الضبابية تغلف مستقبل أفغانستان

إسطنبول
نشر في 20.08.2021 14:00

ارتسمت علامات الاستفهام حول مستقبل أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم في البلاد، وبقيت العديد من التساؤلات معلقةً حول ما إذا كانت أفغانستان ستختار التعاون مع الدول المعادية لأمريكا أم أنها ستستمر في دمج الجماعات المتطرفة على حساب علاقاتها؟

وأطاحت طالبان بحكومة الرئيس أشرف غني وسيطرت على أفغانستان بعد 9 أيام من التوغل المكثف. ولم يتمكن الجيش الأفغاني من الاشتباك بفعالية مع قوات طالبان، بالرغم من الاستثمارات العسكرية الضخمة التي قامت بها الولايات المتحدة، ما جعل الحركة تسيطر على معظم المدن دون مقاومة، بما في ذلك العاصمة كابل، وانهارت الحكومة التي تأسست بدعم أمريكي في غضون أسبوعين فقط.

وتبدو حركة طالبان اليوم أكثر استعداداً لحكم البلاد، وهي التي أساءت استخدام سلطتها في فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001 عندما طبقت العديد من الإجراءات القاسية ضد سكان البلاد، مثل منع النساء من العمل وإغلاق مدارس الفتيات وإجبار الرجال على إطلاق اللحية. لكن الحركة أبدت مؤخراً مرونةً أكثر في منظورها السياسي، ما رفع سقف التوقعات بشأن ما تعلمته من أخطائها السياسية. وبالتالي فإن احتمال الاعتراف السياسي بالنظام الجديد صار أعلى بكثير من ذي قبل.

ومن اليوم فصاعداً ستحدد سياسات طالبان مستقبل الدول الإقليمية وسياسات القوى العالمية تجاه المنطقة، وكذلك تجاه مستقبل أفغانستان.

ولكي يتضح مستقبل البلاد بشكل جلي لا بد من الإجابة على بعض الأسئلة الحاسمة مثل معرفة نوع السياسة التي ستتبعها طالبان في السياق المحلي؟ وكذلك نوع التحول والتغيير الذي ينتظر أفغانستان؟ وهل ستحاول طالبان تصدير "تغيير النظام" إلى دول أخرى في المنطقة؟ وهل ستعترف الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية بنظام طالبان؟

وفيما يتعلق بمصداقية الولايات المتحدة، يعتبر انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فشلاً استراتيجياً كبيراً من منظور جيوسياسي، فقد أضر بشدة بمصداقية الدولة العظمى في نظر حلفائها، وشجع خصومها على اتباع سياسات أكثر تحدياً، وبالتالي أضعف مطالبات الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية.

وعلى غرار نهاية الغزو العراقي، نهاية غزو أفغانستان كانت مذلةً للولايات المتحدة التي غزت البلاد عام 2001 لمواجهة حكومة طالبان بسبب دعمها للقاعدة، ومن المفارقات أن طالبان استعادت السيطرة على البلاد بدعم من القاعدة ما يعني أن عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان ترجمت فشلاً واضحاً للولايات المتحدة التي ربما تكون قد انتصرت في كل جبهات أفغانستان، لكنها خسرت الحرب.

كما أن خسارة أفغانستان ستضر بشكل كبير بميزان القوى ضد مصالح الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن الواضح أن فراغ السلطة الناجم عن الانسحاب الأمريكي ستملأه الصين أو روسيا. وستوسع القوى الإقليمية المعادية لأمريكا مثل إيران وباكستان والقوى العالمية مثل الصين وروسيا مجال نفوذها على نطاق أكبر. ومن المؤكد أن التطورات الأخيرة تمثل نكسةً كبيرة للولايات المتحدة ولحليفتها الرئيسة، الهند.

علاوة على ذلك، ستؤثر مصداقية الولايات المتحدة المتضررة على التصور العالمي للديمقراطية الليبرالية. فوفقاً للتفسيرات الرسمية التي قدمها رؤساء الولايات المتحدة بدءاً من جورج دبليو بوش، كانت الولايات المتحدة مصممة على إدخال الديمقراطية الليبرالية إلى دول أخرى مثل أفغانستان والعراق. لكن الرأي العام العالمي فقد الثقة في الديمقراطية الليبرالية وشركائها الأوروبيين بعد انسحاب الولايات المتحدة. ولربما يزداد الطلب الشعبي في المستقبل القريب على نموذج حكومي صيني أو روسي بديل، مما سيزيد من مخاطر الهيمنة الغربية.

ولكن ماذا عن الاعتراف المبكر بطالبان؟

في الواقع بدأت العديد من الدول الإقليمية والقوى العالمية، وخاصة تلك التي تتحدى السياسة الأمريكية في المنطقة، الحوار مع طالبان والاعتراف بالنظام الجديد. وتعتبر بعض الدول سيطرة طالبان على البلاد انعكاساً لحق تقرير المصير للشعب الأفغاني. والحقيقة أن الصين اعترفت بنظام طالبان منذ اليوم الأول لاستيلائها على السلطة. وأبدت بعض الدول الأخرى مثل روسيا وباكستان وإيران استعدادها لبدء حوار رسمي مع الحركة.

ومع ذلك، فإن علاقات طالبان مع الدول المعادية لأمريكا لا تزال ضعيفة للغاية ولن تكون خالية من المشاكل حيث يتطلب توطيد علاقاتها مع الصين وروسيا وإيران مصالحة وتسويات متبادلة. كما تعارض روسيا والصين وجود أي جماعة راديكالية نشطة في أفغانستان.

ويبدو أن طالبان مستمرة في استضافة الجماعات المتطرفة التي تستهدف دول الجوار مثل الحزب الإسلامي التركستاني وشبكة حقاني والحزب الإسلامي الأوزبكي، لكن دولاً إقليمية مثل الصين وروسيا وإيران وباكستان وأوزبكستان تتوقع أن تقدم طالبان تطمينات قاطعة بأن أفغانستان لن تصبح قاعدة عمليات لهذه الجماعات، بالرغم من أن الحركة تعهدت في هذه المرحلة أنها لن تسمح للمتطرفين بممارسة أنشطة مسيئة ضد دول المنطقة مثل الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى.

ومن المتوقع أن تستمر طالبان في مواجهة المشاكل في المستقبل القريب، فهي تحتاج من ناحية، إلى تحسين علاقاتها مع الصين وروسيا من أجل تحقيق التوازن بين قوة ونفوذ الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، يتعين عليها مواصلة دعمها للعديد من الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية والجماعات الإرهابية التي تتوافق معها آيديولوجياً.

علاوة على ذلك، ستواجه إيران المعروفة بأنها الممثل الوحيد للشعوب الشيعية في المنطقة، وطالبان المعروفة بإيديولوجيتها السلفية المعادية بشدة للشيعة، صعوبات في الحفاظ على العلاقات الجيدة التي تتمتعان بها في الوقت الحالي. لأنهما وبالنظر إلى وجهات نظريهما الأيديولوجية المتضاربة، سيكون من الصعب عليهما حقاً التغلب على الخلافات المستعرة.

فعلى سبيل المثال، عندما حظرت الحكومة الإيرانية الاحتجاجات المناهضة لطالبان في البلاد، استنكر الشعب الأفغاني الذي يعيش في إيران قرار الحكومة، بعد أن عانى السكان الشيعة من الجور في ظل نظام طالبان خلال التسعينيات.

ولطالما ادعت طالبان بإصرار أنها ستحد من نفوذها داخل أفغانستان. لكنها وبمجرد سيطرتها على كابل، أعلنت أن هدفها النهائي هو إقامة الإمارة الإسلامية داخل البلاد. بعبارة أخرى، تتصرف طالبان بعكس ما فعلت كلاً من داعش والقاعدة، فهي لا تنادي بالعالمية بل تدعي أنها ستظل منظمة وطنية وإقليمية.

وبشكل عام، ستحدد سياسات طالبان في الأيام المقبلة سياسات كافة الدول الإقليمية والعالمية تجاه أفغانستان. فإذا ما قامت الحركة بتأمين الاستقرار السياسي وضمت مجموعات عرقية أخرى ومكوناً شيعياً بين أفراد الشعب، فسيكون الاعتراف السياسي بها أسهل نسبياً، لأن الدول غير الغربية مثل الصين وإيران ليس لديها شروط مسبقة في علاقتها مع الجهات الفاعلة الأخرى.

ووفقاً لأحد التفسيرات الأولى التي قدمها مسؤولو طالبان، قامت الحركة بالفعل بدعوة المهندسين والأطباء للمساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد. وهذا يدل على أن طالبان ستتبع سياسة أيديولوجية في الإطار الداخلي، لكنها ستتبع سياسة براغماتية في علاقاتها الخارجية. أما عن الدعم المقدم من الدول الفاعلة في السياسة الدولية، فسيتعين على العالم أن يتعلم كيف يعيش واقع طالبان.

وختاماً وبالرغم من هذه التوقعات التي يحمل بعضها طابع الإيجابية وبعضها الآخر طابع السلبية، لا يزال مستقبل أفغانستان ضبابياً تماماً، لأنه سيكون من الصعب جداً دمج المجموعات العرقية المختلفة في حكم البلاد، والسيطرة على الجماعات المتطرفة التي لجأت إلى أفغانستان وتلبية جميع توقعات القوى الإقليمية والعالمية.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.