قراءات في المشاكل بين تركيا والعالم العربي رغم وجود القيم المشتركة

محمد علي غولر
إسطنبول
نشر في 06.04.2021 13:43
آخر تحديث في 06.04.2021 14:40
قراءات في المشاكل بين تركيا والعالم العربي رغم وجود القيم المشتركة

توترت علاقات أنقرة مع الدول المجاورة بسبب القضايا المختلفة التي نتجت عن الدبلوماسية التركية وسياستها لحماية مصالحها المشروعة داخل المنطقة وخارجها، واستغلت بعض الأطراف التوترات القائمة لمحاولة عزل تركيا وإقصائها.

وكرست اليونان خلافها مع تركيا بشأن بحر إيجه، تبعتها مصر التي راحت تتصرف مع تركيا بطريقة مماثلة، بينما

اعتمدت إيران وروسيا أجندتهما الخاصة التي تتعارض بعض الشيئ مع رؤية أنقرة ومصالحها.

واستؤنفت التهديدات الإرهابية في سوريا التي مزقتها الحرب في الوقت الذي يكافح فيه العراق لتأمين بقائه. وفي غضون ذلك، اعترفت يريفان بفوز تركيا في حرب إقليم "قره باغ" بين أذربيجان وأرمينيا.

فما هي جذور هذه التوترات وكيف بدأت؟

رحب حزب العدالة والتنمية الحاكم بفوز محمد مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات 2012 الرئاسية في مصر. وتوقع النشطاء السياسيون في تركيا علاقات أقوى مع مصر إثر هذا الفوز. لكن الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي في يوليو/تموز 2013 ضد مرسي أول رئيس منتخب للبلاد، أفسد الصداقة بين القاهرة وأنقرة. مع الإشارة إلى أن مصر لا تزال تُعتبر أمة شقيقة وأنا شخصياً آمل أن تكون هناك شراكة أقوى مع القاهرة في كل مجالات التنمية. وفيما يتعلق في الشؤون الإقليمية والعالمية، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو من حين لآخر أن أنقرة والقاهرة قد تعيدان العلاقات التي ظلت متوترة.

لكن الأخبار الإيجابية لم تدم طويلاً إذ قدمت مصر 10 شروط واجبة قبل إعادة العلاقات الكاملة مع تركيا. ويشرح هذا المقال وجهة النظر التركية حول تلك المطالب.

لطالما أعلنت وزارة الخارجية التركية أن نهج تركيا عقلاني ومتسق مع القانون الدولي. وبالتالي، يتعين على مصر أن تنظر إلى قضية الحدود البحرية الحالية بين تركيا واليونان من زاوية أوسع.

وقد نشرت قناة TRT World التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون التركية الحكومية مقطع فيديو مدته دقيتين يقدم مثالين واضحين يثبتان أدلة تركيا في بحر إيجه فيما أصبح يُعرف باسم صراع "جزيرة الأفاعي" ونزاع "جزيرة حنيش". كما أنه وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن المنطقة الاقتصادية الخالصة تبدأ من البر الرئيسي.

بالإضافة إلى أن تحرك تركيا للتعامل مع كل من ليبيا ومصر كان حكيماً وعادلاً ومن شأنه أن يؤدي إلى تحقيق منافع متبادلة فيما يتعلق بالبحر المتوسط، على غرار المنافع المتبادلة بين عمالقة التنقيب الغربيين الذين يبحثون عن البترول والموارد الطبيعية الأخرى في البحر المتوسط دون هوادة ويستفيدون من تحويل دعوة تركيا إلى حوار مباشر مع مصر حول هذه القضية، إلى مشكلة.

وفيما يتعلق بشرط مصر حول الاتصال السياسي والذي ينص على ألا تجري تركيا محادثات مع الدول الراعية للإرهاب.

فقد أفادت كل من وسائل الإعلام التركية والمصرية أن السلطات المصرية وعلى رأسهم السيسي، عقدوا عدة اجتماعات مع مجموعات إرهابية مثل ي ب ك/بي كا كا.

وأشارت العديد من التقارير إلى أن بعض دول الشرق الأوسط قدمت الدعم لهذه المجموعات. فهل ستتجنب مصر في ظل نظام السيسي إعطاء الضوء الأخضر للتنظيمات الإرهابية التي تهدد سيادة تركيا ووحدتها؟

من المستهجن أن النظام المصري أعلن أنه لن يكون هناك أي اتفاق حول شرق البحر المتوسط ما لم تستسلم تركيا لمطالب اليونانيين في معظم بحر إيجه.

وللتاريخ فقد قام الزعيم المصري جمال عبد الناصر عام 1956 بتأميم العديد من الأصول المصرية بما في ذلك قناة السويس، التي يديرها في ذلك الوقت البريطانيون والفرنسيون وأدى ذلك إلى اندلاع حرب. لكن هدفه الأسمى كان حماية المصالح المصرية بأي ثمن.

فكيف تشترط مصر أن تقبل أنقرة بالمطالب اليونانية العدوانية في بحر إيجه؟!

وحول التواجد التركي في ليبيا، كان لانضمام تركيا للناتو تأثير جوهري وإيجابي وبنَّاء في الدول التي تنتشر فيها قوات تركية. وبالتالي فإن الوجود التركي في ليبيا ضرورة سياسية وعسكرية وإنسانية. كما أن دعم تركيا الإنساني والاقتصادي والسياسي للدول العربية واضح ولا يقتصر على ليبيا فقط.

ويكفي أن نقارن بين موقف أنقرة من فلسطين واليمن وسوريا وليبيا مع مواقف العديد من اللاعبين الإقليميين والعالميين الآخرين.

ورغم أن تركيا تكافح الإرهاب منذ ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي خلق أعباء اقتصادية وسياسية واجتماعية على عاتق الشعب التركي، لا تزال البلاد تقدم الدعم والنصرة للقضايا العادلة. وقد لقي في المواجهات التركية ضد الإرهاب أكثر من 15000 شخص مصرعهم بينما أصيب آلاف آخرون ونزح ملايين الأشخاص. واستشهد أكثر من 8000 من أفراد الأمن التركي وأصيب 25000 آخرين. كذلك سقط على الجانب المدني 5700 شخص وأكثر من 10.000 جريح. وكانت الهجمات الإرهابية تأتي من العراق وسوريا حيث طالب النظام المصري القوات التركية بالانسحاب دون تأكيدات من سوريا والعراق بوقف المزيد من الهجمات.

ومع أن العديد من القضايا يمكنها إثارة الخلافات بين الدول من وقت لآخر، إلا أن الشعب المصري والسعودي والإماراتي يتشابه مع الشعب التركي أكثر من الشعوب الأوروبية ولديه قواسم مشتركة وروابط تاريخية وفكرية عميقة.

وبدلاً من الدعوة إلى السفر بلا حدود بين تلك الدول والتعاون بينها في حل الأزمات في اليمن وليبيا وفلسطين، اختارت السلطات المصرية وجهة نظر ضيقة الأفق.

ويبقى السؤال الأهم هو: متى وكيف ستحل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة الشؤون العربية؟ وهل ستضمن هذه الدول الثلاث وقف تدفق ملايين السوريين والعراقيين إلى تركيا؟ وهل ستوفر حكومات تلك الدول الجنسية لهؤلاء الملايين من اللاجئين العرب؟

يمثل الوضع الحالي في الدول العربية مخاوف إقليمية وعالمية خطيرة أهمها اضطرار ملايين الأبرياء العرب لمغادرة بلادهم.

ولسوء الحظ أن الشؤون الداخلية للدول العربية تجعل من الصعب على أنقرة إعادة ترحيل هؤلاء الأبرياء إلى موطنهم. إن حرب تركيا ضد الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، إلى جانب دعوة كل من ليبيا وقطر للحصول على الدعم التركي، وكفاح الفلسطينيين واليمنيين من أجل البقاء، لها نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وإنسانية مباشرة ذات تأثير إقليمي وعالمي.

وفي النهاية، قامت تركيا بتأدية دورها على أكمل وجه مع الجميع، سواء أكان ذلك في الشؤون التركية أم العربية. وعلى الأجهزة الأمنية في كل من مصر والسعودية والإمارات، مراجعة جوهر العلاقات مع تركيا وتقييم أهمية العلاقات بين تركيا ومصر، وتركيا ودول الخليج.

وينبغي على حكومات تلك الدول أن يأتوا إلى طاولة المفاوضات بأساليب بناءة تمكن كل الأطراف من الدخول في حقبة جديدة يتم فيها بناء أسس التشاركية والتعاون الكاملين.

وإذا كانت مصر حريصة على مراقبة الدول الأخرى، فلتنشئ منصة تواصل تمكّن الدول المجاورة من مناقشة كافة القضايا وإحراز تقدم فيها.

وبالرغم من كونها مبادرة جيدة، لكن غياب تركيا عن منتدى شرق المتوسط لن يجلب أية فائدة لأي جانب. ويجب على جميع الأطراف النظر في حقيقة أن تركيا لديها القدرة والسلطة للتعامل مع مصر واليونان وقبرص الرومية لأجل حل الصراع البحري. بل إن غياب تركيا لهو تصعيد للأزمة.

لذلك، يجب على جميع الأطراف أن يطرحوا سياسات منتجة وصادقة على طاولة المفاوضات بدلاً من السياسات الحذرة التي لا تفضي إلى شيئ مثمر.

إن تصعيد الصراع أو حتى اتباع سياسة عدم الاشتباك ليس هو السبيل في الدبلوماسية المتعددة الأطراف.

ويجب أن تُفهم دعوة تركيا للتعامل مع مصر لرسم حدود للجهات المشتركة من منظور أوسع. كما يجب ألا تنسى الدول العربية أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد تعطلت بسبب الدعم التركي المستمر للقضية الفلسطينية رغم أن فلسطين شأن عربي بالدرجة الأولى.

ومع أن الخلافات والصدامات بين تركيا ودول المنطقة الأخرى تتصدر الواجهة، لكن الحقيقة هي وجود الكثير من القضايا العالقة بين الدول العربية، الأمر الذي نتج عنه تحول سياسي ملحوظ في المنطقة.

والحقيقة أنه لا بد من الإقرار بأن قوة "الدبلوماسية المباشرة" يجب أن يكون لها تأثير على البيئة الإشكالية بالنسبة للجميع.

إن من أهم المجالات التي ينبغي التركيز عليها في الوقت الراهن، أن تعمل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا معاً لإعادة العلاقات والروابط بينها ومناقشة القضايا الإقليمية مثل تطبيق السفر بدون تأشيرة، واستئناف العلاقات الثقافية والتعليمية والاقتصادية والسياسية القوية، وإجراء المحادثات حول القضايا الحدودية وطرق تخفيف آثارها على المواطنين، والتعاون ضد الإرهاب من أجل الأمن الإقليمي والعالمي، وتنظيم بطولة كرة قدم ودية تدعو منتخبات تركيا ومصر والسعودية والإمارات وقطر للإشتراك فيها، وغيرها من النشاطات التي تقوي الود وتنشط التعاون.

ويبقى الحل الوحيد لإعادة ضبط هذه الصداقة المجمدة هو الشروع في محادثات صادقة حول العقبات التي تمنع الانخراط والمساهمة الفعالة.