لقيت الغيرة!

جري سالم الجري @jerisaljeri_
نشر في 02.08.2018 00:00
آخر تحديث في 02.08.2018 21:43
لقيت الغيرة!

"يا أختي أنت خرابة بيوت! أنت بؤرة التعاسة، يا مرض! يا عدوة السعادة!". تحولت ملامح وجهها إلى الدهشة والذهول!

كنا في مكتبة سلوى العامة، حيث كنت جالساً أمام الطاولة، وقد فتحت موسوعة علم النفس، لأستحضر المشاعر وأقابلهم. وهذه المرة، اخترت الغيرة نفسها، لأنني أريد أن "أحقق" معها.

أحقق معها بعنف وبلا رحمة! فتجلت.

كان شكلها امرأة رافعة حاجبا فوق حاجب، زامة الشفاه، مكتفة اليدين، كل تعابير وجها تعبر عن شكوك، وغيظ، ورغبة في الانتقام. تنهدت قليلا، ثم ابتسمت ابتسامة كاذبة فقالت:

"أنا الضحية! أنا شعور أي محب. أنا ضريبة الرومانسية. أنا وجودي مبرر....فلماذا تكرهونني؟ ألست أنا فلفل علاقاتكم!؟"

ضربت الطاولة وصرخت بوجهها "اخرسي يا سُم ! قولي لي! من جعل النساء يلجئون إلى خزعبلات المشعوذين غيرك!؟ من عكر صفو البيوت؟ من يكهرب البال!؟ ولا يريحه.. من غيرك!؟ يا أيتها الغيرة!؟" نزلت يديها ورفعت رأسها.

"أنا من أنا! أفتخر بوجودي...أنا حق كل امرأة... حق كل ربة بيت تريد الحفاظ على العواطف التي استثمرتها في أبي عيالها!

كبر عبوسي بوجهها و كززت أسناني... ثم همست جرائم الشرف.. تفتيش الهواتف.. الصياح آخر الليل... الكآبة التي تحل على الأطفال! كلها بسببك يا نكد! هي ضحكت بصوتٍ عالٍ، فحدقت أنا فيها بحقد. فقالت هي بسرعة:

"لن تتخلصوا مني، لأنني أنا ملازمة حبكم... فطالما فيكم حب، أنا الغيرة موجودة فيكم. أنا من يصون العلاقات، أنا أجعلكم تشعلون الحروب على من يغزون أعشاشكم، فلا الحب أفارقه، ولا الحب يفارقني. فهل تريدون طردي فعلا؟". سكت وأغلقت كتاب موسوعة علم النفس، وقمت من مقعدي، ثم تشقق وجهي بابتسامة.

فلقد تأكدت أنها أنانية، لما أكثرت من كلمة "أنا"، فهي بالحقيقة رغبة في التملك. كما أنها قالت كلمة "استثمار" لتصف المشاعر، وكأنها دنانير نقتصدها. فبهذا أستنتج أن الغيارة أنانيون ومحتكرون. كما أجد فيهم رغبة في التصادم وليس التفاهم.

فور ما إن وضعت الموسوعة على الرف، انكسرت طاولة المكتبة. لألتفت وإذ بالغيرة واقفة عند أنفي.

"أنا مظلومة!! ومتهمة بغير ما تقول!". ذراعي فوقها، لطمتها أرضاً، تلاشت.

الآن أنا ندمان، لأن الغيران لا يستحق العدوانية، فهو لا يفكر بوضوح. وإن دواء الغيرانين هو الجفاء. ليقتربوا... ثم يستسلموا من حروب ما بدأها غيرهم... ثم يبدؤن بتبرير مبالغاتهم.

يا ليتني احترامها، ليس لسواد عيونها، بل لسببها...ألا وهو الحب. أين هو؟ أريد مقابلته هو الآخر...سأبحث عنه بمصر، فأهلها أخبر به من غيرهم.

"الغيرة ألم؛ يُوجع سببه".

مقولة ألمانية.