البحث عن روح المدينة.. استشعر نكهة اسطنبول بجولة في السلطان أحمد

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 12.04.2019 13:18
البحث عن روح المدينة.. استشعر نكهة اسطنبول بجولة في السلطان أحمد

إذا لم يكن لديك فائض من الوقت لتقضيه في اسطنبول، ولكنك تريد أن تعرف ما الذي يجعل المدينة نقطة جذب سياحي، فتوجه إلى منطقة السلطان أحمد التاريخية لتلقي نظرة معمقة على الحضارات التي جعلت المدينة خالدة.

إسطنبول مدينة رائعة ومليئة بالتاريخ والثقافة، بحيث يشعر المرء بالدوار وهو يحاول رؤية وتجربة كل ما تقدمه هذه المدينة القديمة. إذا قمت بزيارة المدينة بغرض العمل أو كنت مسافراً عابراً، فلا يمكنك مشاهدة إسطنبول قاطبةً، حيث يلتقي الشرق بالغرب.

لا تيأس، في فترة زمنية محدودة، لا يزال بإمكانك التماس جوهر اسطنبول، من خلال زيارة المعالم التاريخية التي خلفتها الإمبراطوريات التي حكمت ذات يوم هذا المكان. تحتوي شبه جزيرة اسطنبول التاريخية على تجمع مثالي من المعالم التاريخية ومراكز التسوق والفنادق والمطاعم والتي تقع على مسافة قريبة من بعضها البعض. في منطقة السلطان أحمد، يستطيع المرء أن يجد كل شيء يمكّنه من فهم روح المدينة في ثلاث ساعات فقط.

أولاً: منطقة السلطان أحمد، المبنية فوق ميدان سباق الخيل القديم للإمبراطورية البيزنطية. قم بشراء بطاقة المتحف، مما يتيح لك الدخول إلى أكثر من 300 معلَماً من المعالم السياحية التي تديرها وزارة الثقافة والسياحة التركية في اسطنبول وتركيا، وبذلك تتجنب أرتال المنتظرين في صفوف طويلة. الحصول على هذا الكرت أو البطاقة الخاصة بزيارة الأماكن الأثرية، ممكن من مدخل متحف إسطنبول للآثار وآيا صوفيا وقصر توبكابي في السلطان أحمد مقابل 70 ليرة تركية، وهو صالح لمدة عام.

جولة مكثّفة في السلطان أحمد، قلب اسطنبول القديمة:

آيا صوفيا

ابدأ مع آيا صوفيا، البناء المذهل الذي بناه البيزنطيون ككنيسة، والذي تحول إلى واحد من أضخم المساجد في العالم من قبل العثمانيين، ثم تم تحويله فيما بعد إلى متحف.

بتكليف من الإمبراطور البيزنطي العظيم "جستنيان"، أنشأ هذا المبنى الفريد ليكون كنيسة في عام 537، لا يزال هيكل قبة آيا صوفيا يفتن الزوار في القرن الحادي والعشرين. وأنت تخطو إلى المبنى.. ترحب بك لوحة فسيفسائية تسمى "المسيح بانتوكراتور" فوق الباب الإمبراطوري-في الأيقونات المسيحية، يعتبر تعبير المسيح بانتوكراتور تصويراً محدداً للمسيح،وهو مستمد من واحد من أسماء الله العديدة في اليهودية-

الطابق الأرضي في آيا صوفيا هو مزيج مثالي من المسيحية والإسلام. تُخبر الفسيفساء، التي لا يُرى بعضها إلا في البقايا، الزوار عن المسيحية، في حين أن المنبر والمحراب -مكان صلاة الإمام ويشير إلى اتجاه مكة- وألواح الخط العربي الكبير المدور على الجدران، الذي كتبه الخطاط مصطفى عزت أفندي في القرن التاسع عشر، كلها تفتح الباب أمام أثر الإسلام ليعرف بنفسه. تزين الفسيفساء البيزنطية التي يعود تاريخها إلى القرنين العاشر والحادي عشر، صالات آيا صوفيا العليا.

هذا المبنى مهم ليس فقط لاسطنبول ولكن للعالم بأسره. تم بناء آيا صوفيا "الحكمة المقدسة" في ست سنوات فقط، وهي تمثل عظمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية "الإمبراطورية البيزنطية". لا يشبه هذا المبنى أي شيء تم بناؤه من قبل، عظمة البناء حوّلت الكاتدرائية إلى تجسيد للتدخل الإلهي، عند العالم المسيحي. كانت الكاتدرائية جزءاً مهماً من المدينة، وبمجرد دخول السلطان العثماني محمد الثاني، قام على الفور بتحويل المبنى إلى مسجد، بإضافة المآذن التي تم بناؤها، وأمر مرؤوسيه بتجديد المبنى للحفاظ على روعته.

كتب المؤرخ العثماني "تورسون بك" في القرن الخامس عشر: "يا لها من قبة تتنافس في المرتبة مع أجواء السماء التسعة! في هذا العمل، عرض مالك الصنعة المثالي-شيخ الصنّاع- علم العمارة بأكمله". وحتى بعد كل هذه القرون، تواصل آيا صوفيا استحواذها على أنفاسنا.

المسجد الأزرق

مخلّفاً عظمة آيا صوفيا ورائي، توجهت إلى المسجد الأزرق "جامع السلطان أحمد"، أحد جواهر آفاق اسطنبول. أطلق عليه اسم المسجد الأزرق نسبةً لاسم البلاط الأزرق -في اللغة الانجليزية- الذي يزين داخله. وقد قام ببنائه المهندس المعماري الملكي محمد آغا، وهو تلميذ ومساعد أول للمهندس المعماري الشهير معمار سنان بين عامي 1609 و 1616، في عهد السلطان العثماني أحمد الأول.

نظراً لأن المسجد هو واحد من مناطق الجذب السياحي الرئيسية في اسطنبول، يتم قبول المصلين فقط من الباب الرئيسي، بينما يتوجب على الزوار والسياح استخدام الباب الجنوبي. فالمسجد مغلق أمام الذين لا يؤدون الصلاة. على عكس المعالم الأخرى في منطقة السلطان أحمد، فإن الدخول إلى المسجد الأزرق مجاني ولكن التبرعات مرحب بها. ومع ذلك، نظراً لأنه مكان مقدس، يجب عليك تغطية كتفيك العاريتين وساقيك، كما يطلب من النساء ارتداء الحجاب. يمكنك بسهولة شراء أو استعارة عباءة أو شال من المسجد.

قصر توبكابي

لزيارة معظم الأماكن المقدسة، توجه إلى قصر توبكابي، مقر السلاطين العثمانيين بعد فتح القسطنطينية، قبل أن ينتقلوا إلى قصر "دولما باهتشه" في القرن التاسع عشر. لكن كن حذراً: قصر توبكابي ضخم وإذا كان لديك وقت محدود، فلا يمكن زيارته بشكل صحيح. على عكس القصور الإمبراطورية الأوروبية، يشبه قصر توبكابي المجمع الذي يتكون من العديد من المباني المتجمعة حول فناء. تم تقسيم القصر بواسطة البوابات والساحات المختلفة، لضمان بقاء الجميع بالقرب من السلطان ولكنهم يعرفون أماكنهم ويلزمونها.

إذا مررت عبر البوابة الإمبراطورية "باب الحميون" ستجد نفسك في الساحة الأولى "ساحة الإنكشاريين، اسم الجيش العثماني". تؤدي البوابة الوسطى "باب السلام" إلى الساحة الثانية في القصر، والتي تستخدم في إدارة الإمبراطورية وتوجد فيها مطابخ القصر حيث يمكنك رؤية أكثر الأواني الخزفية قيمةً وقدراً عند السلاطين. يقع "ديوان الحميون" وهو قاعة المجلس الإمبراطوري، في الساحة الثانية حيث ناقش رجال الدولة العثمانيين مسائل الدولة، بينما كان السلاطين يتنصتون أحياناً، من خلال الشبكة الذهبية المرتفعة في الجدار.

الحريم، حيث تقيم العائلة الإمبراطورية، هو عالم مختلف تماماً. يتكون حريم قصر توبكابي من ستة طوابق ولكن لا يُسمح للسائح بالتجوّل إلا في طابق واحد. يصيبك إحساس بحميمية الغرف والزخارف المبهرة وأنت تتجول في هذه الأحياء الخاصة، وتتفحص بنظرة ثاقبة كيف كانت العائلة الإمبراطورية الكبيرة تقضي أيامها.

متحف الفنون التركية والإسلامية

كان مبنى المتحف الأصلي مكاناً عثمانياً يمتلكه إبراهيم باشا. يجسد المتحف أروع مثال للفن الإسلامي والتركي من القرن الثامن إلى القرن التاسع عشر. يعرض المتحف آثاره النادرة في محيط جميل يدعمه الصوت والإضاءة، ويتيح للزوار الانتقال -عبر ما يشاهدونه- إلى أكبر عواصم الإسلام في الشرق الأوسط. إنه لأمر رائع أن نرى المصاحف التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، وأرقى الخطوط التي أنجزها أشهر الخطاطين. يضم المتحف أيضاً السجاد النفيس المنسوج يدوياً، من دمشق إلى مدينة أوشاك في بحر إيجة، والذي تم الحفاظ عليه لعدة قرون. ويعرض أيضاً الآثار المقدسة للإسلام، بما في ذلك "اللحية الشريفة"، وهي الشعرات الخاصة بلحية النبي محمد عليه الصلاة والسلام. في الطابق السفلي، يمكن رؤية بقايا ميدان سباق الخيل القديم.

في منطقة السلطان أحمد، هناك العديد من الأماكن الأخرى التي يجب أن تشاهدها، بما في ذلك متحف إسطنبول للآثار، و حمّام السلطانة "حُرّم"، وكنيسة "آيا إيرين"، ومتنزه "غول هانة"، و"مليون ستون"-وهو نصب تذكاري تم بناؤه في أوائل القرن الرابع الميلادي في القسطنطينية- والنافورة الألمانية، والعديد من المعالم الأخرى. لكن لا يمكنك رؤية كل هذا التاريخ في غضون ساعات. لذا قم بتغطية الوجهات الرئيسية في منطقة السلطان أحمد واحجز لرحلتك القادمة إلى اسطنبول لكي تشاهد كل ما تبقى من روعة وعظمة قد فاتتك مشاهدتها في زيارتك الأولى.

خزان بازيليكا

سوف يستغرق الأمر يوما كاملاً تقريباً للقيام بجولة في قصر توبكابي، ولكن نظراً لأن الوقت محدود، يمكنك الذهاب لزيارة خزان "بازيليكا" للقيام بجولة سريعة عبر العصور لتصل إلى عصر الإمبراطورية البيزنطية.

تلميح مفيد: نظراً لأن خزّان "بازيليكا" لا تديره وزارة الثقافة والسياحة، قم بشراء تذكرة منفصلة للقيام بجولة في هذا البناء الرائع، ومشاهدة عالم كامل تحت الأرض مفتوح أمام عينيك.

بتكليف من الإمبراطور "جستنيان" بني هذا الخزان في عام 532، وهو أكبر خزان بيزنطي قائم على قيد الحياة، ويتضمن 336 عموداً. التماثيل والعظمة الفائقة تجعلك بالكاد تلتقط أنفاسك. كان الغرض الرئيسي من الخزان هو توفير المياه النظيفة للقصر ومحيطه، وهو قادر على استيعاب ما يصل إلى 80.000 متر مكعب من المياه. ومع ذلك، في غمرة أحداث سقوط القسطنطينية، نسي البيزنطيون وجود الخزان، ولم يتم اكتشافه حتى القرن السادس عشر.

اليوم، الأعمدة وانعكاسها على الماء يأسر السّياح، والأضواء تمنح البناء بأكمله جواً داخلياً غامضاً. على الرغم من أن رؤوس ميدوسا مخيفة للغاية، لا يسع المرء إلا أن يتساءل كيف بذل البيزنطيون كلّ هذا الجهد في التفاصيل الخاصة، لخزّان مهمته تقتصر على الاحتفاظ بمياه نظيفة.