هل تسفر موجات الاحتجاجات والشغب عن نتائج حقيقية؟

إسطنبول
نشر في 09.06.2020 13:45
آخر تحديث في 09.06.2020 14:43

سلط الغضب الناجم عن وفاة جورج فلويد على يد ضابط شرطة عنصري، الضوء على جدوى احتجاجات "الشوارع"، بعد أن أثارت وفاة هذا المواطن الأمريكي الأسود أعمال شغب في 140 مدينة في أنحاء الولايات المتحدة، وأجبرت الرئيس دونالد ترامب على التهديد بعمل عسكري ضد المتظاهرين. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية اجتذبت محاولات إعادة تشكيل السياسة من خلال احتجاجات الشوارع، انتباه العالم بشكل متكرر كما حدث في تشيكوسلوفاكيا حيث لاقت الثورة المخملية ترحيباً كبيراً كموجة جديدة من الديمقراطية، إلى جانب الانتفاضات الأخرى المعادية للشيوعية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. واحتفى معظم المراقبين بطبيعة تلك الثورة السلمية بالرغم من أنها أدت إلى تقسيم تشيكوسلوفاكيا.

وبعد أن قام بائع متجول في تونس بالتضحية بنفسه عام 2010 ساد توقع مبدئي بأن تؤدي الاحتجاجات التي نجمت عن ذلك إلى جانب الثورات العربية الأخرى إلى موجة من الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لكن ذلك لم يحدث وبدلاً عنه ساعدت دول الخليج التي كانت تدافع عن الوضع القائم آنذاك، عبد الفتاح السيسي بالإطاحة بحكومة الشعب المنتخبة ديمقراطياً لعكس نتائج الثورة المصرية عام 2011. كما تم جر سوريا واليمن إلى حروب أهلية مطولة. ولا تزال تونس تحاول البقاء صامدة بفضل حكمة زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي وتضحيته.

وتكمن مشكلة الاحتجاجات السلمية الرئيسية في اختطاف الجماعات الراديكالية العنيفة لها، إلى جانب افتقار الشعوب إلى قيادة رسمية تمثلها مما يقوده إلى الفشل باستبدال الأنظمة القديمة بإدارات مستقرة. والأسوأ من ذلك، تلاعب أجهزة المخابرات الأجنبية وأذرعها بتلك الاحتجاجات وفق مصالحها السياسية.

لكن تركيا حققت نجاحاً أكثر في مواجهة عنف الشوارع وإدارة أزماته. فبعد أن نجحت في ردع احتجاجات "غازي بارك" عام 2013، والتي اتخذت منحىً عنيفاً وتحولت إلى أعمال نهب وتمرد، قامت تركيا بقمع سلسلة من التدخلات الخارجية. كما أوقفت بشكل منهجي محاولة الانقلاب القضائي التي قامت بها جماعة غولن الإرهابية عام 2013، ومحاولة تنظيم بي كا كا الإرهابي السيطرة على بعض المناطق في الولايات الجنوبية الشرقية في البلاد. كذلك تمكنت الحكومة التركية في أعقاب محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، من تحديد الأطراف الخائنة والمتواطئة في مثل هذه التدخلات، بما في ذلك جماعة غولن الدموية.

كما لم تؤدِ احتجاجات الشوارع في الديمقراطيات الغربية غرضها في التغيير. إذ لم تتمكن حركة السترات الصفراء في فرنسا التي اندلعت في نوفمبر 2018 من أن تحقق أكثر من سيارات محترقة ومتاجر منهوبة. وينطبق الأمر نفسه على الولايات المتحدة، حيث انزلقت احتجاجات الشوارع ضد العنصرية المؤسساتية، وهي سمة دائمة للحياة الأمريكية منذ الحرب الأهلية، نحو العنف بسرعة، بالإضافة إلى افتقار الحركة إلى القيادة الرسمية ومحاولات الجماعات المتطرفة، بما في ذلك جماعة "أنتيفا"، لاختطاف الاحتجاجات والعبث بمصير البلاد.

وهكذا شهدنا العديد من الأفعال وردود الأفعال التي تحدث للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. حيث قام ضباط الشرطة والحرس الوطني بتفريق المتظاهرين بالقرب من البيت الأبيض كي يتمكن الرئيس ترامب من السير إلى كنيسة القديس يوحنا وهو يحمل الكتاب المقدس لالتقاط صورة فوتوغرافية. كما ظهر الجنرال "مارك ميلي" رئيس هيئة الأركان المشتركة في الشوارع في زيه العسكري القتالي كناية عن احتمال استخدام القوة العسكرية ضد المواطنين الأمريكيين الأمر الذي يوحي بأزمة جديدة في الولايات المتحدة. واتهم النائب العام وليام بار "المحرضين" مثل "أنتيفا" ببث الاضطرابات والعنف، تلك الجماعات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتقسيم الشعب الأمريكي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان لأحداث الشغب الأخيرة تأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن التاريخ علمنا، أن السياسيين المخضرمين لا يميلون عادةً إلى الاستفادة من احتجاجات الشوارع.

ولطالما لجأ حزب الشعب الجمهوري في تركيا إلى مسيرات الشوارع في محاولة لانتزاع السلطة من حزب العدالة والتنمية. كما فعل في الاحتجاجات الجمهورية عام 2007، وأحداث "غازي بارك" عام 2013 ، و"مسيرة العدالة" التي قام بها كمال قليجدار أوغلو عام 2017 من أنقرة إلى إسطنبول. وفي الوقت نفسه، حرّض حزب الشعوب الديمقراطي الشعب على العنف في البلاد وقتل عشرات الأبرياء بين 6 أكتوبر و 8 أكتوبر عام 2014. وحتى اليوم، تدعو قيادة حزب الشعب الجمهوري المتطرفة إلى الاحتجاجات في الشوارع وتتشدق بالحديث عن "التعلم من الاحتجاجات الأمريكية"، بحجة اعتبار قرار البرلمان بطرد ثلاثة ممثلين لهم، بمثابة "انقلاب برلماني".

وإذا وجد بالفعل درس يمكن تعلمه من كل ذلك، فهو أن الخروج إلى الشوارع قلما يحقق نتيجة تذكر ولكنه غالباً ما يأتي بثمن باهظ. دعونا نأمل ألا يحاول قليجدار أوغلو إضفاء الشرعية على تحرك المتطرفين والتحريض على أعمال شغب من خلال "جهوده لجرنا إلى الشوارع". فالطريقة الشرعية الوحيدة لتداول السلطة تتمثل بصناديق الانتخابات التي أثبتت الإرادة الوطنية التركية خلال محاولة الانقلاب في يوليو 2016، أنها قادرة على حمايتها.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.