التركية بالعامية المصرية!

احتضنت ام الدنيا حضارات شتى، فبرَّت الأمم مصر بأن منحتها ألسنة أبنائها، فهل التركية كانت الأكثر بِراً؟

لنصعد درج مبنى وزارة في مصر. ولندخل بهدوء في الطابق الأولى، ففي الباب الأول مكتب ستدخله المهندسة المعمارية. فتحت الباب، ولم تجد سوى موظف واحد.

"صباح الخير يا بيه."

" صباح النور يا باش مهندس."

"الأفندي موجود!؟"

" موجود يا هانم، تفضلي.".

لكل من تعلم أبجديات التركية؛ سيعلم ان "بيه" تعني السيد (Bey)، وأما "باش مهندس" (Baş muhaddis) هي كبير المهندسين، لأن باش هي رأس. إنما "أفندم" مع ميم الملكية، تعني سيدي، لأن أفندي لدى الأتراك تعني السيد، كما رد عليها الموظف بميم الملكية التركية كذلك، هانم، بمعنى سيدتي، مثل ما لدينا ياء الملكية العربية، علما ان أفندم تطلق بمصر و تركيا للمذكر والمؤنث ولكن هانم تكون أكثر لباقة للحريم فقط، لأنها من أصل مولاتي الفارسية "خاتوم" التي أخذها الأتراك بالهاء الرقيقة (hanım). فيجوز باللغة التركية والمصرية قول أفندم و هانم للنساء والقصد واحد، ألا وهو سيدتي. لنذهب لمكان أقل رسمية..

"ياسطا!" وقفت سيارة الأجرة للشاب، " أنا والأستاذة عايزين نرجع البيت، مشوار دقيقة بس، ماشي يا باشا؟". رمى السائق السيجارة من الشباك الأيسر فأصاب قطة، ثم قال بصوت وكأنه قد تغرغر زرنيح "يا آبه..مش عايز حركات بلطجية أنت والأبلة.. تمام؟". أود الانصراف عنهم فورا، لأن كمية الكلمات التركية مذهلة بهذا الحوار الوديع.

"ياسطا" (usta) أستاذ الصنعة.. "باشا" (Paşa) جامع الضرائب والذي له الهيبة، "آبه" (abi) الأخ الكبير.."أبلة" (abla) الأخت الكبيرة. "بلطة" (balta) الفأس. ولكن توجد ملاحظة خطيرة، إضافة الجي أو الچي لأي شيء تعني ان ذات الشيء صار صفة لصاحبه، كقول الأتراك شاي-چي أو قهوچي، بائع القهوة والشاي، فالبلطجي، بالعامية؛ هو الهمجي الذي يحمل فأسه أينما يذهب. أما الآن... فلنأخذ نفساً عميقا. ولنركب معهم السيارة.

أغلق الزوجان باب السيارة وأمامهما سائق التاكسي، لأن المقعد الأمامي جاثم فيه شخص صامت، يرتدي نظارة شمسية رغم أنهم في الليل. رفع الزوج حاجبيه وقال بصوت مرتبك "دوغري بعد الأگزاخانه على طول، يمين".

بعد ثلاثين دقيقة بسبب الازدحام، انعطفت السيارة لليمين، فقال الزوج "برضو يمين". فجأة التف الرجل وضحك. عم الصمت السيارة، بينما أوقد سائق الأجرة سيجارة أخرى. قال الزوج "ما تفتكرناش أونطا..". "ثم قال لزوجته، انا كنت قايل ليك بالأوضا، لوكانتا ليلة السبت لا!". المجتمع المصري لا تنتهى الدراما فيه. فلنقف و لنتساءل، هل كان كل كلامهم عربي؟

"دوغري" (doğru) هي تعني بالتركي الأمر الصحيح، ويقصد بها بمصر المُضي بالمسار الصحيح. "اگزاخانه" (eczane) الصيدلية، "برضو" هي من أصل "bir de" أي مع الشيء، "أوانطا" (avanta) تقال للفاكهة سهلة القطف ويقصدون بها المصريون الشخص الذي يَسهل اصطياده. "أوضا" (oda)‌ وهي الحجرة، أما "لوكانتا" (lokanta) فهي المطعم. وخسارة عليهم المطعم الذي حرمهم العودة للحجرة. ليست تلك المشاهد اليومية إلا فيض من غيض، وإنما الكلمات التركية باللهجة المصرية هي أكثر من ذلك بكثير، و لكن نكتفي بالقول بأن نزع الطربوش التركي، لم يمحو "تأترك" اللسان المصري.

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.