آغاوات الحرملك في دنيا الشرق

نشر في 15.09.2017 00:00
آخر تحديث في 09.10.2017 12:49
صورة لأحد أغوات الحرملك بالقصر العثماني صورة لأحد أغوات الحرملك بالقصر العثماني

الحرملك وآغاوات الحرملك من أكثر الأمور المثيرة للاهتمام في حياة الشرق القديم. وكان الأغاوات هم المسؤولين عن حفظ النظام والانضباط في الحرملك الذي كان دخوله محرماً تماماً على الذكور. ولهذا السبب أيضاً لم تحدث أي واقعة منافية للآداب والأخلاق في القصر العثماني على مدار ستة قرون.

الحرملك وآغاوات الحرملك من أكثر الأمور المثيرة للاهتمام في حياة الشرق القديم. وكان الآغاوات هم المسؤولين عن حفظ النظام والانضباط في الحرملك الذي كان دخوله محرماً تماماً على الذكور. ولهذا السبب أيضاً لم تحدث أي واقعة منافية للآداب والأخلاق في القصر العثماني على مدار ستة قرون.

الحرملك، هو القسم الذي يجلس فيه النساء داخل المنزل ولا يجوز دخوله لأي رجل غريب.

وكان هناك ممن يقومون بمتابعة النظام والانضباط في الحرملك ويشكلون حلقة الوصل بين الحرملك والعالم الخارجي، ألا وهم "آغاوات الحرملك" الذين يشكلون واحداً من أكثر مواضيع التاريخ غرابة .

خط إسطنبول-إفريقيا

يجب أن نذكر هنا أن مسألة تشغيل آغاوات الحرملك لم تكن حكراً على العثمانيين فقط. فقد كان آغاوات الحرملك موجودين في قصور روما وبيزنطة والصين ومصر وإيران. كما كانوا موجودين في قصور ومنازل العباسيين والسلاجقة. كما كان هناك بعض العبيد المخصيين من إفريقيا يعملون في بعض أديرة الراهبات وجوقات الكنائس. وقام العثمانيون بمواصلة هذا التقليد.

كان آغاوات الحرملك من العبيد المولودين مخصيين أو من تم إخصاؤهم لاحقاً. وكانت بعض القبائل في إفريقيا تقوم بإخصاء ذكور أعدائها بعد هزيمتهم في الحرب كعلامة على النصر ولكي يقطعوا نسل أعدائهم. بعد ذلك يبيعونهم في أسواق العبيد. كما كان بعض التجار يأسرون الزنوج ويقومون بإخصائهم لبيعهم بعد ذلك.

يعد إخصاء الإنسان وحتى الحيوانات جريمة في الدولة العثمانية وفقاً لنظام الحقوق الإسلامي. ويفهم ذلك أيضاً من الفرمان السلطاني الصادر عام 1715 والذي ينص على عقوبات شديدة لمن يقومون بعمليات الإخصاء والتعقيم.

كان آغاوات الحرملك في القصر العثماني يقيمون في غرفة بجانب جناح السلطان الملاصق لجناح الحريم بالقصر. ولم يكن دخولهم إلى قسم الحريم بالقصر مخالفاً من الناحية الشرعية. من المعروف أنه لا يجوز في الإسلام أن تظهر النساء أمام الرجال الغرباء من غير المحارم. ولكن يستثنى من ذلك الأطفال والخصيان. يمكن للجواري أن يظهرن أمام الرجال الغرباء إلا أن آغاوات قسم الحريم بالقصر لم يكونوا يدخلونه، بل كانوا يديرون شؤونه من خلال التعليمات التي يصدرونها من على الباب دون الدخول.

إذا ما استوجب الأمر إخبار السلطان بخبر ما أثناء وجوده في قسم الحريم كان يتم إخبار آغا الحرملك الموجود عند باب قسم الحريم ويقوم هو بدوره بإخبار الجارية المكلفة بالخدمة في غرفة السلطان لتخبر هي السلطان. كان آغاوات الحرملك في مقدمة الأشخاص الذين يمكنهم لقاء السلطان في أي وقت كلما أرادوا. ولذلك كان لهم اعتبار ومكانة داخل القصر. فلم يكن الصدر الأعظم ولا حتى أفراد عائلة السلطان يمكنهم لقاؤه في أي وقت يرغبون.

كان آغاوات قسم الحريم يشكلون حلقة الوصل بين قسم الحريم بالقصر والعالم الخارجي. فلو لزم إحضار طبيب إلى قسم الحريم يقوم آغا قسم الحريم بإحضاره، ولو لزم شراء شيء من الخارج يكون هو من يصدر التعليمات للخدم لشرائه، ولو كان الحريم سيخرجن خارج القصر للتنزه بالعربات يكون ذلك في حضور آغا الحرملك ولا يمكن أن يذهبن إلى مكان إلا في وجوده. وبفضل عمل الخصيان داخل القصر لم تحدث أي واقعة منافية للأخلاق على مدار 600 سنة مثلما كان يحدث في قصور أوروبا.

كان آغاوات الحرملك يمنعون دخول أي شخص غير مناسب إلى قسم الحريم وبذلك يقومون في الوقت نفسه بطريقة غير مباشرة بمهمة حماية السلطان وعائلته. في عهد السلطان محمد الرابع قام أحد آغاوات قسم الحريم وكان يدعى "سليمان آغا" بتهريب السلطان أثناء أحد الانقلابات داخل القصر وبذلك أنقذه من القتل. كذلك قام "عنبر آغا" و"عيسى آغا" بحماية السلطان محمود الثاني (كان وقتها لا يزال ولياً للعهد) وتهريبه أثناء هجوم المتمردين على القصر. وعندما قام أعضاء "تركيا الفتاة" بخلع السلطان عبد الحميد الثاني وأثناء نهبهم القصر رفض آغا الحرملك آنذاك "جوهر آغا" أن يبوح لهم بأماكن خزائن القصر وكلفه ذلك حياته.

منصب مرموق

يعد "آغا دار السعادة" أعلى رتبة في التسلسل الإداري لآغاوات قسم الحريم. ويقوم آغا دار السعادة في الوقت نفسه بإدارة أوقاف السلطان وعائلته. لذلك كان يأتي بعد الصدر الأعظم وشيخ الإسلام مباشرة في البروتوكول. ويكون بجوار السلطان مباشرة في كل المراسم. ووصول عبد زنجي من المخصيين إلى منصب رفيع مثل هذا يعد مؤشرا على مفهوم الديمقراطية لدى العثمانيين. كما أن توظيفهم كآغاوات في قسم الحريم شكل مصدر دخل لهؤلاء العبيد وأنقذ حياتهم. وهذا لفتة إنسانية طيبة لا يمكن مصادفتها في أي مكان آخر في العالم.

وكان بعض آغاوات قسم الحريم على درجة عالية من العلم والثقافة لدرجة أن يقوموا بوظيفة الـ"لاله" للأمراء (لاله هو المعلم الذي يتولى تنشئة الأمير وتعليمه منذ طفولته) وكانت عائلة السلطان تتلقى دروس العلم من العديد من المعلمين في قاعة الدرس الموجودة بجناح آغا دار السعادة. وكان المعلمون يدخلون إلى القاعة برفقة آغا دار السعادة ويجلسون خلف ستار خشبي مزدوج بعد ذلك تدخل سيدات القصر ويجلسن للاستماع إلى الدرس من المعلم. وبعد انتهاء الدرس تخرج سيدات القصر أولا وبعد ذلك يغادر المعلم. وبذلك لا يرى المعلم وجه أي من سيدات القصر فقط يسمعن صوته أثناء الدرس.

كما كان آغا دار السعادة هو المسؤول عن ملء الخزان الذي يشرب منه الأمراء ثم إغلاقه بإحكام وتشميعه بحيث لا يمكن لأحد غيره فتحه. وذلك لضمان سلامة الأمراء.

لم يكن الآغاوات يعملون في قسم الحريم فقط بل كانوا أيضاً يتولون العديد من المهام في مدرسة القصر الداخلية (أندرون) التي ينشأ بها رجال الدولة والوزراء. كان يطلق عليهم اسم "آق آغا" الآغاوات البيض. وكانوا مسؤولين عن حفظ النظام والانضباط. كما كانوا هم المكلفين بفتح وإغلاق بوابة الفناء الثالث بقصر طوب قابي. وسواء في فترات السلم أو في الحروب كانوا دائماً بجوار السلطان ولا يفارقونه. ومنهم من ترقّى ووصل إلى تولي منصب الصدر الأعظم واشتهروا بالبطولة والبراعة مثل "سنان باشا" و"سليمان باشا".

أعمال خيرية

كان آغاوات قسم الحريم بالقصر حساسين جداً وملتزمين دينياً لأقصى درجة. وكان بينهم الكثير ممن لديه موهبة في الشعر والموسيقى. كما كان بينهم من هم على درجة كبيرة من العلم. وكانوا يتسامرون مع السلاطين، ويقصون عليهم بعض النكات أحياناً.

كان "عبد الغني آغا" من آغاوات الحرملك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني من المحبين للكتب والقراءة. وقد أوقف حوالي ثلاث مئة كتاب جميعها مخطوطات. وهي الآن محفوظة بمكتبة السليمانية في إسطنبول.

وبعض الأعمال الخيرية التي قاموا بها لا تزال باقية حتى اليوم. فمساجد "عباس آغا" في منطقة بشيكطاش، و"محمد آغا" في منطقة الفاتح، و"جعفر آغا" في منطقة قاضي كوي، و"بشير آغا" في حي علم دار بمنطقة الفاتح جميعها أنشأها آغاوات الحرملك. كم أنشا آغا دار السعادة "محمود آغا" مسجد "آغا" الموجود حالياً بمنطقة تقسيم.

ويعد بشير آغا من أشهر آغاوات الحرملك في العهد العثماني وعاش في عهد السلطان محمود الأول. وكان من أتباع الطريقة النقشبندية.

كان "آق أغالر" أيضاً (الآغاوات البيض) يكثرون من فعل الخيرات. وهم من شيدوا مسجد "فيروز آغا" في جغال أوغلو، ومسجد "عتيق علي" في جمبرلي تاش، ومسجد "مسيح باشا" في قره جمرك، ومسجد "داود آغا" في منطقة أيوب سلطان. كما شيدوا العديد من السبل في إسطنبول.

نهاية الآغاوات

كان هناك فرسان بارعون من الآغاوات الخصيان البيض والسود. وكانوا أحياناً يشكلون فريقين ويقيمون منافسات في لعبتي البولو، والجريد. وكان يطلق على فريق آغوات الحرملك "فريق الكرنب" وعلى فريق الآغاوات البيض "فريق الباميا". ومع إغلاق مدرسة الأندرون في عهد السلطان محمود الثاني (1808-1839) انتهى تماماً الآغاوات البيض وأصبحوا في طي النسيان.

ومع إلغاء الخلافة ونفي أفراد العائلة الحاكمة تم إخراج الجواري وآغاوات الحرملك من القصر. واستطاع آغاوات الحرملك مساندة بعضهم بعضاً لأنهم استطاعوا تأسيس صندوق مساعدات فيما بينهم.

كان نادر آغا من آغاوات الحرملك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وكان مشهوراً بذكائه ولباقته وحسن أخلاقه. وكان قد أُسر في كينيا وهو طفل صغير. وطلب السلطان عبد الحميد من إمبراطور الحبشة البحث عن عائلة نادر آغا إلا أنهم لم يعثروا لهم على أي أثر.

بعد أن أخرج نادر آغا من القصر إثر عزل السلطان، اشترى حديقة بالنقود التي كان قد ادخرها أثناء عمله في القصر وقام بإنشاء مزرعة أبقار. وكان هو أول من أنتج الحليب المعبأ في زجاجات في تركيا.