اليونان تصعّد التوتر في شرقي المتوسط عبر نقله إلى بحر إيجه

وكالة الأناضول للأنباء
أنقرة
نشر في 03.09.2020 12:11
آخر تحديث في 03.09.2020 12:29
سفن حربية تركية ترافق سفينة الأبحاث والمسح السيزمي التركية أوروتش رئيس DHA سفن حربية تركية ترافق سفينة الأبحاث والمسح السيزمي التركية "أوروتش رئيس" (DHA)

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلنت تركيا وليبيا توقيع اتفاقية لتحديد مناطق الصلاحية البحرية في شرقي البحر المتوسط، لتبدأ بعدها أنقرة التنقيب عن الطاقة في المناطق التي حددتها الاتفاقية.

وفي 6 أغسطس/آب الماضي، أعلنت اليونان ومصر توقيع اتفاقية مشابهة تهدف إلى إزالة الحدود التي رسمتها الاتفاقية التركية - الليبية.

احتجت أنقرة على اتفاقية أثينا والقاهرة، وأرسلت سفينتها "أوروتش رئيس" للأبحاث إلى جنوب جزيرة ميس، لإجراء مسح في منطقة الخط الفاصل بين الحدود البحرية مع مصر.

حاولت اليونان التحرّش بالسفينة، لعرقلة أنشطتها في شرقي المتوسط، وأطلقت مناورات عسكرية مشتركة مع الإمارات وفرنسا.

وفي 27 أغسطس/آب الماضي، أعلنت تركيا، وللمرة الثالثة، تمديد مهام "أوروتش رئيس" في شرقي المتوسط.

قبلها بيوم، قال رئيس الوزراء اليوناني، كرياكوس ميتسوتاكيس، إن حكومته ستقدم "قريبا إلى البرلمان مشروع قانون لزيادة مياهنا الإقليمية من 6 أميال بحرية إلى 12 ميلا في البحر الأيوني".

وعبر "ميتسوتاكيس" عن عزم بلاده استخدام حقها في توسيع مياهها الإقليمية لمناطق بحرية أخرى. وهو يشير بذلك إلى بحر إيجة، في خطوة من أثينا لتصعيد التوتر القائم في شرقي المتوسط، ونقله إلى بحر إيجة أيضا.

بتوسيع مياهها الإقليمية في البحر الأيوني، تسعى اليونان إلى اختبار ردود أفعال تركيا، فإن لم تعارض أنقرة، ستقوم أثينا بخطوة مشابهة في بحر إيجة، ردا على أنشطة أنقرة في شرقي المتوسط.

إلا أن توسيع اليونان مياهها الإقليمية في بحر إيجة إلى 12 ميلا لا يساهم في حل الأزمة في شرقي المتوسط، ولا يحقق مكاسب لها في إيجة، ولن يساهم سوى في نقل التوتر القائم في شرقي المتوسط إلى بحر إيجة وتصعيده.

في الحقيقة، بحر إيجة هو منطقة متأزمة بالفعل، سواء في حدودها البحرية أو البرية أو الجوية.

تقول اليونان إن المشكلة الوحيدة في إيجة هي تحديد مناطق الصلاحية البحرية، وتواصل في الوقت ذاته هناك انتهاك قوانين دولية عديدة، وتسعى لبسط سيطرتها على الجزر والصخيرات، التي لا تمنح القوانين والاتفاقيات الدولية لأثينا حق السيادة فيها.

كما تعمل اليونان على عسكرة الجزر، التي سمحت الاتفاقيات الدولية بسيادة أثينا عليها شريطة عدم تسليحها.

وأحدث مثال على ذلك، جزيرة ميس، وهي منزوعة السلاح بموجب اتفاقية باريس للسلام عام 1947، لكن اليونان ترسل إليها حاليا حشودا عسكرية.

وترتكب اليونان انتهاكات جسيمة للقوانين الدولية، بشكل لا مثيل له في العالم، فيما يخص الأجواء فوق بحر إيجة.

وتزعم أن أجواءها تمتد لـ10 أميال، فيما مياهها الإقليمية 6 أميال. أي أنه بالنسبة لأثينا، السفينة العسكرية الراسية على بعد ما بين 6 و10 أميال عن سواحلها، لا تنتهك سيادتها، بينما تحليق مروحية من السفينة نفسها، تنتهك الأجواء اليونانية!

من الخلافات الأخرى في بحر إيجة ما هو متعلق بالمياه الإقليمية. أصدرت أثينا قانونا للمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، ومنحت بموجبه الحكومة حق توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا.

توسيع اليونان مياهها الإقليمية في إيجة إلى 12 ميلا سينتهك بشكل كبير حقوق تركيا المتعلقة بمياهها الإقليمية، فضلا عن أنه سيفتح الباب أمام الاستغلال الخاطئ لحقوق الجرف القاري.

وتستند اليونان في توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا إلى المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، إلا أن تركيا لم توقّع على هذه الاتفاقية، أي ليست طرفا فيها.

* بحر إيجة وممرات العبور بينه وبين المتوسط لها ميزات خاصة بها، تجعله خارج نطاق القوانين والأعراف الدولية:

توسيع المياه الإقليمية في البحار شبه المغلقة، التي تتمتع بمزايا جغرافية خاصة، مرتبط بموافقة الدول الساحلية لتلك المياه.

وبحر إيجة وممرات العبور بينه وبين المتوسط من البحار شبه المغلقة. لذا فإن توسيع أثينا لمياهها الإقليمية إلى 12 ميلا، لا يمكن سوى بالحصول على موافقة أنقرة، وإلا تكون مخالفة للقوانين الدولية.

قد يتمكن ميتسوتاكيس من توسيع المياه الإقليمية لبلاده إلى 12 ميلا في البحر الأيوني، وقد لا تعترض على ذلك ألبانيا وإيطاليا، صاحبة السواحل على هذا البحر، وقد لا تواجه أثينا عراقيل لطبيعة تلك المنطقة.

وقد لا تعترض تركيا أيضا على الخطوة اليونانية هذه، إلا أن هذا لا يعني إمكانية قيام اليونان بالخطوة نفسها في بحر إيجة وممرات العبور بينه وبين المتوسط، نظرا لاختلاف الوضع بين البحر الأيوني وإيجة.

خلال توقيع معاهدة لوزان عام 1923، كانت المياه الإقليمية لتركيا واليونان تمتد على 3 أميال، ليكون 70 بالمئة من مياه بحر إيجة المتبقية بمثابة مناطق بحرية مفتوحة، في خطوة لتمكين البلدين الجارين من الاستفادة من إيجة بالتساوي، من حيث المواصلات والموارد الطبيعية والاستخدام العسكري.

ولهذا توصف معاهدة لوزان بأنها جزء أساسي لخلق التوازن في بحر إيجة بين أنقرة وأثينا.

في 8 يونيو/حزيران 1995، أصدر البرلمان التركي قرارا أعرب فيه عن أمله بـ"أن لا تتخذ الحكومة اليونانية قرارا بتوسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجة إلى ما بعد 6 أميال، في خطوة تنتهك التوازن الذي أسسته معاهدة لوزان في المنطقة."

وأكد القرار التركي أنه في حال أقبلت أثينا على خطوة كهذه، سيمنح الحكومة التركية الصلاحية للقيام بالخطوات اللازمة من الناحية العسكرية، لـ"حماية المصالح التركية والدفاع عنها."

رغم أن قرار البرلمان التركي متعلق بتوسيع اليونان مياهها الإقليمية إلى ما بعد 6 أميال في بحر إيجة، إلا أنه يشمل أيضا توسيع المياه الإقليمية لأثينا في البحر المتوسط وممرات العبور بينه وبين إيجة.

الخلاصة هي أن توسيع اليونان مياهها الإقليمية في بحر إيجة وممرات العبور بينه وبين البحر المتوسط إلى 12 ميلا، يزيل حقوق استفادة أنقرة وأثينا بالتساوي من بحر إيجة، كما ورد في معاهدة لوزان، كما يعني ذلك سلب حقوق الجرف القاري من تركيا، وبالتالي قطع الصلة بين المياه الإقليمية التركية في المنطقة مع مناطق البحار المفتوحة.

أمام تلميح رئيس الوزراء اليوناني بإمكانية توسيع بلاده مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا في بحر إيجة، يتوجب على أنقرة، وعلى لسان أرفع مسؤوليها، أن تذكّر أثينا بقرار البرلمان التركي الصادر في 8 يونيو/حزيران 1995.

............

عن الكاتب

** أستاذ دكتور سرتاج حامي باشاران، رئيس قسم القانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة.