إلى أي مدى أثر فتح القسطنطينية على أوروبا العصور الوسطى والحديثة؟

وكالة الأناضول للأنباء
إسطنبول
نشر في 19.04.2022 11:22
أياصوفيا IHA أياصوفيا (IHA)

كان لفتح القسطنطينية عام 1453م على يد السلطان العثماني محمد الفاتح آثارًا كبيرة في أوروبا التي اهتزت لسقوط المدينة التي كانت حصنها الشرقي لأكثر من 11 قرنا.

وقد تنوعت هذه الآثار على الصعيد السياسي والاقتصادي والديني، وما إن تلقى الغرب صدمة فتح العثمانيين للقسطنطينية حتى دعا البابا نيقولا الخامس إلى شن حملة صليبية جديدة لاستعادتها، وفي سبيل تحقيق ذلك أمر بإعادة فرض ضريبة العشر لتمويل الحملة التي فرضتها البابوية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين بعد استرداد صلاح الدين الأيوبي للقدس.

لكن الدعوة لم تخرج إلى حيز التنفيذ لخوف أوروبا من سطوة العثمانيين، وبعد وفاة نيقولا تولى البابوية كالستوس الثالث، فسعى من خلال الضرائب لتمويل أسطول بحري لاسترداد القسطنطينية، وقد تمكن الأسطول من ضم بعض الجزر في بحر إيجة، لكن العثمانيون استردوها مرة أخرى بعد فترة وجيزة.

كما كان للفتح أثر في تطور العسكرية الأوروبية، إذ بدأت الدول الأوروبية بدراسة تكتيكات العثمانيين في فن الحروب، خاصة في اقتحام المدن وفرض الحصار، وبلغ إعجابهم بجنود الإنكشارية إلى حد أنهم سعوا لتكوين فرق عسكرية مشابهة لها، وعلى إثر بروز قيمة المدفعية في الفتح، عملت أوروبا على تطوير مدفعيتها ومداها.

كما كان لفتح القسطنطينية آثار بارزة على الغرب في ميدان الفكر مع نهايات العصور الوسطى وبداية العصر الحديث، ويوضح الدكتور حاتم عبد الرحمن الطحاوي في تقديمه لكتاب "يوميات الحصار" لمؤلفه نيقولو باربارو، هذا الأثر، بقوله إن التهديد العثماني المستمر للقسطنطينية ثم فتحها، دفع كثيرًا من رجال الفكر والعلم والثقافة في جامعة القسطنطينية ومنتدياتها إلى التوجه صوب بلاد الغرب وخاصة إيطاليا، وهؤلاء بدورهم حملوا معهم مفاتيح العلم اليوناني وذخائر الكتب التي أسهمت في إثراء الفكر الغربي، وسارع في إعادة ربطه بروافد الحضارة اليونانية القديمة، ما أسهم في انتشار اللغة اليونانية، وأثر على إيطاليا بصفة خاصة فتبوأت مكانتها وريثةً للثقافة البيزنطية والفكر اليوناني وبزوغ فجر النهضة الأوربية على الأراضي الإيطالية.

وعلى الصعيدين الاقتصادي والتجاري، سعت جنوة والبندقية إلى التودد للسلطان العثماني محمد الفاتح، والحصول على امتيازات تجارية في بيرا والقسطنطينية التي صارت عاصمة جديدة للعثمانيين.

نجحت جنوة في الحصول على معاهدة تجارية هامة من السلطان، إضافة إلى تحديد قيمة الجمارك بنفس قيمتها السابقة قبل فتح القسطنطينية.

وفي العام التالي (1454م)، حصلت البندقية على اتفاقية مماثلة من السلطان، على أن تدفع رسوما جمركية بنسبة 2 بالمئة، وتمنح رعايا السلطان الذين يقيمون فيها نفس الامتيازات التي حصلت عليها من السلطان.

حذت جمهورية فلورنسا حذو جنوة والبندقية، فسعت لإقامة علاقات تجارية وطيدة مع السلطان، وكانت قد وقفت على الحياد حيال الفتح، وأرسلت بعد فتح القسطنطينية أسطولا تجاريا للقرن الذهبي.

ونتيجة لزيادة الأساطيل البحرية العثمانية في البحر المتوسط بعد الفتح، ازدادت مخاوف الدول الأوروبية وخاصة إسبانيا والبرتغال على سفنها التجارية، فسعت للبحث عن طرق ملاحية جديدة، فبدأت الكشوف الجغرافية التي نتج عنها اكتشاف العالم الجديد، والطرق البحرية الجديدة.

ولم تقف آثار الفتح على أوروبا عند هذه المجالات، بل ظهرت كذلك على الكنائس الأوروبية، فكان الشعب البيزنطي يكره اللاتين ويرفض فكرة الاتحاد الكنسي التي انطلقت دعوتها في كنيسة "آيا صوفيا" إبان حصار العثمانيين للقسطنطينية.

كان السلطان الفاتح يدرك هذه الأمور، فعمل على استقرار سكان القسطنطينية البيزنطيين، وأفرج عن البطريرك البيزنطي الأرثوذكسي وأعاد تنصيبه، ومنحه كافة الصلاحيات التي كانت تمنح للبطاركة الأرثوذكس، وكفل السلطان للجميع حرية العبادة.

لقد أدى ذلك إلى التأكيد على مبدأ الانفصال بين الكنيسة البيزنطية وكنيسة روما بشكل أبدي، واعتبر الأرثوذكس السلطان محمد الفاتح حامي الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وحامي رعاياها من سطوة الخوف من فكرة الاتحاد الكنسي التي كانت هاجسا مرعبا يداهمهم.

لسنا بعيدين عن الحقيقة إن قلنا إن فتح القسطنطينية قد امتدت آثاره على أوروبا إلى عصرنا هذا، فما تزال أوروبا تتعامل مع تركيا الحديثة على أنها وريثة الإمبراطورية العثمانية التي قضت على الإمبراطورية البيزنطية وغيرت وجه الحياة في أوروبا، ولعل أبرز ما يعبر عن النظرة العدائية ذلك التعنت والتعسف الأوروبي في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والمحاولات المستمرة لوضع العصا في عجلة النهوض التركية.