قوانين الشريعة في الاتحاد الأوروبي

نشر في 26.11.2017 00:00
آخر تحديث في 27.11.2017 20:42
صورة لسوق في اليونان يضم مسلمين ومسيحيين أرثوذكس يعيشون معاً تحت حكم الإمبراطورية العثمانية صورة لسوق في اليونان يضم مسلمين ومسيحيين أرثوذكس يعيشون معاً تحت حكم الإمبراطورية العثمانية

صرح رئيس الوزراء اليوناني تشيبراس بأنه سيقلص مساحة تطبيق الأحكام الشرعية الإسلامية. وطبقاً للاتفاقيات الدولية يحق للمسلمين في اليونان المطالبة بتطبيق المبادئ الشرعية الخاصة بهم.


في الدولة العثمانية كان المواطنون غير المسلمين لديهم الحق في الرجوع إلى السلطات الدينية لديهم والمطالبة بتطبيق القواعد القانونية طبقاً لمعتقدهم الديني. وكانوا معفيين من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم. وبالتوازي مع ذلك تم منح امتيازات مشابهة للمسلمين في البلقان والدول التي انفصلت عن الدولة العثمانية.

واليوم تمنح كندا وإنكلترا هذا الحق لليهود والمسلمين هناك. الوضع نفسه في بعض الدول التي لا يكون المسلمون فيها في السلطة السياسية مثل تايلاند والفلبين وإسرائيل والهند. في بعض الدول الأوروبية مثل السويد تتم مراعاة القواعد الدينية للمسلمين في المحاكم وإن كان ذلك بصورة قليلة.

ظلت اليونان تحت حكم الدولة العثمانية لأكثر من أربعة قرون، ونتيجة التمرد الذي بدأ هناك عام 1821 تمكنت من الحصول على استقلالها. وبعد حرب البلقان عام 1913 ضمت اليونان مناطق أغلبية سكانها من المسلمين مثل يانيا، وتيساليا، وكريت، وجزر بحر إيجه، وجزيرة رودس، وتراقيا الغربية. وبذلك وسعت من مساحتها.

وبموجب اتفاقية أثينا عام 1913 تم قبول أن تكون الجمعية الإسلامية التي سيؤسسها مئات الآلاف من المسلمين الذين يعيشون في اليونان هي صاحبة الكلمة في أمورهم المختلفة. وبتوقيع معاهدة لوزان عام 1923 تم تأكيد هذه الوضعية. وجعلت اليونان انتخاب المفتي عام 1920 وإدارة الأوقاف والأحكام المتعلقة بمعاهدة أثينا من ضمن إجراءات القوانين الداخلية. وكانت هيئة الجمعية هي من تنتخب المفتي ونائبه. وكان السفير اليوناني في إسطنبول يعرض ذلك على شيخ الإسلام ويأخذ موافقته. وبعد انهيار الدولة العثمانية وإلغاء السلطنة ومنصب شيخ الإسلام تم إلغاء هذا التقليد أيضاً.

من الذي سينتخب؟

المسلمون في اليونان يتمتعون ببعض الحقوق الدينية غير الموجودة حتى في تركيا، فهم يتزوجون في حضور المفتي الذي يحمل صفة قاضٍ، كما تعرض عليه القضايا المتعلقة بالأسرة والميراث. ويصدر الحكم طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. وكانت الوثائق والمضابط الخاصة بذلك تكتب باللغة العثمانية وترسل نسخة منها مترجمة لليونانية ومصدق عليها إلى الجهات الرسمية لإبلاغها. فالإسلام ليس عبارة عن العقيدة والعبادات فقط بل دين ينظم حياة منتسبيه بكل جوانبها. واتباع المسلمين للمبادئ الشرعية في المسائل المتعلقة بالحقوق من أوامر الدين.

بعد انقلاب عام 1967 في اليونان منح قادة الانقلاب الذين كانوا يديرون البلاد صلاحية اختيار المفتي إلى الحكومة. وبعد سقوط حكومة الانقلاب لم تعد أثينا كما كانت من قبل. ومع مرور الوقت أصبحت الجمعية بدون أي تأثير وليس لها مهمة محددة نظراً إلى عدم اختيار أعضاء جدد.

عام 1990 أصدر رئيس الجمهورية مرسوما في حكم القانون ينص على إلغاء قانون 1920 الخاص بانتخاب المفتي. وبُدء بتعيين المفتي من قبل الوالي ويختاره من بين الأئمة الذين يمتلكون خبرة لا تقل عن عشر سنين. وأدى عدم قبول أنقرة بذلك الوضع إلى نشوب أزمة دبلوماسية بين تركيا واليونان.

عام 1924 أجرت تركيا واليونان تبادلاً للسكان واستثنيت منه إسطنبول وتراقيا الغربية ولذلك يعيش في تراقيا الغربية اليوم أكثر من 150 ألف مسلم. تتحدث معاهدة لوزان عن وضع" المسلمين" في اليونان وليس الأتراك. وذلك لأن حكومة أنقرة وقتها كانت لا تزال حكومة إسلامية ولم تكن قد تبنت المبادئ القومية بعد؛ لذلك أصرت أثينا على استخدام لفظ المسلمين بدلاً من الأتراك. كما أن كل المسلمين في اليونان آنذاك لم يكونوا من الأتراك.

عام 1984 منحت حكومة اليساري باباندرو إمكانية عقد القران في البلدية للراغبين في ذلك. وحتى ذلك التاريخ كان المسلمون يعقدون قرانهم فقط أمام المفتي بينما كان المسيحيون يمكنهم الزواج فقط في الكنيسة. وفي عام 1990 ردت المحكمة دعوى قضائية ضد رجل تركي متزوج من امرأتين في مدينة إيسكتشه. وعام 2013 قضت محكمة بعدم تنفيذ وصية شخص مسلم من تراقيا الغربية لأنها مخالفة للقوانين الشرعية.

الدفتر الأسود

استطاع المسلمون في اليونان البقاء بعيداً عن الأيديولوجية الرسمية في بداية سنوات الجمهورية بالرغم من كل الضغوطات. وبينما كان الحجاب محظوراً في المدارس التركية كانت هناك حرية لارتدائه في المدارس اليونانية. ومن يرغب من المسلمين يمكنه جعل إجازته الأسبوعية يوم الجمعة المقدس عند المسلمين، حتى إنه يمكنه ارتداء الطربوش أو العمامة بينما كان ذلك محظوراً في تركيا. كما يمكنهم الكتابة بالأحرف العربية وأخذ عطلة في الأعياد والمناسبات الدينية. لهذا السبب كان المعارضون للنظام الكمالي في بداية سنوات العهد الجمهوري يفضلون السفر إلى تراقيا الغربية والعيش فيها على الإقامة في تركيا.

لم يبق في تراقيا الغربية اليوم من آثار العثمانيين سوى مدرستين تعملان حتى الآن. وقد منحتهما أثينا وضعية المدارس الثانوية. وكانت تقوم بإرسال المتخرجين فيها إلى معهد التربية في سلانيك ثم يتم تعيينهم معلمين في المدارس التركية. بعد ذلك أغلق المعهد بسبب معارضة أنقرة التي أرادت إرسال معلمين بمواصفات معينة للمعهد لنشر الأيديولوجية التي تتبناها حكومة أنقرة.

اعتباراً من عام 1920 تم تقسيم المسلمين في اليونان من قبل أنقرة إلى "أنصار الجمعة" و"أنصار الأحد". وبذلك ضعفت الأقلية المسلمة أكثر أمام أثينا. وتم التبليغ عن القنصلية التركية في "غومولجين" واتهموا بأنهم من أنصار الجمعة (المحافظين)، فقامت أنقرة بتسجيل أسمائهم في "اللائحة السوداء" وتم فرض تأشيرة دخول عليهم من أجل دخولهم تركيا. وقد انتهى هذا التقليد بعد إلغائه من قبل الرئيس الأسبق تورغوت أوزال. ودائماً ما اتسمت سياسة أنقرة تجاه الأتراك في الخارج بأنها سياسة تشوبها العديد من المشاكل. وذلك لأنهم كانوا يعملون فقط لتصدير الأيديولوجية الرسمية إلى الخارج؛ وقد أدى ذلك إلى تقوية وضعهم. واستغلت أثينا أيضاً الموقف وبدأت تطبيق ضغط غير قانوني على أوقاف المسلمين بصفة خاصة.

منتخب أم معيّن؟

حالياً يوجد في غومولجين وإيسكتشه وديمتوكا ثلاثة مفتين. ولا تخضع جزيرة رودس إلى جميع أحكام معاهدة لوزان وذلك لأنها انضمت إلى اليونان عقب الحرب العالمية الثانية. علاوة على ذلك هناك مفتيان منتخبان تدعمهما أنقرة مادياً ومعنوياً. وبالرغم من أن أثينا قامت بفتح تحقيقات قانونية بخصوص هؤلاء المفتين بدعوى أنهم "مفتون مزورون" إلا أنها صرفت النظر عن ذلك في سبيل تحسين علاقاتها مع أنقرة.

في معظم المساجد كان يوجد إمامان يتم تعيينهم ودفع رواتبهم من قبل المفتين. وراتب الإمام الرسمي الذي يتقاضاه من الأوقاف نصف راتب الأئمة الآخرين. مع ذلك لم يكن هناك أي خلافات أو شجارات بين هؤلاء الأئمة. ولم يكن المفتي يتدخل في أوضاعهم كي لا تحدث أي خلافات. وطالما تم الحفاظ على هذه الوضعية المستقلة فلا يهم الطريقة التي وصل بها المفتي إلى منصبه.

عام 1985 عندما توفي المفتي حسين مصطفى المعين وفق التقاليد القديمة قامت حكومة أثينا بمخالفة القواعد التي كانت متبعة آنذاك وعينت خريج الأزهر حافظ جمالي متشو في منصب المفتي. وعام 1990 توفي مصطفى حلمي مفتي أيسكجه. وكان ابنه محمد أمين آغا (1931-2006) هو نائبه، ولكن لم تعينه أثينا مفتياً مكان والده بحجة أنه لم يتلق تعليماً عالياً إلا أن السبب الحقيقي كان قلقها من قربه من حكومة أنقرة. وفي مقابل ذلك انتخب محمد أمين آغا مفتياً عبر انتخابات أجريت في جوامع القرية برفع الأصبع. وأعلن مفتياً منتخباً. وعام 1992 أُعلن إبراهيم شريف بالطريقة نفسها مفتيا لغومولجين. وقد ظهرت مشكلة المفتي المنتخب والمفتي المعين والتي أدت إلى توتر العلاقات بين أنقرة وأثينا، بعد ذلك التاريخ.

حكمت المحكمة اليونانية بمعاقبة محمد أمين آغا المفتي المنتخب في إيسكتشه بتهمة أنه مفتٍ مزور وقام بتبديد أموال الوقف. ورغم أن الحكم بالحبس تم تحويله إلى غرامة مالية إلا أنه فضل البقاء في السجن لأنه ظن أن ذلك سيخدم دعوته. في السابق لم تكن أنقرة مؤيدة كثيراً لاستمرار تطبيق الأحكام الشرعية في اليونان وذلك بهدف تعزيز وضع المفتين المقربين منها إذ إنهم كانوا في الحقيقة عديمي الكفاءة. ورئيس الوزراء اليوناني الحالي اليكسس تشيبراس يستغل ذلك اليوم. فقد قال إنه على الطرفين أن يتفقا من أجل تطبيق القوانين الإسلامية وإلا فستصبح المحاكم اليونانية هي صاحبة الكلمة. مع أنه لا يمكن للحكومة أن تغير وضعاً دولياً. علاوة على ذلك كان وزير المعارف اليوناني عام 2013 "يورغو كالانيس" يقول متفاخراً " نحن الدولة الوحيدة التي تطبق القوانين الإسلامية في الاتحاد الأوروبي. المسلمون من أجل المسلمين. ونحن أيضاً سنساعدكم دوماً في كفاحكم هذا."