مغتربون يتحدثون عن نعمة العيش في تركيا

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 17.03.2020 17:12
الأناضول (الأناضول)

يرى الكثير من المغتربين المقيمين في تركيا أنها واحدة من الدول القليلة التي يعتبر العيش فيها فرصة جيدة فيحين يواجه العالم وباء سريع الانتشار. وذلك لأسباب كثيرة منها البنية التحتية الصحية التي تم تطويرها مؤخراً، وضوابط السفر التي تم وضعها في الوقت المناسب والحساسية العامة للأتراك تجاه النظافة والاحترام المتأصل في ثقافة الناس تجاه كبار السن، وغيرها.

استيقظت تركيا صباح اليوم على أخبار المزيد من حالات الإصابة بالفيروس، إذ وصل الرقم إلى 47 مصاباً، وتم اتخاذ قرار بإغلاق الحانات والنوادي الليلية اعتباراً من اليوم كإجراء احتياطي إضافي. في غضون ذلك، توقفت المدارس، وتم إلغاء الرحلات الجوية إلى العديد من الدول، وطبق الحجر الصحي على الأتراك والسكان القادمين من الخارج لمدة أسبوعين. وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه الإجراءات صارمةً بعض الشيء، إلا أنها تجعلنا نطمئن حقاً أنها حكيمة وتأتي في الوقت المناسب تماماً لأن أي شخص موجود حالياً في البلدان الأكثر تضرراً، مثل إيطاليا، لا بد أن يشهد بسهولة على أن هذه الخطوات ضرورية للغاية للحد من انتشار الفيروس. وهذه الإجراءات الاستباقية التي اتخذت في وقت مبكر من انتشار الفيروس في تركيا ليست سوى أحد الأسباب العديدة التي تجعل المغتربين يفرحون ويشعرون بأنهم محظوظون للغاية كونهم متواجدون الآن في تركيا.

وهنا نورد بعض الأسباب الأخرى:

بدايةً نجد حقيقة أن تركيا لم تشهد سوى عدد قليل من حالات كوفيد-19 تعني أن الأمة قد وفرت لنفسها قدراً كبيراً من الوقت لتغيير طرقها الشائعة في التعامل التقليدي مع الأمور الجدية من خلال عبارة شعبية متوارثة وهي "بير شي أولماز" التي تترجم إلى "لن يحدث شيء". بل إن تأخر وصول الفيروس إليها أتاح لتركيا الفرصة لتعلم درس قاس من الدول المجاورة لها والتغيير السريع لموقفها.

وبالفعل أدرك الأتراك تأثير الفيروس في جميع أنحاء العالم حيث تم تداول الصور على وسائل التواصل الاجتماعي للمتسوقين والرفوف الفارغة في اليوم الذي ظهرت فيه أول حالة في البلاد، وهو ما اعتبر أمراً جيداً للكثيرين كي يأخذوا الموقف على محمل الجد ويتصرفوا بسرعة لمحاولة منع أي انتشار إضافي للفيروس. أما فيما يتعلق بالرفوف الفارغة، فيمكنني أن أتحدث من تجربة شخصية، ومن كل من تحدثت إليه، وهو أن أياً منا لم ير بالفعل أرففا فارغة. بل أعيد ملئ أحد الرفوف الذي نفذت منه مادة غذائية في غضون ثلاث دقائق. ومع ذلك، اتخذت إجراءات للحد من شراء المعكرونة وتخصيص خمس عبوات فقط لكل مشتري. وفي الوقت نفسه، تم رش جميع عربات التسوق بالمطهرات.

بالمقابل فإن تجربة التسوق في تركيا لم تدخل في إطار "التسوق الفزع" أو ما يشبه أحداث "الجمعة السوداء" المخزية التي تحدث في الولايات المتحدة. فباستثناء تقلص المساحة الشخصية وزيادة الطابور، لم تقع الكثير من التغييرات أثناء التسوق سوى ترك مسافة أمان أكبر من المعتاد بين الأشخاص للشعور بالأمان من الإصابة بالفيروس. والأتراك بطبعهم في الواقع مهذبون للغاية وينظرون إلى التسوق على أنه متعة كاملة. وهم أيضاً نزيهون بفطرتهم وهذا يعني أن ظهور أي شخص يحمل عشرات العبوات من المعكرونة أو ورق التواليت من المرجح أن يسبب له سخرية لاذعة من زملائه المتسوقين فالأتراك لا يترددون عادة بالإفصاح علناً عن استيائهم من أي عمل مخزي.

كما أن الشعب التركي في معظمه اجتماعي ويميل إلى التحدث والتواصل وبالتالي مشاركة أية معلومات أو إرشادات جديدة حول كيفية مكافحة هذا الفيروس باستمرار. حتى في أبعد القرى، تميل الأسواق المحلية والمقاهي إلى رفع الصوت المنبعث من أجهزة التلفزيون عند بث نشرات الأخبار، وبالتالي يتم إعلام الجميع بسهولة بأحدث التطورات. وربما يكون القرويون في البلاد هم الأكثر استعداداً لتجنب العدوى، بسبب ما يُعدونه من مؤن غذائية محلية تكفيهم على مدار السنة.

كذلك يتمتع الأتراك عموماً بصحة جيدة للغاية، وقد اشتهروا على مدى التاريخ بثقافة النظافة المميزة لديهم. ليس فقط الكولونيا المعروفة بدلالات رمزية في البلاد وتحمل الكثير من الفوائد وتعمل كمطهر أيضاً، ولكن الأتراك لطالما اهتموا كثيراً بارتداء أغطية بلاستيكية فوق أحذيتهم عند دخول المراكز الطبية أو مراكز المسنين والأطفال. في الواقع، اضطررت مرة إلى وضع غطاء لحذائي عند دخولي إلى عيادة طبيب الأسنان، في حين أنني لم أر شيئاً كهذا في الولايات المتحدة. والأتراك شعب لا يتناول الطعام عادة باليد باستثناء قطع الخبز، على عكس الدول التي لديها ثقافة الوجبات السريعة التي تستهلك البرغر والبيتزا والتاكو وأجنحة الدجاج باستمرار، وكلها تؤكل باليد. ومن الصعوبة العثور على تركي لا يأكل البيتزا بسكين وشوكة. وإذا حدث أن أكلوا مثل هذه الوجبات فإنهم يجعلونها كلفائف أو ما شابه بأيديهم، وبعدها يستخدمون فوراً مناديل مبللة وفقاً للعرف السائد، وهو بالفعل منطق سليم.

وبالرغم من كون غالبية الأتراك من الشباب، إلا أنهم يبدون أقصى احترام لكبار السن ويفعلون كل ما في وسعهم لمساعدتهم ورعايتهم. وهناك أيضاً مفهوم "imece" في تركيا، وهو دعوة للتعاضد والتعاون الجماعي لحل الأمور. وبالتالي، فالجيران والمعارف والأصدقاء والعائلة يساعدون بانتظام المسنين والناس الأقل حظاً في أوقات الحاجة. الشيء نفسه يقال بالنسبة للمدراء وزملاء العمل الذين يتفهمون بالفعل احتياجات موظفيهم. وحتى في الأوقات العادية، يُسمح للموظفين بانتظام بزيارة أزواجهم أو آبائهم في المستشفى ويسمح لهم بالبقاء بجانبهم إذا خضعوا لعملية جراحية أو أثناء تماثلهم للشفاء من الأمراض الخطيرة. ويتم استيعاب ظروف الموظف من قبل زملائه في العمل ورؤسائه خلال الأوقات الصعبة. كما يُسمح للموظف المريض في معظم الأحيان بالعودة إلى المنزل أو بالذهاب إلى الطبيب وربما لن يتم الضغط عليه للبقاء في العمل إذا شعر بالمرض. هذا التعامل السمح واللهفة والتفهم الإنساني لا غنى عنها في هذا الوقت بالذات عندما يحتاج الناس إلى العناية بأنفسهم والتأكد من أنهم لا ينشرون الفيروس أكثر.

ويعد نظام الرعاية الصحية في تركيا من الأمور القيمة أيضاً، حيث أنه متاح لأي شخص سواء كان لديه تأمين صحي شامل أم لا. وهو في متناول الجميع حيث يمكن إجراء الفحص الطبي في المشافي والعيادات الحكومية. وقد اتخذت وزارة الصحة التركية أيضاً إجراءات سريعة لإنشاء نظام الخط الساخن عبر الهاتف لأي شخص لديه مخاوف أو أسئلة تتعلق بفيروس الكورونا. وهو متاح باللغتين الإنجليزية والعربية بالإضافة إلى التركية بمجرد الاتصال على الرقم 184.