كيف يمكن دعم عملية السلام في الشرق الأوسط

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 11.06.2023 12:13
آخر تحديث في 11.06.2023 12:17
أطفال يمشون على جانب شارع في جنوب الخرطوم، السودان. 4 يونيو 2023 الفرنسية أطفال يمشون على جانب شارع في جنوب الخرطوم، السودان. 4 يونيو 2023 (الفرنسية)

نشهد موجة استياء جديدة من التلميح إلى وقوع انتفاضات جديدة، من شأنها أن تدمر المنطقة العربية والدول المجاورة وتسبب تردي العلاقات الاقتصادية والسياسية.

يتحدث المزيد من المحللين العرب وغير العرب عن انتفاضات شعبية جديدة في العالم العربي في الوقت الحاضر. حتى إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ينظر إليها البعض على أنها محاولة لتوطيد سلطتها من قبل الحكومات العربية قبل أعمال شغب جديدة محتملة. وفي الواقع، تشير كل من النظرية والتطبيق السياسيين إلى أن انتفاضة عربية جديدة أمر لا مفر منه. حتى أن النظرية تجادل بأنه إذا فشلت الموجة الأولى، فإن الموجة الثانية ستكون بالتأكيد ناجحة، لكنها ستكون أكثر دموية ما لم يختار الحكام الانتقال السلمي.

وبغض النظر عن احتمالية اندلاع موجة جديدة من الانتفاضات، فإن عواقبها المحتملة سيكون لها بلا شك تأثير مدمر على المنطقة العربية، وكذلك على الدول المجاورة والأطراف الثالثة التي لها علاقات اقتصادية وسياسية مع الدول العربية. ونظراً لأن أعمال الشغب الجديدة لن ترجح كفة أي جانب، فيجب على شعوب المنطقة والأطراف الخارجية مناقشة كيف يمكن أن يستمر السلام بشكل دائم في الشرق الأوسط. وهناك العديد من الاقتراحات المتداولة من أجل السلام والازدهار في المنطقة.

وتقترح هذه المقالة بالإضافة إلى ذلك أن الطريقة المنطقية ستكون قبول انتقال سلمي للسلطة، والذي لن يكون مفاجئاً بل تدريجياً، لكنه في النهاية يجب أن يفضي إلى تنازلٍ كامل من قبل أصحاب السلطة. ويمكن للأشخاص الذين ليس لديهم خبرة سياسية، التعاون مع النخب الحاكمة لفترة من الوقت فيما يتعلق بشؤون الدولة. وإذا ما تقاسمت النخب العسكرية والمدنية السلطة لبضع سنوات فستتاح لهم فرصة التعرف بشكل أفضل وتبادل وجهات نظرهم وخبراتهم في تلك الأثناء. وبعد ذلك، يمكن أن تبدأ عملية انتقال تدريجي للسلطة إلى المدنيين. وفي السودان على سبيل المثال، تم التخطيط لمثل هذا الانتقال للسلطة من قبل الجنرالات والسياسيين مباشرة بعد الإطاحة بعمر البشير ولكن لم يتم الانتهاء منه.

أزمة السودان

شكل جنرالات وقادة المتظاهرين في السودان، هيئة حكم مشتركة تتألف من 5 جنود و6 مدنيين. وأُطلق على هذا المجلس اسم مجلس سيادة السودان، وقد صُمم على أن يرأسه جنرال لمدة 21 شهراً يتبعه مدني لمدة 18 شهراً التالية. وسيكون هناك أيضاً مجلس تشريعي من 300 عضو ومجلس وزراء تكنوقراط، وهم سيحكمون البلاد حتى إجراء الانتخابات بعد 39 شهراً.

واستمر عمل النظام لفترة ولكن توقف لعدة أسباب. ومع ذلك، لا يزال من الممكن أن يكون نموذجاً للانتقال التدريجي للسلطة لأنه يمكّن الجماعات المدنية والجيش من التعاون بدلاً من القتال. وفي النموذج السوداني، لا يشعر أي طرف بالخروج من السلطة. كما أن إعطاء وقت معين لاستعادة البلد وتشكيل النظام الجديد كان فكرة جيدة. ويتيح نموذج "الانتقال التدريجي" السوداني التفاعل والتعاون والحوار بين الجانبين. كما يمنع هذا التعاون أيضاً تلاعب القوى الخارجية التي تريد السيطرة على الحكومة لمصالحها. وبغض النظر عن الإنجاز أو الفشل في السودان، فإن نموذجهم الانتقالي هو بالفعل اختراع جيد يمكن للدول العربية الأخرى تنفيذه.

أما في بقية الدول العربية فكان هناك جانبان يطمعان بالاستيلاء على السلطة: النخب العسكرية التي تعتبر الشعب والمدنيين تهديداً لنظامهم مقابل ممثلي الشعب الذين اعتبروا جنرالات الجيش "أشراراً". وأدت هذه الآراء السلبية والعناد إلى المزيد من التحيزات والعداء. ومن ثم، فإن الحرب من أجل السيطرة على السلطة لم تؤد إلا إلى مزيد من القمع والاستقطاب والتعذيب، الأمر الذي انتهى في نهاية المطاف بالحروب الأهلية والإرهاب والدول الفاشلة.

وفي الختام، يمكن للدول العربية أن تجد الإلهام في النموذج السوداني غير المحقق في ممارسة السلطة، والانتقال التدريجي قبل الانتفاضات الجديدة، أو حتى عندما لا يكون هناك احتمال لاندلاع أعمال شغب جديدة. وإذا استمرت الأنظمة في الاعتماد على أسلحتها واستخدامها ضد الشعب كما فعلت من قبل، فإنها ستبقى غير قادرة على منع الانتفاضات، وسوف يُقتل عشرات الآلاف من الناس من أجل لا شيء لأن النتيجة المصيرية ستتحقق في النهاية.

إن النموذج السوداني هو نتاج العالم العربي ولا يميز ضد أي طرف، ويمهد الطريق للتغيير السلمي للسلطة. ويجب على جميع الأطراف ألا تستهين بمثل هذا النظام المربح للجانبين. وربما يمكن للأنظمة الملكية العربية التي لم تكن على الحياد خلال الربيع العربي، أن تساعد الأطراف المتصارعة في البلدان التي حدثت فيها الانتفاضات أو قد تنفذ النموذج وتصبح بطلة الانتقال.

بقلم: İBRAHIM KARATAŞ