تطور العلاقات التركية السعودية في عهد أردوغان والملك سلمان

ديلي صباح
اسطنبول
نشر في 13.02.2017 00:00
آخر تحديث في 14.02.2017 00:25
تطور العلاقات التركية السعودية في عهد أردوغان والملك سلمان

نقلة نوعية" شهدتها العلاقات التركية السعودية، منذ تولي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئاسة في 28 أغسطس/ آب 2014، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حكم المملكة في 23 يناير 2015.

فلم تمضِ شهور قليلة على تولي الزعيمين سدة الحكم في بلديهما إلا وقاما بوضع أسس راسخة لعلاقة متنامية، قاما بتطويرها ووضع أطرها وملامحها من خلال قمم متتالية.

ويصل الرئيس أردوغان إلى العاصمة السعودية الرياض اليوم الاثنين، في ثاني محطات جولة خليجية تستمر حتى 15 فبراير/شباط الجاري، بدأها أمس بزيارة البحرين ويختتمها غدا بزيارة قطر.

ومن المقرر أن يجري الرئيس التركي خلال زيارته للمملكة مباحثات مع كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد الأمير محمد بن نايف ولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

وتكتسب زيارة الرئيس أردوغان أهمية خاصة لأكثر من سبب، أولها أنها أول زيارة للرئيس التركي للرياض بعد عقد الدورة الأولى لمجلس التنسيق التركي السعودي، في العاصمة التركية أنقرة، قبل 6 أيام.

كما أنها أول قمة بين الزعيمين بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في 20 يناير الماضي، الأمر الذي يستلزم تنسيقا في المرحلة القادمة بين قائدي أكبر وأهم اثنتين من الدول الإسلامية .

كما أن القمة المرتقبة بين الزعيمين هي أول قمة تعقد بينهما خلال عام 2017، وذلك بعد 8 قمم تركية سعودية خلال عامي 2015 و2016 ، جمعت الرئيس أردوغان بقادة السعودية، بينها 5 قمم مع الملك سلمان وقمتان مع ولي العهد، الأمير محمد بن نايف، إحداهما في نيويورك، 21 سبتمبر/ أيلول 2016، والثانية بأنقرة في 30 من الشهر نفسه، إضافة إلى قمة مع ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في مدينة هانغتشو الصينية، يوم 3 سبتمبر/ أيلول 2016.

كذلك فإن زيارة الرئيس التركي للرياض هي الثالثة له في عهد الملك سلمان، إلى جانب زيارة منفصلة لتقديم العزاء في وفاة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير 2015.

وتعكس تلك القمم المتتالية والزيارات المتبادلة في وقت قريب وقصير، الحرص المتبادل بين قيادتي البلدين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود.

كما تكتسب تلك القمم أهميتها، من الثقل الذي يمثله البلدان، وتقارب رؤى الجانبين تجاه العديد من ملفات المنطقة. وهو ما لفت إليه الرئيس التركي ، خلال مؤتمر صحفي عقده بمطار "أتاتورك" الدولي بمدينة إسطنبول، أمس الأحد، قبيل بدء جولته الخليجية ، حيث أكد أن بلاده تنظر إلى علاقاتها مع السعودية الشقيقة والصديقة من زاوية إستراتيجية، خاصة "أننا نولي أهمية بالغة لأمنها واستقرارها".

أبرز محطات تطور العلاقات السعودية التركية في عهد سلمان- أردوغان:

9 قمم في 24 شهرا

تعد القمة المرتقبة، بين زعيمي البلدين، هي التاسعة خلال 24 شهرا، بعد 8 قمم تركية سعودية عُقدت خلال عامي 2015 و2016 ، جمعت الرئيس أردوغان بقادة السعودية،

ووفق نتائجها، سارت تلك القمم بخطى ثابتة وسريعة نحو تعزيز العلاقات المشتركة، إذ جرى وضع أسس راسخة لتلك العلاقات خلال القمم الأربع، التي شهدها العام الأول من حكم الملك سلمان.

والقمم الأربع خلال 2015 هي: ثلاث مع العاهل السعودي، إحداها في 29 ديسمبر/ كانون الثاني 2015 بالسعودية، وأخرى على هامش زيارته لمدينة أنطاليا التركية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وقمة في مارس/ آذار 2015 بالعاصمة السعودية الرياض، وأخيرا قمة بأنقرة، في 7 أبريل/نيسان 2015، مع الأمير محمد بن نايف، وكان حينها وليا لولي العهد.

وتوجت قمم العام الأول من حكم الملك سلمان باتفاق الدولتين على إنشاء مجلس للتعاون الإستراتيجي، خلال زيارة الرئيس أردوغان للمملكة، في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2015.

وفي العام الثاني من حكم الملك سلمان بلغ التعاون المتنامي بين البلدين ذروته، بتوقيع أنقرة والرياض، يوم 14 أبريل/ نيسان 2016، في مدينة إسطنبول التركية، على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، بحضور العاهل السعودي والرئيس التركي، وذلك في أعقاب القمة الخامسة بين الجانبين.

مجلس إستراتيجي.. منعطف جديد

وعقدت الدورة الأولى من مجلس التنسيق التركي السعودي، في العاصمة التركية أنقرة يومي 7 و8 شباط/فبراير الجاري برئاسة وزيري الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو والسعودي عادل الجبير، لتكون انطلاقة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين نحو آفاق أرحب وعلاقات أقوى.

وقد وصف الجبير في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي، الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي التركي الذي شارك فيه أكثر من 49 جهة في قطاعات مختلفة من البلدين بأنه كان "بناء ومثمرًا ".

تطابق كامل لصالح قضايا الأمة

القمم والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين بتركيا والسعودية أسهمت في تقارب رؤى الجانبين تجاه العديد من ملفات المنطقة، إذ تحرص أنقرة والرياض على التشاور والتنسيق بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأكد الوزير الجبير الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي أن هناك تطابقا كاملا في وجهات النظر بين البلدين في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأهمية إيجاد حل بموجب القرارات الدولية، والملف الليبي ومواجهة الإرهاب والتطرف والتدخلات في شؤون الدول.

وفيما يتعلق بالتعاون الأمني بين المملكة وتركيا، أوضح أن التعاون قائم ، والمملكة تدعم الجهود التركية في مواجهة الإرهاب كما تدعم تركيا جهود المملكة في مواجهة الإرهاب .

وأضاف: "نحن نعتقد بأن "بي كا كا" وتنظيم "ب ي د" هي منظمات إرهابية ونحن نؤيد أي جهود للقضاء على الإرهاب في أي مكان في العالم.

بدوره، قال وزير الخارجية التركي إن تركيا ترى أمن واستقرار دول الخليج وعلى رأسها السعودية، من أمنها وسلامتها، مؤكدا أن ثمة توافقا بين أنقرة والرياض في مختلف القضايا.

كما تدعم أنقرة التحالف العسكري العربي، الذي تقوده الرياض منذ 26 مارس/ آذار 2015، لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرهما بشأن ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.

والسعودية على رأس الدول التي دعمت الشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/تموز الماضي، إذ أعلنت الرياض رفضها لمحاولة الانقلاب، وهنأ الملك سلمان الرئيس أردوغان بـ"عودة الأمور إلى نصابها في تركيا".

تعاون عسكري متزايد

النقلة النوعية التي شهدتها العلاقات بين البلدين زادت وتيرة التعاون المشترك في كافة المجالات، خاصة العسكري، حيث شهد عام 2016 أربع مناورات عسكرية مشتركة بينهما.

فقد شاركت القوات الجوية السعودية في مناورات "النور 2016" بقاعدة قونيا العسكرية وسط تركيا، في يونيو/ حزيران الماضي، وكانت ثالث مناورة عسكرية تشارك فيها الرياض وأنقرة خلال شهرين بعد مناورتي "نسر الأناضول 4- 2016"، و(EFES 2016).

كذلك شاركت تركيا في مناورات "رعد الشمال"، شمالي السعودية، بين يومي 27 فبراير/ شباط و11 مارس/ آذار الماضيين، بمشاركة قوات من 20 دولة، إضافة إلى قوات "درع الجزيرة"، وهي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي أنشئت عام 1982.

كما أقامت شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية والإلكترونية بالشراكة مع المؤسسة السعودية العامة للصناعات العسكرية في الرياض مصنعا للأجهزة اللاسلكية في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ويعد مصنع الأجهزة اللاسلكية، انطلاقة مهمة جدا في التعاون بين البلدين، في الصناعات العسكرية المتعلقة بالتصدي للحروب الإلكترونية.

مكافحة مشتركة للإرهاب

في إطار تعاون البلدين لمكافحة الإرهاب، حطّت مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي، في قاعدة إنجرليك الجوية بولاية أضنة التركية (جنوب)، في فبراير/ شباط الماضي، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

كما استضافت الرياض، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، مؤتمر رؤساء هيئة الأركان العامة في 14 دولة، هي تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا ونيجيريا وتسع دول عربية أخرى، وأكدوا جميعا في ختامه مساندتهم لعملية "درع الفرات" لمحاربة داعش.

تبادل تجاري بـ8 مليارات.. و450 ألف سائح

على الصعيد الاقتصادي، شهدت العلاقات بين البلدين نموا لافتا، إذ نجح المستثمرون السعوديون في الحصول على مكانة متميزة في الاقتصاد التركي، فيما استفاد المستثمرون الأتراك من تنفيذ مشروعات بنى تحتية كبرى في المملكة، وأبرزها مشروع تجديد وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة، بالشراكة مع شركة سعودية.

كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 8 مليارات دولار، في ظل جهود مستمرة لزيادته.

وفي تركيا توجد 800 شركة سعودية عاملة، مقابل قرابة 200 شركة تركية في المملكة، بحجم أعمال إجمالي يبلغ 17 مليار دولار أمريكي، ورأسمال يتجاوز 600 مليون دولار.

ولدعم وتشجيع العلاقات التجارية بين البلدين، ينشط بفعالية مجلس أعمال سعودي تركي، يضم رجال أعمال من البلدين.

ويرى خبراء اقتصاديون أن الشركات التركية يمكن أن تلعب دورا مهما في دعم أهداف رؤية "المملكة 2030"، الرامية إلى الاستغناء عن النفط كمصدر رئيس للدخل في السعودية.

كما ارتفع عدد السياح السعوديين لتركيا خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير حتى وصل متوسط عددهم في أعوام 2014 و2015 و2016 إلى 250 ألف سائح في العام.

ولتلبية طلب السياح السعوديين المتزايد على السفر إلى تركيا، تم في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تدشين رحلات مباشرة للخطوط الجوية السعودية إلى مطار "أسن بوغا" في أنقرة، قادمة من جدة والمدينة المنورة، لتصبح أنقرة المحطة الثانية للخطوط السعودية في تركيا بعد محطة إسطنبول (مطار أتاتورك الدولي).