ممر "شمال-جنوب" بين الهند وروسيا.. لاعبٌ جديد على الساحة الدولية

ديلي صباح ووكالات
اسطنبول
نشر في 10.10.2016 00:00
آخر تحديث في 10.10.2016 11:40
ممر شمال-جنوب بين الهند وروسيا.. لاعبٌ جديد على الساحة الدولية

تجري في هذه الأثناء الاختبارات النهائية لممر أطلق عليه "شمال-جنوب" أو "مومباي-سانت بطرسبرغ"، للنقل الدولي وسيربط الممر، كما تشير تسميته، بين مدينة مومباي على الساحل الغربي للهند، ومدينة سانت بطرسبرغ غربي روسيا، ما قد يتسبب بتضرر طرق تقليدية للتجارة الدولية مثل قناة السويس، وخلق طرق جديدة، إلى جانب خلط للأوراق في عدد من الملفات السياسية الحساسة.

وبحسب تقرير لصحيفة فيستنيك كافكازا الروسية، نشرته في 3 أكتوبر/تشرين أول الجاري، يعتبر المشروع أحد أكبر مشاريع النقل الدولي في العالم.

كما يعد ذا جدوى اقتصادية مرتفعة، إذ سيقلص تكاليف النقل بين الهند وروسيا بنحو 30%، والزمن الذي تستغرقه بنحو 40%، مقارنة بالطرق التقليدية، بحسب تقرير لذي ديبومات، بتاريخ 4 مايو/أيار 2015؛ فالمشروع يبدأ بطريق بحري يصل الموانئ الهندية، وفي مقدمتها مومباي، بالموانئ الإيرانية؛ ومن إيران يتحول إلى طريق بري سريع يوازيه خط سكة حديد لنقل البضائع من الموانئ الإيرانية إلى روسيا، عبر أراضي أذربيجان. والمسار نفسه بالعكس من روسيا إلى إيران كذلك، على أن يضاف خط آخر ينقل البضائع بين موانئ كل من إيران وأذربيجان وروسيا في بحر قزوين.

وسيرتبط بالخط الرئيسي للممر خطوط فرعية تخترق وسط آسيا وشرق أوروبا، قبل وصول الممر إلى سانت بطرسبرغ، ومنها إلى الأسواق الأوروبية براً وبحراً، الأمر الذي سيزيد من أهمية المشروع الاقتصادية والاستراتيجية.

بالمقابل، ستكون قناة السويس المصرية من أكبر المتضررين من المشروع، فهي ممر للبواخر التجارية نحو الجزء الشمالي والغربي من الكرة الأرضية.

* الدور الأذري:

حتى 8 أغسطس/آب الماضي، عندما اجتمع قادة روسيا وإيران مع الرئيس الأذري، إلهام علييف، في باكو، كانت الخرائط الرسمية المنشورة للمشروع على موقعه الرسمي، تسعى لتجنب عبور الممر في أراضي أذربيجان أو مياهها الإقليمية من بحر قزوين، الأمر الذي يعني عبورها في المياه التركمانية والكازاخية قبل دخولها المياه الروسية؛ وذلك بحسب جميع الخرائط المقترحة لتقاسم مياه البحر، الأمر الذي سيتغير بعد التوقيع على اتفاقيات تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث في باكو.

لم تكن أذربيجان عضواً أساسياً في المشروع حتى مراحل متأخرة، فتاريخ توقيع الاتفاقية بين إيران والهند وروسيا يعود إلى 16 مايو/أيار عام 2002 إلا أن تنفيذه تأخر لعدة أسباب، كان أهمها العقوبات الدولية على طهران وفقدان الحلقة الواصلة بين إيران وروسيا، المتمثلة بتركمانستان أو أذربيجان؛ إذ أبدت الأولى رفضاً للمشاركة، بينما شهدت علاقات كل من طهران وموسكو توتراً مع باكو، بالرغم من مباركة الأخيرة للمشروع مبكراً.

وإلى جانب تحفظ تركمانستان، ساهمت مشاركة دول تشكل ضمانات لدور باكو، أهمها تركيا، في تشجيع الدول الرئيسية على المضي قدماً في إقحام أذربيجان، علاوة على مساهمة مشاركتها في تعزيز الجدوى الاقتصادية للممر، حيث ستمكن الخط البري الإيراني للارتباط بنظيره الروسي براً عبر الأراضي الأذرية.

بالرغم من إقحام أرمينيا بقوة في المشروع إلى جانب أذربيجان، إلا أن التقارب الروسي-الإيراني مع أذربيجان، لا يمثل تحولاً جيداً بالنسبة لـ"يريفان"، بغض النظر من البراغماتية التي يبديها كل من الرئيس الإيراني والروسي؛ فالمشروع يرفع من رصيد أذربيجان لدى حليفي أرمينيا الرئيسيين.

* الدوافع الهندية:

سيساهم المشروع في دعم الاقتصاد الهندي بشكل كبير؛ فمن ناحية، ستتمكن صادرات الهند من الوصول إلى أسواق جديدة، وتحقيق تنافسية أعلى من ذي قبل لا سيما في مقابل المنتجات الصينية، إضافة إلى ضمان حصة من مصادر الموارد الطبيعية في وسط آسيا، وتحويل الموانئ الهندية إلى محطات تجمع للبضائع، خصوصاً من دول جنوب وجنوب شرق آسيا وإليها. والأهم، تجاوز باكستان في عملية التبادل التجاري مع أفغانستان وإيران ووسط آسيا.

من جهة أخرى، ستشكل التحركات الهندية منافسة للصين، خصوصاً إذا علم بأن دلهي عقدت اتفاقاً مع كل من إيران وأفغانستان في 23 مايو/أيار الماضي، في إطار مشروع ممر "شمال-جنوب"، للاستثمار في ميناء "تشاباهار" الإيراني وإنشاء منطقة تجارة حرة فيها تجمع الدول الثلاث، إضافة إلى سكة حديد تربط الميناء بالحدود الإيرانية-الأفغانية.

يعد ذلك استهدافاً لبكين وإسلام أباد معاً، فقد أبدت الصين منذ عام 2002 اهتماماً بتطوير ميناء في منطقة "جوادر" الساحلية في باكستان، وقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى في 2006 وبدأ العمل بالمرحلة الثانية عام 2015 في إطار مشروع الممر التجاري الصيني-الباكستاني الذي يضم، إلى جانب ميناء جوادر، إنشاء منطقة حرة وطريق يصل الميناء بالحدود الباكستانية-الصينية، بحسب تقرير لصحيفة تشاينا ديلي بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين أول 2015، الأمر الذي يعِد بمنافسة محمومة بين المشروع الصيني-الباكستاني وغريمه الهندي-الإيراني.

يذكر أن صحيفة ذي إكونوميك تايمز أشارت في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، إلى اهتمام اليابان بالمشروع الهندي-الإيراني، الأمر الذي يأتي في سياق تقارب بين طوكيو ودلهي، لمنافسة "المد الصيني"، بحسب الصحيفة، وهو الأمر الذي سيهدد بفشل المشروع الصيني-الباكستاني، ويزيد من عزلة إسلام أباد السياسية والاقتصادية.

* حسابات موسكو وطهران:

سيعمل المشروع، ولا شك، على تعزيز العلاقات الروسية-الإيرانية، لكنه يحقق أهدافاً أخرى لكلا البلدين؛ فبالنسبة لروسيا، سيعزز المشروع سيطرتها على الأسواق الأوروبية، ويمنحها قدرة أكبر على منافسة الدور الصيني المتنامي في وسط آسيا.

أما بالنسبة لإيران، فهو، من جهة، يمثل فرصة كبيرة لكسر العزلة التي فرضتها العقوبات الدولية لعقود، ومن جهة أخرى، سيزيد من قدرتها على خلق وتعزيز التحالفات واستثمارها في صراعات تخوضها طهران في الشرق الأوسط، الأمر الذي يشكل تحدياً للسعودية، الغريم الأكبر لإيران في المنطقة.

وقد وقع على المشاركة في مشروع ممر "شمال-جنوب"، إلى جانب دول الخط الرئيسي، كل من: تركيا، أرمينيا، عمان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، أوكرانيا، وبيلاروسيا، بالإضافة إلى بلغاريا كعضو مراقب، بحسب الموقع الرسمي للمشروع، حيث ستمتد طرق متفرعة من الخط الرئيسي إلى تلك الدول.

وبغض النظر عن الآثار السياسية، فإن الاستفادة من التكلفة والوقت الذين يوفرهما الممر في التبادلات التجارية، ستكون متاحة لجميع الدول، الأمر الذي سيضاعف عوائد المشروع من الرسوم المفروضة على استخدامه، وهو ما تعول عليه الدول المعنية، روسيا خصوصاً، في التخفيف من اعتماد اقتصاداتها على عوائد قطاع الطاقة.