ماذا وراء تصعيد القصف الروسي على محافظة إدلب؟

(من الأرشيف)

تشهد محافظة إدلب تصعيدا كبيرا مع ازدياد الضربات العسكرية من جانب الروس وقوات نظام الأسد لليوم الثامن على التوالي، مستهدفةً البلدات والقرى.

وقد وثقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان مقتل 292 شخصاً في سوريا خلال شهر نيسان / أبريل 2019.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال قبل عدة أيام إنه لا يستبعد شن عملية عسكرية شاملة على محافظة إدلب شمالي سوريا، مشيراً إلى أن هذه العملية "ليست ملائمة الآن".

الولايات المتحدة دعت روسيا إلى احترام التزاماتها وإنهاء "التصعيد" في منطقة إدلب، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية "ندعو جميع الأطراف وبينهم روسيا والنظام السوري إلى احترام التزاماتهم بتجنّب شنّ هجمات عسكرية واسعة والعودة إلى خفض تصعيد العنف في المنطقة".

الاتحاد الأوربي أيضا حذر من مغبة التصعيد في محافظة إدلب وشمال حماة، وذلك جراء تكثيف الغارات الجوية من قبل نظام الأسد وروسيا هناك، داعياً روسيا وتركيا لتنفيذ التزاماتهما بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب.

بيان الاتحاد الأوربي دعا إلى احترام اتفاق خفض التصعيد في سوتشي وأستانا، "لأن التصعيد العسكري في إدلب يعرض حياة أكثر من ثلاثة ملايين مدني في المنطقة للخطر، وهو سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية وسيزيد من خطورة مواصلة زعزعة الاستقرار في سوريا وفي المنطقة". ولأن "الهجمات الأخيرة في إدلب استهدفت أحياء سكنية ومنازل ومستشفيات ومراكز لإيواء النازحين، الأمر الذي نتج عنه سقوط مزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين العزل".

لكن جميع هذه الدعوات والتحذيرات لم تجد لها صدى لدى موسكو حتى اللحظة، بل إن المؤشرات تقول بأن المنطقة مقبلة على تصعيد خطير سيكون ضحيته المدنيون.

موقف الضامن التركي:

علينا الإشارة مقدما إلى أن دخول تركيا على خط مسار أستانا لم يكن بسبب تطابق الرؤى ووجهات النظر بين أنقرة وموسكو حول طريقة الحل في سوريا، ولا لقناعة أنقرة بأن موسكو لديها مفاتيح الحل في سوريا، إنما للحاجة الماسة لكل من الطرفين للتنسيق والتعاون فيما بينهما حول الملفات الكبرى، الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
صحيح أن اتفاق سوتشي جاء ثمرة للعلاقات الشخصية الحميمة بين الرئيسين أردوغان وبوتين، ونتيجة للتواصل والتنسيق المستمر بين موسكو وأنقرة، إلا أن تطبيق هذا الاتفاق على الأرض ظل يشكل الامتحان الأصعب لكلا الطرفين.

من قبيل التذكير، أسفرت القمة بين الرئيسين الروسي والتركي بمدينة سوتشي الروسية، في أيلول عام 2018، عن توقيع اتفاق بين الدولتين الضامنتين إلى جانب إيران لما أطلق عليها "عملية أستانا" لتسوية الأزمة السورية، ينص أحد بنودها على تمسك موسكو وأنقرة بالإبقاء على منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب السورية. لكن الطرف /الضامن الروسي لم يلتزم يوما واحدا بهذه الاتفاقية. بل قام بخرقها وانتهاك بنودها على الدوام بحجة الحرب على هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة.

الطرف الروسي، ومن خلفه نظام الأسد والإيرانيون، يجيدون الالتفاف على جميع ما يتم التوصل إليه من تفاهمات واتفاقات في اجتماعات أستانا وغيرها. تارة من خلال اختلاق تفسيرات مختلفة ومخالفة لنص ورح الاتفاق، وتارة أخرى من خلال الادعاءات الكاذبة بأن قاعدتهم في حميميم تتعرض لهجمات من طرف الإرهابيين، بالرغم من استحالة ذلك فيزيائيا، بسبب بعد المسافة بين القاعدة وإدلب، والمنطقة العازلة التي شكلت أساس اتفاق سوتشي.

موسكو تطالب أنقرة بالقضاء على تنظيم القاعدة وإخراج عناصره من إدلب، لكن في الوقت ذاته لا موسكو ولا غيرها يمد يد العون لتركيا بهذا الصدد. في المقابل لم تلتزم موسكو بأي من تعهداتها. أكثر من ذلك فإن الروس لا يستهدفون هيئة تحرير الشام في هجماتهم، وكأنهم يريدون بقاء تلك العناصر الإرهابية في إدلب، لكي يستمروا في استخدامها شماعة من أجل خلط الأوراق كلما دعت الحاجة.

إشكالية الموقف الروسي:

من الواضح أن سبب التصعيد الروسي الأخير في محافظة إدلب، يعود إلى استشعار موسكو ملامح تفاهمات حول القضية السورية، يتم وضع لمساتها بين الولايات المتحدة وتركيا، وهذا قد يدفع روسيا إلى شن عملية واسعة في المحافظة، كما صرح بذلك الرئيس الروسي بوتين لإعادة خلط الأوراق، رغم وجود تحذيرات دولية من مغبة اتخاذ هذه الخطوة، في ظل احتضان إدلب لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

ما يثير شكوك موسكو أكثر هو تواتر الاجتماعات وعمليات التنسيق بين تركيا والولايات المتحدة من جهة، وشخصيات من العشائر العربية في دير الزور شرق سوريا، كانت زارت أنقرة في الأيام الماضية.

زيارة قيادات بعض العشائر السورية لتركيا، ترافقت مع مظاهرات اندلعت خلال الأيام الماضية ضد وجود ميليشيات ما يسمى سوريا الديمقراطية "قسد" في شرق البلاد، وعمليات بيعها نفط المنطقة إلى نظام بشار الأسد الذي يعاني من أزمة وقود خانقة جرّاء الحصار الأميركي والعقوبات على إيران.

حضور شخصيات من العشائر العربية ضمن وفد المعارضة السورية في اجتماعات أستانا الأخيرة، لا بد وأنه أعطى رسائل في أكثر من اتجاه.

زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري لأنقرة في توقيت لافت، ولقاؤه ومباحثاته مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، التي تركزت على الملف السوري، لم يتم الإفصاح عن مخرجاتها. بل اقتصرت المعلومات التي قدمتها وكالة "الأناضول" على أن قالن وجيفري ترأسا اجتماعا لوفدي البلدين، وتناولا التطورات الأخيرة في الملف السوري.

ما يؤرق المسؤولين الروس أكثر، تصريحات الطرف الأمريكي بأنه سيتم إنهاء المخاوف الأمنية لتركيا عبر المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في سوريا، وسيتم تطهير تلك المنطقة من كافة التنظيمات الإرهابية. طبعا يقصد بذلك الميليشيات الانفصالية الكردية، لأن تنظيم داعش لم يبق له وجود هناك، سوى خلايا نائمة مبعثرة في بعض المناطق.

اللقاءات بين الوفدين التركي والأمريكي، سبقها اتصال هاتفي جرى بين الرئيسين أردوغان وترامب، شدد خلاله الطرفان على وجوب تعزيز التنسيق في الملف السوري.
لا يريد الطرف الروسي خسارة تركيا كشريك اقتصادي هام في المنطقة، لكن في الوقت ذاته موسكو أمام تحد كبير، بخصوص قطف ثمار النصر العسكري المزعوم على المعارضة السورية وصرفها/ تحويلها إلى مكاسب سياسية واقتصادية.
تخشى موسكو في حال الوصول إلى اتفاق كامل الجوانب بين أنقرة وواشنطن، أن تخسر جميع مكتسباتها في سوريا، خصوصا مع الحصار الخانق الذي يفرضه الأمريكان على إيران، والضربات الموجعة التي تتلقاها الأخيرة في سوريا عبر الضربات الإسرائيلية.

في واشنطن، يجري الحديث بصوت مرتفع عن ضغوط أمريكية على الحكومة اللبنانية، لجهة رفع غطائها الرسمي عن حزب الله اللبناني الذي يشكل ذراع إيران في الشرق الأوسط. مما اضطر كلا من القوات الإيرانية، وميليشيات حزب الله اللبناني لإجراء عملية إعادة تموضع، والانسحاب من مناطق ذات قيمة استراتيجية حساسة بالنسبة لهما في دمشق وضواحيها والجنوب السوري.
إستراتيجية التوازنات التي تنتهجها تركيا تقتضي قدرا كبيرا من الحنكة والصبر وضبط النفس. هذا ما تفعله أنقرة، وهي تعمل على امتصاص ردة الفعل الروسية من خلال التصعيد الأخير في إدلب وريف حماة الشمالي.

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.