائلةً إن عضوية الناتو تخدم مصالح برلين.

يحاول الرئيس الفرنسي من خلال تجسيده للنهج الشعبوي في سياسته الخارجية، صرف الانتباه عن عجزه في تنفيذ الإصلاحات في بلاده بعدما توقع منه الناخبون الكثير. كذلك عمد لانتقاد عملية نبع السلام على أمل أن يتمكن من إثارة جدل عام قبل اجتماع قادة الناتو في لندن الشهر المقبل.

يدرك الرئيس الفرنسي جيداً حاجة أوروبا لحلف الناتو ولدعم الولايات المتحدة الأمريكية. ويعلم أن دول أوروبا الوسطى والشرقية التي تخشى روسيا، لا توفر دعماً بديلاً للناتو. كما يدرك ماكرون أن ليس لألمانيا وهي القوة الاقتصادية الوحيدة في أوروبا، أية مصلحة في تمويل جيش أوروبي، وهو يرى أن برلين تمول الاتحاد الأوروبي بالفعل.

ولسبب غير معروف، أهمل ماكرون على غرار ما فعلت واشنطن، ذكر المصالح الفرنسية المعرضة للخطر في سوريا. ربما ترجع صعوبة تقبل الرئيس الفرنسي لعملية نبع السلام، إلى قيام تركيا بلي ذراع واشنطن ومنعها من إنشاء كيان لإرهابيي "ي ب ك/بي كا كا" داخل حدود سوريا. وإذا كان ماكرون مصدقاً بالفعل لقصة "أكراد سورية العلمانيين" الخيالية التي نسجها هو وأصدقاؤه، فلا بد من تذكيره إذاً أن قائد تنظيم "ي ب ك" الإرهابي "فرحات عبدي شاهين" كان وراء سلسلة من الهجمات الإرهابية الدموية في تركيا بين عامي 2005 و2012. ولا بد أن يفهم ماكرون أن تركيا لا تقبل محاولات الغرباء إملاء ما يتوجب عليها فعله بشأن الجوار.

هناك الكثير من الأزمات التي تعصف حالياً بحلف الناتو. مثل الفوضى التي غذتها الولايات المتحدة من خلال محاولة إعادة رسم دورها العالمي، ومشاكل الاتحاد الأوروبي، ومحاولات خروج بريطانيا من الاتحاد، ومحاولات روسيا لتعزيز نفوذها على أوروبا. وللأمانة بالقول فإن واحدة من بين أخطر أزمات الحلف تجسدت في رد فعل الناتو السلبي تجاه جهود تركيا في مكافحة الإرهاب أثناء الحرب الأهلية السورية. وقد اتخذت بعض الحكومات الغربية فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية لتنظيم "بي كا كا" وتنظيم "غولن" الإرهابي، موقفاً لا يتماشى مع قيم تركيا الإستراتيجية المشتركة ولا مع روح الشراكة. في الواقع، يعتبر اختيار ميليشيا "ي ب ك" الدموية وتفضيلها على تركيا العضوة في الحلف، بذريعة محاربة داعش، قتلاً لروح التحالف.

يجب أن يفهم ماكرون أولاً، أنه يدير الآن دولةً باتت أضعف بكثير مما كانت عليه خلال الحرب العالمية الأولى يوم تجرأت على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. وإذا أراد الرئيس الفرنسي ممارسة نفوذه على سوريا الجديدة، فخياره الوحيد هو التعاون مع تركيا حليفته في الناتو. كما يتوجب على فرنسا أيضاً استعادة مواطنيها الدواعش، والتعاون مع تركيا بشأن أزمة اللاجئين.

ينبغي على الحكومة التركية أن تعمل بصبر لجعل الحكومات الغربية تفهم وتقدر مخاوف أنقرة المشروعة. علينا أن نقف بحزم وقوة وراء قضايانا، بالرغم من محاولات الغرب إضفاء الشرعية على "ي ب ك/بي كا كا". وعلينا دائماً أن نتذكر أن تنظيم "بي كا كا" المشؤوم قد قتل الآلاف من المواطنين الأتراك منذ عام 1984. وقد أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1997 على لوائح الإرهاب كما أدرجه الاتحاد الأوروبي عام 2002 كياناً إرهابياً. ورغم تصنيفه تنظيماً إرهابياً إلا أن الحكومات الأوروبية تسمح لأعضائه بالعمل فيقومون بجمع الأموال وتجنيد المتشددين في أوروبا. وإننا لنتساءل كم إرهابياً من نظيم "بي كا كا" سلمتهم الدول الأوروبية لتركيا؟

يبدو أن طريق تركيا في محاربة التنظيمات الإرهابية مثل "غولن" و"ي ب ك"، لا يزال طويلاً. وعلينا أن نعقد العزم على تحقيق النتائج، رغم تمسكنا بحلفائنا "الميتين سريرياً".

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.