كيف بدت العلاقات التركية الأوروبية خلال 2021؟

نشر في 31.12.2021 17:58

لم يكن عام 2021 عاماً مليئًا بالأحداث أو الانطباعات الإيجابية فيما يخص العلاقات التركية الأوروبية، بالرغم من التقرير الذي نشرته مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية نهاية عام 2020، حيث توقعت فيه تفاؤلاً حذراً لهذه العلاقات قد يسود عام 2021. ومع أن جانب الحذر خيم بالفعل على العلاقات التركية الأوروبية، إلا أن التفاؤل تأخر لعام آخر.

ولسوء الحظ، فإن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ظلت ضحلة في أحسن أحوالها. ولم يتم إحراز أي تقدم لمعالجة القضايا المهمة مثل تحديث الاتحاد الجمركي، والسفر بدون تأشيرة للمواطنين الأتراك إلى أوروبا، والعودة إلى مناقشة العضوية. كما ألقت عدة أزمات سطحية بظلالها على اتصال رفيع المستوى مع أنقرة. ونجح الجانبان اليوناني والقبرصي الرومي بتغذية التوتر في شرق البحر المتوسط، بدلاً من اتخاذ خطوات جريئة لمعالجة مشاكلهما الرئيسية مع أنقرة. وكذلك سلطت أزمتا أفغانستان وأوكرانيا الضوء مرة أخرى، على أهمية تركيا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي وأمن أوروبا، بالرغم من وجود تقلبات في الليرة التركية. واستمر قطاعا التصنيع والسياحة التركيان في جذب انتباه الدول الأوروبية.

وكان وداع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للحياة السياسية من أهم الأحداث البارزة في عام 2021 بالنسبة لأوروبا. إذ أن ميركل كانت بالفعل زعيمة قوية وتمكنت من منع وحل المشاكل بين أنقرة وبرلين وبين أنقرة وبروكسل. وما من شك في أن تقاعد ميركل من السياسة النشطة، سيخلق فجوة في علاقات تركيا مع كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي. فعلى مدى العقد الماضي، لعبت ميركل دوراً هاماً في حل التعقيدات وعملت كوسيط بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وتحظى تحركات ميركل الدبلوماسية ومهاراتها في إدارة الأزمات، بالاحترام والتقدير في أنقرة. وما جهود ألمانيا الأخيرة لتقليل التوتر بين تركيا واليونان سوى سياسة بناءة تصب في مصلحة جميع الأطراف المعنية.

وليس من الواضح إلى الآن من الذي سيملأ فجوة القيادة في أوروبا. وبغض النظر عن ذلك، فلن يكون هناك تعاطياً كبيراً مع أنقرة على المدى القصير، الأمر الذي لا يولد أي إثارة في تركيا بشأن الاتحاد الأوروبي.

أزمة البروتوكول في أنقرة

ألقت أزمة البروتوكول بظلالها على زيارة رؤساء المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية لأنقرة في أبريل/نيسان 2021. وكانت زيادة الاتصالات رفيعة المستوى بين أنقرة وبروكسل ركيزة أساسية للبيان التركي الأوروبي الصادر في 18 مارس/آذار 2016. وبالرغم من إمكانية تحقيق مصالح مشتركة، حاولت الجهات الفاعلة الأوروبية تجنب أو إبطاء تفاعلها مع الرئيس رجب طيب أردوغان، بسبب الضغط السياسي في الداخل والأحكام المسبقة القائمة. وقلل هذا الاتصال المحدود رفيع المستوى، من إمكانات التعاون والتآزر بين تركيا والاتحاد الأوروبي. كما أدى الافتقار إلى اتصال ذي مغزى رفيع المستوى، إلى زيادة المفاهيم الخاطئة بين الطرفين.

وكان أردوغان استضاف رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في المجمع الرئاسي في أنقرة في أبريل/نيسان. وبينما جلس أردوغان وميشيل بجانب بعضهما، وقفت فون دير لاين لفترة من الوقت، وجلست في النهاية على الجانب الآخر من قبل وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو. ووُصفت الطريقة التي تم بها تنظيم الغرفة وتحديد مكان جلوس الزعيمين الأوروبيين بـ "عدم احترام" أنقرة لفون دير لاين. وفي الواقع، تم تحديد بروتوكول الجلوس من قبل مسؤولي البروتوكول في المجلس الأوروبي. حتى أن بعض السياسيين والصحفيين الأوروبيين فسروا هذه القضية المؤسفة، على أنها نهج ذكوري ضد السياسيّة الأنثى، وقام رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، باتهام أردوغان بأنه سلطوي وكاره للنساء.

وبالرغم من توضيح ملابسات الأمر، لم يعتذر أحد عن تعليقاته المتلاعبة فيما يتعلق بأزمة البروتوكول في أنقرة. وكانت المشكلة الأكبر هي تبني الصحافة الأوروبية واستعداد الممثلين الأوروبيين لتصوير مثل هذه القصة على أنها فضيحة، مما يؤكد تحيزاتهم القائمة بالفعل ضد تركيا ورئيسها.

مناظرات حول القيم الأوروبية

شكلت النقاشات حول اتفاقية إسطنبول قضية أخرى ألقت بظلالها على العلاقات التركية الأوروبية في عام 2021. وتم تصوير انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول بشأن العنف ضد المرأة، على أنه ابتعاد أنقرة عن القيم الأوروبية. كما شكلت هذه القضية مثار جدل في البلاد أيضاً، حيث فسرت العديد من الدوائر هذه الخطوة على أنها علامة على تخلي القيادة التركية عن حقوق المرأة. وقام العديد من القادة الأوروبيين بانتقاد أردوغان علناً بعد هذا القرار، واعتبروه جزءاً من التراجع الديمقراطي المزعوم لتركيا وانحرافها عن القيم الأوروبية. ومع ذلك، أكدت السلطات التركية من جديد خطة أنقرة للحفاظ على القوانين واللوائح الوطنية التي تحمي حقوق المرأة وتعززها.

وفي سياق آخر دعت أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لإطلاق سراح رجل الأعمال التركي عثمان كافالا والرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش. ووُصف الحبس الاحتياطي لكافالا بأنه "ذو غرض خفي لإسكات المدافع عن حقوق الإنسان". وبالمثل، اعتُبر التحقيق السابق لمحاكمة دميرطاش تعدياً على الأنشطة والخطب المحمية بموجب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، ذكّر مجلس أوروبا تركيا بأن على أنقرة الالتزام بالتقيد بقرار المحكمة السابق.

وقادت أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن كافالا ودميرطاش، إلى توتر مستمر بين الاتحاد الأوروبي والسلطات التركية. وقال أردوغان للصحافيين أثناء سفره من قطر إلى تركيا "نحن لا نعترف بالقرارات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بشأن كافالا ودميرطاش". والحقيقة أن قضايا كافالا ودميرطاش ستستمر في توليد التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي في عام 2022، حيث تضغط بعض الجهات الفاعلة على المجلس الأوروبي ومؤسسات أخرى لفرض عقوبات على تركيا.

الخطوط المحتملة للتعاون الجيوسياسي

سلطت الأزمات الدولية في أفغانستان وروسيا وليبيا الضوء مرة أخرى على أهمية تركيا، باعتبارها طرفاً جيوسياسياً هاماً لأمن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ولعبت تركيا دوراً هاماً في إجلاء الدبلوماسيين والموظفين المدنيين، بما في ذلك مواطنو الدول الأعضاء في أوروبا وحلف شمال الأطلسي. وواصلت تركيا العمل بشكل تعاوني مع الشركاء الأوروبيين بشأن قضية أفغانستان. كما أن مشاورات تركيا مع قطر وسلطات طالبان، لتولي إدارة مطار كابول حامد كرزاي الدولي هي أيضا قضية مهمة. وإذا ما لعبت تركيا دوراً في إدارة مطار كابول، فقد يساعد ذلك في تسهيل إدارة الأزمات الحالية في أفغانستان، البلد الذي يتأرجح على شفا المجاعة، والذي تدور فيه أزمة إنسانية متصاعدة.

إن إدارة المشكلات الإنسانية في أفغانستان من شأنها أن تخدم أيضاً مصالح الأمن الأوروبي، وتمنع المزيد من التدفق غير النظامي للاجئين.

أما بالنسبة للأزمة الحالية بين أوكرانيا وروسيا، فقد حاولت تركيا اتباع نهج أكثر توازناً بدلاً من اتخاذ موقف حازم ضد روسيا. وتدعم تركيا التعاون الاستراتيجي مع أوكرانيا، لا سيما في مجال صناعة الدفاع، وتعتبر العلاقات بين البلدين مزدهرة. كما أصبحت تركيا أحد الشركاء الأساسيين لأوكرانيا في مجالات الأمن والتجارة والسياحة. وتستمر صادرات تركيا من الطائرات بدون طيار إلى أوكرانيا في تعزيز الأمن الأوكراني. ومن ناحية أخرى، وبالرغم من بعض الخلافات، لا تزال العلاقات بين أنقرة وموسكو قوية. وتتباين مواقف تركيا وروسيا في العديد من القضايا، مثل سوريا وليبيا وأوكرانيا. ومع ذلك، تقوم الدولتان بتنسيق العلاقات المتوازنة وإنجاح التعاون بينهما في التجارة والسياحة والطاقة.

كذلك لا تريد تركيا توتراً عسكرياً في البحر الأسود، وهي تحاول كشريك موثوق لكل من أوكرانيا وروسيا، لعب دور في تخفيف التوترات في تلك المنطقة الحساسة. وفي الواقع، تشعر العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا، بالقلق أيضاً من تصاعد التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. لأن مثل هذه التوترات ستجعل الدول الأوروبية أكثر عرضة لمخططات واشنطن. وخصوصاً أن اللاعبين الأوروبيين أصبحوا بعد إرث ترامب، أكثر تشككاً بشأن اعتمادهم على الولايات المتحدة من أجل الأمن الأوروبي الأوسع.

ومن الممكن أن تلعب أنقرة دوراً مهماً كعنصر فاعل متوازن، ووسيط طرف ثالث لتقليل التوتر في منطقة البحر الأسود. ومن المؤمل أن يتم تحديد المسار العام للتوترات بين روسيا وأوكرانيا فيما يتعلق بالمخاوف الجيوسياسية الأوسع، وحسابات جميع القوى العظمى ذات الصلة.

إن تخفيف التوترات بين روسيا وأوكرانيا يصب في مصلحة كل من تركيا والجهات الفاعلة الأوروبية. وسيكون لتركيا دوراً مهماً في جميع السيناريوهات المحتملة. لذلك، من مصلحة الأطراف الأوروبية الحفاظ على علاقات ودية مع أنقرة.

التوترات مع الولايات المتحدة وتأثيرها على أوروبا

تتبع دول أوروبية كثيرة موقف واشنطن في تغيير علاقاتها مع أنقرة في قضايا السياسة الخارجية والأمن. وقد أثارت الفضيحة الدبلوماسية المتولدة عن إعلان سفراء 10 دول غربية بيان تويتر، مطالبين بالإفراج الفوري عن كافالا، جدلاً في أنقرة. وقاد السفير الأمريكي البيان غير المسؤول. وتلاشت الأزمة بعد أن أصدر الفاعلون الدبلوماسيون أنفسهم، تصريحات حول احترامهم لسيادة تركيا والتزامهم بالقانون الدولي والأنظمة في الشؤون الدبلوماسية. وعلى أي حال، مثّلت "أزمة السفراء" إحدى النقاط البارزة في السياسة الخارجية التركية في عام 2021، وخلقت فجوة ثقة جديدة بين تركيا وبعض الدول الغربية الرائدة.

وعلى ما يبدو فإن إدارة بايدن لا تريد تصعيداً آخر مع أنقرة في الأشهر المقبلة. وقد حاولت واشنطن تجنب أي صراع آخر مع أنقرة، مع الحفاظ على دعمها لتنظيم ي ب ك/بي كا كا الإرهابي. ولا تزال واشنطن تحافظ على العقوبات ضد أنقرة من خلال قانون مكافحة خصوم أمريكا، لمنع المزيد من التعاون بين أنقرة وموسكو. كما تحاول السلطات الأمريكية أيضاً تقليل اعتمادها على أنقرة في القضايا الأمنية الحرجة، فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمن البحر الأسود.

أما جهود واشنطن المستمرة لزيادة وجودها العسكري واستثماراتها العسكرية في اليونان، فتجري بشكل تدريجي. ويحاول السياسيون والسلطات اليونانية استخدام الاتفاقات العسكرية الأخيرة بين أثينا وواشنطن والمنشآت العسكرية الأمريكية في اليونان، لتحقيق التوازن مع تركيا. ومن ناحية أخرى، يشرح القادة والخبراء في الولايات المتحدة تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في اليونان، كخطوة لتحقيق التوازن مع روسيا. يبدو أن الحقيقة تكمن بين هذين التفسيرين.

لقد أصبحت اليونان قاعدة أمريكية ومنطقة لتواجد البنية التحتية العسكرية الأمريكية. وتستغل كل من أثينا وواشنطن التوترات القائمة بين تركيا واليونان لإسكات الشعب اليوناني بشأن الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في بلاده. وسوف يدرك ذلك الشعب في النهاية أن التوترات مع تركيا في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط، مجرد توترات سطحية و مفتعلة لكنها استخدمت كذريعة لتمديد الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. ومثل هذه الخطوة، إلى جانب سباق التسلح، ستجعل أثينا أكثر استكانةً لواشنطن، وستحد من تعاونهما المحتمل مع بكين وموسكو.

وعلى أية حال، ستستمر التوترات القائمة في شرق البحر الأبيض المتوسط في خلق مشاكل بين أنقرة وبروكسل. وتنظر سلطات الاتحاد الأوروبي إلى قضية قبرص وتوترات شرق البحر المتوسط من منظور حزبي، كما أن أثينا استخدمت توترات شرق البحر الأبيض المتوسط لتشكيل تحالف ضد تركيا. ومع ضغوط اليونان والقبارصة الروم ودعم فرنسا لهم، يضع اللاعبون الأوروبيون تركيا في موقع المنافس بدلاً من اتخاذها شريكاً محتملاً في شرق البحر الأبيض المتوسط. وسيحدّ هذا المنظور المتحيز من إمكانيات التعاون التركي الأوروبي في مجال أمن شرق البحر المتوسط والتعاون في مجال الطاقة.

ما هي التوقعات لعام 2022؟

مع الأسف، لا تبدو التوقعات المتعلقة بتحسين العلاقات التركية الأوروبية مرتفعةً للغاية بالنسبة لأجندة عام 2022. ويبدو أن هناك نقصاً في الحافز والإرادة السياسية في كل من أنقرة وبروكسل لتعزيز العلاقات على المدى القصير. ويرجع ذلك أساساً إلى عدم رغبة الجهات الفاعلة الأوروبية في التواصل بشكل أكبر مع أردوغان وحكومته. ومن المرجح أن يخترع الفاعلون الأوروبيون شروطاً جديدة، علاوة على الظروف الحالية لدفع العلاقات مع تركيا إلى الأمام. إن خلق ظروف جديدة وإنتاج عقبات دبلوماسية إضافية هي أكثر الاستراتيجيات والتكتيكات شيوعاً، عندما لا يرغب اللاعبون الأوروبيون في اتخاذ إجراءات جديدة. ومع ذلك قد تقرّب الأزمة في أوكرانيا والتصعيد المحتمل في أفغانستان وليبيا وسوريا، بروكسل من أنقرة.

لقد حبس المسؤولون الأوروبيون أنفسهم في زنزانات تحيزاتهم ومخاوفهم تجاه تركيا. ولن تتغير العلاقات بين أنقرة وبروكسل بشكل كبير في اتجاه إيجابي، إلا عندما يركز الجانبان على المصالح والفرص المشتركة بدلاً من المخاوف والتحيزات القائمة. وأي تحسن في تحديث الاتحاد الجمركي وزيادة الاتصالات رفيعة المستوى، سيولد حافزاً جديداً للعلاقات التركية الأوروبية. وهناك أيضاً إمكانات كبيرة لمزيد من التعاون في التصنيع والتجارة والطاقة والأمن. وهي المجالات التي يجب أن نركز عليها بشكل أكثر وضوحاً عام 2022. كما ستحاول تركيا تحسين علاقاتها مع العديد من الدول الأوروبية بشروط ثنائية. وقد توفر هذه الجهود حافزاً جديداً لبروكسل، للتعامل مع تركيا بجدية أكبر.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.