السينما التركية خلال السنوات الأخيرة

ديلي صباح
سميحة خليفة
نشر في 14.07.2016 00:00
آخر تحديث في 14.07.2016 16:40
السينما التركية خلال السنوات الأخيرة

احتلت السينما التركية خلال الفترة الأخيرة مكانة هامة في الوسط السينمائي العالمي وذلك لما حققته من تطورات هامة من الناحية التقنية، وما اتبعته من منهجيات في المنحى القصصي والسردي لأفلامها. بدأت هذه التحولات منذ منتصف التسعينيات لتصير خلال السنوات الأخيرة النقطة البارزة في صناعة السينما التركية ما خلص بالإيجاب إلى نيل أفلامها جوائزاً هامة تقدمها مهرجانات عالمية مثل مهرجان كان بفرنسا ومهرجان الدب الذهبي ببرلين.

نستطيع وبوضوح ـمن خلال السنوات الأخيرةـ أن نرى أن السينما التركية لم تعد موضوعاً مقتصراً على الأتراك السينمائيين فقط، بل امتد ليصير مادة وفرعاً قائماً بحد ذاته يُدرس في الكثير من الجامعات إن لم نقل جميعها، المعاهد ومراكز التعليم التركية الحكومية منها والخاصة... ويعتمد فرع السينما في هذه الجامعات على قسميه النظري والتطبيقي. وبالتالي يتخرج سنوياً عدد هام من المخرجين والمنتجين وكتاب السيناريووغيرهم. ناهيك عن الأبحاث الأكاديمية الكثيرة التي تناولت هذا الموضوع كمادة للبحث وإثارة الجدل، الأمر الذي لم يكن سابقاً بكل هذا الانتشار.

* المخرج الشاب:

إن الأهم في الموضوع ليس فقط في عدد المخرجين السينمائين المتزايد في الفترة الأخيرة، إنما في النمط الإخراجي المميز الذي يتبعوه؛ ما يعني أن الجهود المتبعة خلال هذه السنوات في هذا المجال قد نجحت في إظهار التميز والخصوصية التي ينفرد بها مخرج عن آخر في عمله، وذلك بعد التحدي الذي رُفع ضد ما يسمى "بالسينما المقلدة" أي السينما التي تعتمد في تقنياتها وحتى في أسلوبها السردي على السينما الغربية، وهوالمنهج ـ دون حاجة للإنكارـ الذي كان لسنوات عديدة متبعاً في صناعة السينما التركية.

السر في ظهور هذه الأنماط الفريدة من نوعها والمتبعة في الإنتاجي السينمائي، يكمن في أن المخرج التركي لا يرى نفسه مبدعاً فقط وإنما فرداً مثقفاً وحراً في الآن نفسه؛ مثقفاً لأنه على دراية بما حدث ويحدث حوله من تفاصيل تاريخية كانت، أو انسانية واجتماعية أو حتى سياسية.. وحراً لأنه يُسقط وبطريقته الخاصة كل ما سبق من جزئيات على أرض الواقع من خلال السينما.

هذه على سبيل المثال لا الحصرـ بعض الأفلام المتميزة بطابعها الخاص: ثلاثية المخرج سميح كابلان أوغلو "البيض، الحليب، العسل"، وفيلم المخرج فيصل صويصال "ثلاثة طرق"، وكذا بعض أفلام المخرج درويش زعيم مثل "نقطة في انتظار الجنة، الظلال والصور". هذا النوع من الأفلام له أن يلعب دوراً معنوياً مهماً في مسار الإنتاج السينمائي والذي ـدون شكـ سيؤثر وبشكل شامل على النمط المتبع في السنوات اللاحقة تماماً كما سيؤثر على المشاهد خاصة؛ بصقل ميوله الفنية لما هو أهم وأكثر تميزاً.

لنا أن نذكر أيضاً أن الجميل في الموضوع هو أن المخرج الشاب في تركيا يستطيع وبسهولة الحصول على فرصة للعمل أو التعاون على مشروع معين مع كبار المخرجين، وذلك من خلال ورشات العمل المتواصلة التي تسهر على إنجاحها مجموعة هائلة من المراكز الثقافية والمؤسسات المهتمة بتنمية قدرات الأجيال على أكثر من صعيد.

* القصة والسرد السينمائي:

إن الوعي الذي يتمتع به صانع السينما في المجتمع التركي وإدراكه لكل التفاصيل التي تجري من حوله، جعلت منه مبدعاً بعيداً كل البعد عن السطحية، يسهر على إنتاج أعمال في الصميم، منتقياً بذلك أحسن الحكايا التي يرويها الجيل السابق من شهود العيان. أساس الإشراقة الفنية هنا تنطلق من القصة نفسها التي تصب كل تفاصيلها في باب الوطن والتراث والحياة الاجتماعية المعاشة في المنطقة بكل ما تحويها من أحاسيس ومشاعر حقيقية نراها ونشعر بها كأنما نحن المشاهد البطل في الوقت نفسه. كل هذا أدى وبنجاح إلى اجتناب المبدع تقليده للقصص الغربية وما تأتي به على وجه الدوام من طابع خرافي وسطحية في الطرح.

الدولة أيضاً كان لها يد في تحقيق هذا النجاح؛ فكونها لم ترسم قيوداً للسينما ولم تضغط عليها لاتباع إديولوجياتها خاصة، قد جعل المساحة الحرة في أي إنتاج سينمائي تتسع أكثر وأكثر طبعاً باتساع فكر صاحبه، فتجده كل مرة يفجر ما لديه من طاقات إبداعية دون خوف من تابوهات قد تجعل من عمله في لحظة ما علامة للتقليد أو للفشل. بالإضافة إلى أن الدولة خصصت لهذا النوع من الفنون بالذات قسماً في وزارة الثقافة، حيث يهتم هذا القسم بدعم المشاريع السينمائية المميزة والهادفة، بغض النظر عن جنس المشارك أو انتمائه السياسي أوالإيديولوجي. وعلى خلاف ما كانت عليه وزارة الثقافة سابقاً فإنها تنظم سنوياً عدداً من الأنشطة الثقافية والمهرجانات السينمائية وما ذكر سابقاً من دعمها المادي للمخرجين الشباب.

* الأفلام وصالات العرض:

في الفترة الأخيرة وبارتفاع نسبة المهتمين بالمجال السينمائي في تركيا سواء أكان ذلك من ناحية الإنتاج أوالمشاهدة، فإن النسبة الانتاجية للأفلام قد ارتفعت أيضاً (181 فيلم تم انتاجه لسنة 2015، تم مشاهدة أحسنها من طرف 6 ملايين مشاهد). كما أن صالات العرض لم تعد ـكما في الماضيـ تهتم بعرض الأفلام الهوليودية فقط وإنما بالأفلام الوطنية والمستقلة، الشعبية وأفلام الطليعة. لقد باتت صالات العرض في الفترة الأخيرة تخصص ساعات معينة على مدار الأسبوع لعرض الأفلام الوطنية الحرة، نظراً للطلب المتزايد على هذا النوع المتميز من الأفلام... فمثلاً الرقم الذي تذكره الإحصائيات لسنة 2014 و2015 فقط يفوق 60 مليون مشاهد.

من المهم أيضاً الإلتفات إلى نقطة أخرى فيما يخص عرض الأفلام؛ إذ أنها لم تعد تعرض في صالات العرض السينمائية فقط وإنما في الكثير من المراكز الثقافية التابعة للبلديات، وكذلك في قاعات المؤتمرات الخاصة بالجامعات، والأهم من هذا وذاك أن هذا النوع من الأفلام بات يعرض في المهرجانات الوطنية وغير الوطنية على مدار المدة المحددة لها.