اردوغان، في لقاء خاص: رفضنا طلب بوتين الجلوس مع الأسد على طاولة واحدة

وكالة الأناضول للأنباء
اسطنبول
نشر في 28.12.2015 00:00
آخر تحديث في 28.12.2015 11:33
اردوغان، في لقاء خاص: رفضنا طلب بوتين الجلوس مع الأسد على طاولة واحدة

تناول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "العربية"، بثتها مساء أمس الأحد، العديد من القضايا التي تهم تركيا في المنطقة، على رأسها الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وعلاقات بلاده مع كل من السعودية وإيران وروسيا، والسياسة الأمريكية في المنطقة، وذلك قبيل زيارته المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية نهاية ديسمبر/ كانون الأول الحالي.

الوجود العسكري التركي شمال العراق

وقال أردوغان، في رده على سؤال حول وجود نية لدى تركيا لسحب جنودها من معسكر بعشيقة قرب الموصل العراقية، "كانت علاقاتنا تسير بشكل جيد للغاية مع العراق، والسيد حيدر العبادي (رئيس الوزراء العراقي) طلب مساعدة منا خلال زيارته إلى تركيا، وخاصة لدى دخول تنظيم داعش إلى العراق والموصل، ونحن بدورنا قلنا إنه بإمكاننا تقديم المساعدات اللازمة لهم، وانطلاقاً من هذه النقطة طلبنا موقعاً مناسباً لإنشاء معسكر، وهم من قدموا لنا الموقع، وهو بعشيقة وذلك في شهر آذار/ مارس 2015، حيث توجه مدربون أتراك إلى بعشيقة، وبدأوا عمليات التدريب، كما أن مسؤولين عراقيين زاروا تركيا، ومن بينهم وزير الدفاع، وأعربوا عن تقديرهم وإعجابهم بالعمل الذي يقوم به المعسكر".

وأردف أردوغان أنَّ المسألة بين البلدين (تركيا والعراق) وصلت إلى مجلس الأمن بطلب روسي تم رفضه، ومن ثم بطلب عراقي تقرر على إثره حل المسألة بالحوار بين البلدين، "ونحن الآن في هذا الإطار".

وأشار أردوغان إلى أن بعض الدول اتخذت خطوات بالتزامن مع التطورات في سوريا، وإحداها إنشاء مكتب رباعي في بغداد ضم روسيا وإيران والعراق وسوريا، وقال: "طلبوا منا أن نكون ضمن ذلك المكتب، إلا أني قلت للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، كيف لنا كدولة لها شرعيتها، أن نجلس على نفس الطاولة مع النظام السوري، وأعلمته أن ذلك مستحيل، ولم نصبح الدولة الخامسة في ذلك المكتب، وهذا أظهر مدى صوابية موقفنا".

وفي رده على سؤال حول كيفية تأثير نية الحكومة العراقية تصعيد التوتر بين البلدين، على جهود تركيا لمكافحة داعش، ذكر أردوغان أن أهم سبب لوجود بلاده في العراق هو مكافحة داعش، وأن حكومة بغداد المركزية لم تتخذ حتى اليوم الخطوات المطلوبة من أجل مكافحة داعش، ولو أنها فعلت لما حدثت هذه المشاكل، مبيناً أنه تشاور مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول تلك القضية.

ولفت أردوغان إلى أن بلاده تواجه خطر إرهاب قادم من العراق منذ أعوام (في إشارة إلى منظمة بي كا كا الإرهابية)، منوهاً إلى أنها، في سبيل مواجهة خطر الإرهاب، أعلمت الحكومة المركزية العراقية أن الإرهابيين منتشرون في الجانب العراقي والإيراني في جبال قنديل، وأن عليها أن تقوم بما يتوجب حيال ذلك، وفي حل عدم قيامها فإن تركيا مضطرة للتدخل بنفسها.

وأعرب عن أسفه لعدم اتخاذ الحكومة العراقية المركزية أي تدابير لمواجهة ذلك التنظيم الإرهابي (بي كا كا)، مضيفاً: "كما أن داعش يسيطر على ثلث مساحة العراق حالياً، ولم تقم الحكومة العراقية بأي شيء جدي لمواجهة ذلك، حيث أننا موجودون هناك بناء على طلب تلقيناه، كما أن البيشمركة والتركمان والجميع يعانون مشاكل كثيرة، فنحن دخلنا بهدف التدريب، وليس كقوة مقاتلة، باستثناء قسم من جنودنا موجودون لحماية من يشرفون على التدريب، حتى أن عددهم معروف، ولا يمكن أصلاً القتال بذلك العدد".

وأشار الرئيس التركي إلى أن موقف بلاده يختلف عن موقفي روسيا وإيران، حيث أنها تتلقى تهديدات إرهابية قادمة من العراق بشكل متواصل، وهو ليس خطر داعش فقط، وإنما هناك منظمات إرهابية أخرى تشكل تهديدا على تركيا، مستدركاً أن بلاده تستضيف حالياً 300 ألف عراقي في مخيمات اللاجئين، وهو ما لا تقوم به إيران ولا روسيا، ومعتبراً النهج المتبع من العراق ومن بلدان أخرى ضد تركيا، التي تتعامل بكل حساسية مع هذه القضية، أمر خاطئ.

العلاقات التركية الروسية

وحول العلاقات التركية الروسية، لفت أردوغان إلى أن علاقات البلدين وصلت في الأعوام العشرة الأخيرة إلى نقطة متقدمة لم تصلها سابقاً أبداً، حتى أن تركيا حولتها إلى تحالف استراتيجي، وشكلت مجلس استشاري رفيع المستوى، وبات الطرفان يعقدان الاجتماعات، مبيناً أنه كان مقررًا عقد اجتماع، في هذا الإطار، بالعاصمة الروسية موسكو يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، إلا أنه لم يعقد لأن روسيا كانت ستستضيفه ولم ترحب كثيرًا بالموضوع.

وذكر أردوغان أن العلاقات بين البلدين لم تنقطع تماما، وأنه دائماً يوجه رسالة مفادها، أنه يجب عدم قطع العلاقات الدبلوماسية أبداً، وإنما التحرك بعقل سليم.

وتابع أردوغان أن "طائرات روسية انتهكت مجالنا الجوي 15 دقيقة العام الفائت فوق البحر الأسود، كما انتهكت أجواءنا من الجانب السوري سابقاً مرتين، وبحثنا ذلك مع السيد بوتين خلال اجتماعات مجموعة العشرين (عقدت في مدينة أنطاليا التركية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي)، كما أننا تحدثنا معه عبر الهاتف عندما وقعت تلك الانتهاكات، حيث قلت له نحن حليفان استراتيجيان، ولكننا كحليفين استراتيجيين، من الخطأ أن ننتهك المجال الجوي لبعضنا بهذا الشكل، هذا اعتداء على حقوق السيادة، قد ينجم عنه نتائج لا نرغب بحدوثها أبداً".

وأفاد الرئيس التركي، أن "روسيا تحرشت بفرقاطة تابعة لنا شرقي البحر المتوسط، ونقلنا إليهم تلك القضية، حيث قال (بوتين) خلال اجتماعات مجموعة العشرين، إنه لا علم له بذلك، وأعطى تعليمات لأعضاء من الوفد المرافق له، وبعد اختتام قمة مجموعة العشرين بيومين واجهنا هذه الحادثة (انتهاك الطائرات الروسية المجال الجوي التركي)، حيث انتهكت طائرتان مجهولتا الهوية، مجالنا الجوي، رغم تحذيرهما 10 مرات خلال 5 دقائق، إحداهما عادت أدراجها إلى سوريا، فيما واصلت الأخرى انتهاكها لتقوم طائرة من بين اثنتين من طراز "إف-16" تابعتان لنا باستهداف تلك الطائرة وفق قواعد الاشتباك".

ونوه أردوغان إلى أن الحادث يمكن أن يقّيم على أنه حادث لم ترغب تركيا في حدوثه، متسائلاً: "هل روسيا كانت ستسمح لأي دولة أخرى بانتهاك مجالها الجوي باستمرار؟"، واعتبر أن "تفكير روسيا أنها دولة قوية وتستطيع انتهاك المجال الجوي لأي بلد متى أرادت، يعد خاطئاً من ناحية القانون الدولي واحترام السيادة".

وأوضح أنه يتطلع لإصلاح العلاقات الدبلوماسية مع روسيا مجدداً، مبيناً أن العلاقات لا تزال مستمرة في العديد من المجالات، وأضاف: "مواطنونا يتعرضون لعمليات تدقيق لم يسبق أن تعرضوا لها أبداً في المطارات الروسية، حيث تلقينا العديد من الشكاوى بهذا الصدد، وطبعاً هذه الأمور تحزننا، إلا أننا لم نتعامل بنفس الأسلوب ولن نتعامل، فالقضية أنهم يقولون للسياح الروس لا تذهبوا إلى تركيا، ولشركات السياحة أن تلغي رحلاتها إلى تركيا، وأنا لا أرى هذا أمراً صائباً، إذ أنه يعد تقييداً لحرية تنقل مواطنيها".

وأكد أن بلاده تقف إلى جانب تحسين العلاقات مع روسيا مجدداً في إطار دبلوماسية منتظمة، وليس الذهاب في الاتجاه السلبي.

وفي رده على سؤال حول اتخاذ تركيا خطوات لتخفيف التوتر بين البلدين، قال أردوغان: "وزير خارجيتنا أجرى محادثتين مع نظيره الروسي حول الموضوع، وقال إن أجواء إيجابية سادت المحادثتين، ولكن سمعنا أن وزير الخارجية الروسي أدلى بتصريحات مغايرة. وأتمنى أن يجري وزراء خارجيتنا محادثات أخرى في المرحلة المقبلة، كما أرى بعض القادة السياسيين لدول مختلفة يرغبون بعدم استمرار الوضع على حاله، ويتدخلون بهذا الصدد، ويبذلون جهوداً للخروج بنتيجة من النقطة التي نحن فيها، نريد كسب الأصدقاء، وتقليل الأعداء".

الشأن السوري

وفي الشأن السوري، أكد أردوغان أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو بيد الإرادة الوطنية للشعب السوري، التي لا يمكن تجاهلها أبداً، معرباً عن اعتقاده أن الشعب السوري حالياً غير راض عن التطورات الأخيرة (التدخل الروسي في سوريا)، ولفت إلى أن "النظام السوري يسيطر على 14% من مساحة البلاد حالياً، وأما الباقي فهو بيد جهات أخرى منها تنظيم داعش، والجيش السوري الحر ومنظمات عديدة أخرى غيرهما".

وأردف قائلا: "جميع تلك الجهات لها ثقلها هناك، ولكن الثقل الأساسي هو في اتحادها جميعًا، باستثناء داعش، مع الشعب السوري والإطاحة بهذا النظام وفرض إرادتها هناك، فروسيا حتى اليوم قتلت الكثير من الناس، وعلى رأسهم 800 مدني في العديد من المناطق، ومنها تلك التي يقطنها تركمان بايربوجاق (شمالي محافظة اللاذقية)، ولا تزال تواصل ذلك دون رحمة".

وذكر أردوغان أن الروس أعلموه شخصياً أنهم لم يقصفوا المنطقة، التي يقطنها تركمان بايربوجاق، غير أن شمالي اللاذقية هي منطقة يوجد بها التركمان، مبيناً أنه لدى بدء تلك الأحداث (القصف) أخليت 22 قرية وتوجه سكانها إلى شمالي سوريا على الحدود مع تركيا، وأشار إلى أن بلاده قامت بكافة التحضيرات من أجلهم ورغبت في استقبالهم بالمخيمات، التي أعدتها إلا أنهم قالوا: "لن نغادر أراضينا، وإن كنا سنموت فنحن نريد الموت في أرضنا"، و"لا يزال أولئك داخل سوريا ونحن بدورنا نقدم لهم باستمرار المساعدات".

وأكد أن روسيا تستهدف المعارضة المعتدلة عوضا عن داعش، وأنها إذا كانت استهدفت 100 شخص فإن 90 منهم من المعارضة المعتدلة وعشرة من داعش، مشدداً على عدم صحة الإدعاءات الروسية باستهدافها لداعش، وعلى امتلاك تركيا إثباتات على ذلك.
وأوضح أنه لو وافق بوتين على طلب تركيا بمكافحة داعش سوياً، لكانت الأمور مختلفة حالياً، معرباً عن أسفه لتطور الوضع بشكل لا ترغب به بلاده.

وأكد أن منظمة العفو الدولية أصدرت بياناً حول استهداف الطائرات الروسية للمدنيين، معرباً عن اعتقاده أن جهود ورغبة روسيا في المنطقة هو إقامة دويلة للأسد في اللاذقية، لأن الأسد يسيطر على 14% فقط حالياً من مساحة سوريا وأما الباقي فهو خارج سيطرته تماماً.

وعن منطقة آمنة شمالي سوريا، أوضح أردوغان أنه بحث المقترح التركي حولها مع كافة البلدان قبل اجتماعات مجموعة العشرين وخلالها، قائلاً: "أوروبا تخاف كثيراً لأن الخارجين من سوريا يتوجهون إليها عبر تركيا، لذلك قلت لهم هناك طريق لحل هذه المشكلة، وهو إعلان منطقة بعرض 98 كيلومتر وعمق 45 كيلومتر شمالي سوريا، -يمكن توسعتها- خالية من الإرهاب، كمرحلة أولية، ويمكننا عندها إسكان السوريين الراغبين بالخروج من بلادهم أو الموجودون في المخيمات التركية وراغبين بالعودة إلى وطنهم في تلك المنطقة".

وتابع أردوغان: "ومن أجل إقامة تلك المنطقة يجب جمع الأموال، في حين ستتكفل تركيا بإنشاء مساكن ملائمة للطراز المعماري السوري فيها بوصفها دولة ناجحة في موضوع البنية التحتية والأبنية، شرط أن تكون منطقة محظورة للطيران من أجل أمنها، وقالوا إن ذلك جيد جداً ويمكن تحقيقه، ولكن التطور الأخير هو أن روسيا بدأت بقصف تلك المنطقة، فتلك الغارات تهدف إلى عرقلة هذه الخطط".

وأكد أنه في حال الموافقة على مقترح بلاده حول المنطقة الآمنة، وتوفير الموارد المالية لذلك، كان يمكن لتركيا إقامة مدن صغيرة قبل انقضاء عام واحد، متضمنة كافة المرافق الحيوية من منازل إلى مستشفيات ومدارس ومراكز تسوق.

ولفت إلى أنه طرح مقترحا ملموسا (المنطقة الآمنة)، إلا أن البعض (دون أن يسمهم) اكتفى بطلب عدم السماح للسوريين بالوصول إلى أوروبا، متسائلاً: "هل سيترك السوريون للموت تحت القصف؟"، وأضاف: "ومن ناحية أخرى نرى قارب خفر سواحل أحد البلدان، يثقب قاربا على متنه مهاجرون سوريون في مياه بحر إيجه، إلا أن خفر السواحل التركي أنقذ أكثر من 80 ألف شخص في تلك المياه، بينهم أطفال ونساء، فهذا ما يحتمه علينا ضميرنا ومسؤوليتنا الإنسانية والإسلامية، وسنواصل ذلك".

أوضاع اللاجئين السوريين

إلى ذلك، تطرق أردوغان إلى إنفاق بلاده حتى 9.5 مليارات دولار أمريكي بخصوص اللاجئين، مبيناً أن ما تلقته من المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة يبلغ قرابة 420 مليون دولار، وأنها لم تتلق أي دعم مالي غيره من أي مصدر آخر، ومشيراً إلى أن تركيا في المرتبة الثالثة في العالم بتقديم المساعدات، والأولى إذا ما تمت مقارنته بالدخل القومي.


العلاقات التركية السعودية

وأكد أردوغان أنَّ العلاقات التركية السعودية تشهد تحسنا متسارعا لم يسبق أن شهدت له مثيلا، مشددا على أهمية الزيارة التي سيقوم بها نهاية الشهر الحالي إلى المملكة، ولقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأشار إلى أنَّ العلاقات بين البلدين تطورت على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي، وأن البلدين يشتركان في وجهات النظر في كثير من القضايا العسكرية وعلى رأسها اليمن.

العلاقات التركية الإيرانية

وفي تعليقه على تأثير الاتفاق النووي الإيراني، وتأثيره على المصالح التركية، قال أردوغان " بالنسبة لي الاتفاق النووي الإيراني لم ينته بعد، ومن الصواب تقييمه حال رؤيتنا للنتائج".

وحول طبيعة العلاقة التي تربط أنقرة مع طهران في هذه المرحلة، قال أردوغان إن "البلدين يختلفان في وجهات النظر حول العديد من القضايا، وهذا الاختلاف يجب ألا ينعكس على أوضاع جيراننا، وما أريده ألا نتعامل مع بعضننا البعض وفق أسس مذهبية تخلق العداء بيننا، على مبدأ هم شيعة ونحن سنة. انظروا إلى سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وتونس، علينا أنّ نستجمع قوانا، ونتعاون لنتجاوز مشاكلنا، وما إن ننجح في ذلك نصبح أقوى".