أهوال الحرب في سوريا لم تستثن أحداً حتى الصم والبكم

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 09.03.2017 00:00
آخر تحديث في 09.03.2017 23:24
أهوال الحرب في سوريا لم تستثن أحداً حتى الصم والبكم

لم تترك الحرب في سوريا بيتاً سورياً إلا دخلته بطريقة أو بأخرى.

وإن كان المواطن السوري العادي يعاني الأمرين في هذه الأزمة التي طالت، فإن معاناة أصحاب الاحتياجات الخاصة أكبر وأكثر تعقيداً؛ والصم والبكم مثلا جزء من هذه المعاناة.

وقد ابتكر القائمون على مركز متخصص للصم والبكم في دمشق، إشارات جديدة للتخاطب والتحدث عن الحرب التي تعصف بالبلد منذ ست سنوات.

ومنذ اندلاع النزاع الذي يدخل عامه السابع الأسبوع المقبل، بات ذوو الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم في سوريا بحاجة إلى استخدام إشارات جديدة للحديث عن الوضع الميداني أو للتعبير عن مشاعرهم ومعاناتهم التي أصبحت مضاعفة.

ومن التعابير الجديدة التي يستخدمها رياض وبشر داخل مركز إيماء لخدمة الصم والبكم في حي الميدان كلمة تنظيم داعش على سبيل المثال. وللتعبير عن ذلك، ترفع نائبة رئيس المركز، وصال الأحدب البنصر (ما يعنى حرف الياء بالإنكليزية) وتضم الإبهام إلى السبابة والوسطى (حرف السين بالإنكليزي) مرتين، ما يعني بالإنكليزية "آيزيس" أي تنظيم داعش بالعربية.

ويعني وضع الإصبعين على راحة اليد كلمة حكومة النظام السوري، نسبة إلى النجمتين الموجودتين على العلم السوري. أما وضع ثلاثة أصابع على راحة اليد فهو إشارة إلى المعارضة نسبة إلى النجوم الثلاثة الموجودة على علم الثورة. ووضع اليدين على العينين يعني الخطف.

وتقول الأحدب الحائزة إجازة في هندسة الطب الحيوي: "كان علينا ابتكار إشارات / كلمات لم تكن موجودة في لغة الصم والبكم في سوريا من قبل ليتمكنوا من التواصل وتبادل المعلومات أو المشاعر حول سريان العنف".

وبعد ابتكار هذه الإشارات، يتم تصويرها وعرضها على صفحة خاصة على موقع فيسبوك، ليتداولها الصم والبكم ويناقشوها.

ويقول رئيس مركز إيماء، علي اكريم، إن تعداد الصم والبكم في سوريا يبلغ نحو عشرين ألفا وفقاً للإحصائيات الرسمية، لكنه يشير إلى أن العدد الفعلي قد يكون خمسة أضعاف ذلك. ويضيف أن هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة قد تأثرت بالأحداث مضاعفة لأنها تعانيها دون أن تتمكن من إدراك ما يدور حولها.

-الموت بصمت-

يروي رياض (21 عاماً) الذي يشارك في ابتكار المفردات الجديدة، تجربة مأساوية عاشها جراء الحرب، حين قتلت والدته وشقيقه وشقيقته إضافة إلى خالته وعمه وثلاثة من ابناء عمه برصاص قناصة على مرأى من عينيه دون أن يدرك ماذا يحصل، لدى محاولتهم الهرب من الحي حيث كانوا يقيمون على متن شاحنة. ويقول هذا الشاب الذي تعلو وجهه ابتسامة خجولة وهو موظف في أحد معامل الكابلات "بما أنني لا أسمع.. لم أكن أدرك ما يحدث حولي، شاهدت أمي تهوي أمامي تلاها أولاد عمي. لكن عندما شاهدت رأس شقيقتي ينفجر أمامي، أدركت حينها أنهم يطلقون النار علينا".

لم تتوقف معاناة رياض هنا، إذ قتل شقيقه الاخر اثر سقوط قذيفة اثناء لعبهما كرة القدم في الشارع.

ويحلم هذا الشاب الذي لا يفارق خياله هذا المسلسل الدموي، بالسفر إلى الخارج. ويقول "أعتقد أنني قد احظى بحياة أفضل".

كما يواجه الصم والبكم صعوبة أخرى، تكمن في حواجز التفتيش المتعددة في المدينة.

ويوضح اكريم: "عليهم أن يعبِّروا عن أنفسهم عبر إشارات غير مفهومة، ويظن الحرس على الحواجز في بادئ الأمر أنهم يسخرون منهم". ويضيف: "سابقاً (قبل النزاع) كان معظم الصم والبكم يتجنبون إدراج إعاقتهم على هوياتهم الشخصية... لكنهم الآن يسجلونها لإبرازها للحواجز".

كذلك عانت اخته بشر (32 عاما) أوقاتا عصيبة بسبب سوء الفهم؛ إذ وجدت نفسها، في عام 2011، خلال عودتها إلى المنزل، وسط المتظاهرين المناهضين للنظام فيما كان رجال الأمن يقومون بقمعهم. وتقول الشابة إنها حاولت الهرب دون جدوى في أزقة حي الميدان. وتضيف: "لم يتمكن أحد من مساعدتي لأنني لم أقدر على التواصل وكان الوضع يزداد سوءا". وعند استجوابها تمكنت بأعجوبة من إفهام عناصر الأمن أنها صماء وبكماء.

وبعد هذه الصدمة، لم تعد بِشر تجرؤ على الخروج من منزلها خوفاً من عدم قدرتها على العودة. لكن المعاناة لم تنته. ففي المنزل، كانت النوافذ تهتز والأرض ترتجف من شدة القصف. وتروي: "لم يشرح لي أحد ماذا كان يحدث. الجميع كان في حالة عصبية.. وكانوا يمنعونني من الاقتراب من النوافذ".