ضرورة إحلال السلام في أوكرانيا أصبحت ملحة

إسطنبول
نشر في 24.05.2022 11:45

لا أحد يعلم على وجه الدقة أي السؤالين أفضى للآخر وأيهما يجب أن يطرح أولاً، فهل جاء تهديد الناتو لأمن روسيا أولاً أم التهديد الروسي بالتوسع الشبيه بالاتحاد السوفيتي في أوروبا؟

وبالرغم من أن هذا السؤال لا يمت للتفكير الفلسفي المتعلق بسؤال من الذي جاء أولاً الدجاجة أم البيضة، إلا أنه يوشك أن يتسبب في اندلاع حرب بين الناتو وروسيا من شأنها أن تقود إلى حرب عالمية ثالثة.

ويمكن تفسير ما تتمتع به السويد وفنلندا من "الدعم الكامل والشامل والتام" من الولايات المتحدة في قرارهما التقدم لعضوية الناتو بحسب ما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن "إن هذين البلدين في خطر مباشر من الاحتلال الروسي" كما يلي:

"انضمام أعضاء جدد إلى حلف الناتو لا يشكل تهديداً لأية دولة، بل إن عضوين جديدين في أقصى الشمال سيعززان أمن حلفاء الناتو ويعمقان تعاون الحلف الأمني في جميع المجالات".

وفي الوقت نفسه قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده ليس لديها مشكلة في انضمام هذين البلدين إلى الناتو، ولكن العواقب ستظهر إذا نقل التحالف العسكري الغربي أسلحةً إلى أراضيهما. ويبدو أن بوتين كان يتلاعب بالكلمات عندما قال: "أنا لست قلقاً أن يتسلل أحد إلى منزلي ليلاً، ولكن إذا حاول سرقة ممتلكاتي، فستكون هناك مشكلة". لأنه في لحظاته الأقل مرحاً، أبدى استعداداً أكثر جدية قائلاً:

"توسيع البنية التحتية العسكرية على هذه المنطقة سيؤدي بلا شك إلى الرد... كما تتطلب سياسة الناتو التوسعية اللانهائية مزيداً من الاهتمام من جانبنا".

ومرة أخرى، نجد أنفسنا أمام نفس السؤال: هل سياسة حلف الناتو التوسعية هي السبب في سياسات وتحركات موسكو الوقائية، أم أن سياسات وتحركات موسكو هي السبب وراء سياسة توسع الناتو؟

والواقع أن بوتين محق في عدم مخاطرته بأمن بلاده بسبب سوء فهم مواقف أعضاء الناتو، لكنه ليس على دراية بسوء إدارته لتلك المخاطر الأمنية. فإدارة الأمن جزء هام من إدارة المخاطر. وإذا كان الخطر هو العلاقة بين عدم اليقين وتحقيق الأهداف، فمن المحتمل أن بوتين لم يكن يعرف الحدود المتاحة له لتحقيق أهداف بلاده. لذلك، نجده بدأ سلسلة تفاعل جديدة بين السبب والنتيجة أو بين الدجاجة والبيضة.

والسبيل الوحيد للخروج من هذه العواصف الرعدية هو تغيير حقيقي في سياسة موسكو. لقد فات الأوان للجوء إلى الناتو وإخبار الحلف ألا يتوسع باتجاه الشرق. كما أن التلاعب بالألفاظ على غرار "توسيع الحلف دون استخدام أعضائه السلاح" لم يعد يجدِ نفعاً لأن حلف شمال الأطلسي سيتوسع مع أعضاء إضافيين وسيتم تسليحهم بالكامل. فالناتو الذي مثّل في الماضي الجبهة الدفاعية ضد التوسع السوفيتي، وهو اليوم يمثل جبهةً هجوميةً مناهضةً لروسيا وسيصبح غداً تحالفاً مناهضاً للصين، ليس إقطاعيةً للسيد بوتين.

ولكن ماذا عن اعتراض تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو؟

إذا لم يقرأ المرء تصريح الفيتو الذي أدلى به الرئيس رجب طيب أردوغان حول هاتين الدولتين، بل حاول البحث عن نقاط ضد تركيا مثل توماس كابلان وبرنارد هنري ليفي في صحيفة وول ستريت جورنال، أو عند محاولة إهانة الشعب التركي ورئيسهم مثل ألكسندر وارد وكوينت فورجي وكونور أوبراين في العدد الأخير من "بوليتيكو أونلاين"، فلن يفهم أبداً أن الفيتو التركي لا علاقة له باتجاهات الناتو التوسعية المعادية لروسيا أو طبيعتها الهجومية المكتسبة حديثاً. بل تريد تركيا ببساطة الحد من دعم حلفائها للإرهابيين الانفصاليين من تنظيم بي كا كا وامتداداته في العراق وسوريا. ولسوء الحظ، لا يمكن منع دعم الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الآخرين للإرهابيين داخل الناتو بالآليات القائمة، لكن يمكن لتركيا أن توضح نقطة قوية داخل الناتو حول دعم بعض الدول الأعضاء للإرهاب.

ويأتي هذا الدعم في شكلين وطريقتين: بعض الدول تساعد وتحرض بشكل مباشر على إرهاب بي كا كا، وإرسال آلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة الثقيلة والذخيرة والمساعدات اللوجستية للتنظيم الإرهابي، وتوفير التدريب تحت ستار محاربة تنظيم داعش المشؤوم. بينما يقدم البعض الآخر المساعدة السياسية لتنظيم بي كا كا من خلال دعوتهم إلى اجتماعات رسمية في عواصمهم وتحويلهم إلى إداريين إقليميين، بعد أن خلعوا ملابسهم الإرهابية وارتدوا الملابس الغربية. ثم تراهم يهرولون إلى العواصم الأوروبية لتلقي الدعم المالي ومناقشة كيفية تفكيك العراق وسوريا. إن عدد الإرهابيين المرتبطين بتنظيم بي كا كا في ستوكهولم أكثر من أعدادهم في الجبال العراقية. ولا تريد أنقرة أن تصبح هذه الدول المعادية حلفاء زائفين لها في الناتو.

وهناك شكل آخر من أشكال العداء تجاه تركيا يبرز داخل الناتو على هيئة حظر يفرضه بعض الحلفاء لمنع تركيا من حربها ضد الإرهاب. فلماذا لا تبيع الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة قطع غيار لأنظمة أسلحة معينة لتركيا؟ ولماذا لا يسمح الكونغرس الأمريكي لشركة ريثيون ببيع أنظمة الدفاع الجوي باتريوت لتركيا، الأمر الذي لا يترك لها أي خيار سوى الذهاب إلى صواريخ إس-400 الروسية؟ ولماذا لا تبيع كندا أنظمة الكاميرات المتطورة لطائراتها المسلحة بدون طيار إلى تركيا؟

والحقيقة الواضحة هي أن كل هذا الحظر العلني والمغطى، مقصود لإضعاف حرب تركيا ضد إرهاب بي كا كا.

ومن المؤكد أن تركيا لم تستطع تحمل المزيد من العداء داخل تحالفٍ كرست له جميع مواردها العسكرية تقريباً منذ عام 1952. ومن خلال استخدام حق النقض ضد عضوية السويد وفنلندا في الناتو، تُظهر تركيا نقطة مميزة للغاية لا علاقة لها ببيضة روسيا ودجاجة حلف شمال الأطلسي. بل يجب أن يكون سيل الدعم لعضوية السويد وفنلندا في الولايات المتحدة وأوروبا، واندلاع النقد الموجه إلى تركيا في وسائل الإعلام الغربية الذي بلغ حد اعتقاد برنارد هنري ليفي أن هذه فرصة جيدة لطرد تركيا من التحالف، منصبٌّ على الرئيس بوتين ونائبه.

ومهما يكن الكبرياء والغطرسة والغرور الذي يبديه بوتين في وجه التحالف الغربي، ينبغي عليه أن ينحي كل هذا جانباً ويصنع السلام في أوكرانيا الآن. وعلى الممثل الذي تحول إلى رئيس أوكرانيا أن يتظاهر بقدر ما يستطيع أن بلاده هزمت بمفردها جحيم روسيا القوية، كي تتوقف هذه الحرب العبثية في أوكرانيا بعد أن أصبح من الصعب على السيد بوتين إقناع شعوب العالم.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.