أماكن العمل بعد كورونا: هل ستأخذ المكاتب شكل المقصورات الفردية؟

تعقيم المكاتب باستخدام الروبوتات (الفرنسية)

حوّلت جائحة فيروس كورونا المستجد العمل من المنزل إلى نمط شائع ومقبول على نطاق واسع، أكثر من أي وقت مضى في التاريخ البشري. رغم أننا ننتظر العودة إلى حياتنا القديمة بفارغ الصبر، لكن لا بد أن نعترف بحقيقة أن الوظائف المكتبية لن تعود إلى الطراز القديم أبداً.

ومع أن الكثير من البلدان في جميع أنحاء العالم بدأت بمغادرة فترة ذروة الوباء، إلا أن الخبراء اعتبروا الإعلان عن تجاوز الذروة، سابق لأوانه ومحفوف بمخاطر عالية. ومع ذلك راح العديد من المجتمعات والحكومات يعيد فتح الاقتصاد والأعمال تدريجياً.

ويؤكد الخبراء أننا عندما نعود إلى مكاتبنا، يجب أن نكون مستعدين لـ "وضع طبيعي جديد" ما يقتضي في البداية وجود عدد أقل من الأشخاص في المكتب وعدد أكبر يعمل من المنزل.

كما أضاف الخبراء قائمة من الإجراءات الصحية لا يمكن تجاوزها أو التخفيف منها، كشرط أساسي للعودة إلى الحياة الطبيعية بشكلها الجديد:

لا مصافحة

قال "توم فريدن" المدير السابق للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في اتصال مع الصحفيين، إن المصافحة يجب أن تُلغى أو تُنسى "إلى أجل غير مسمى". وسيحتاج العمل من المكاتب بعد ذلك إلى التفكير في التدابير العملية الأخرى لإيجاد إجابات لعدد من التساؤلات مثل: "هل نحتاج إلى أبواب لا تُفتح بواسطة الناس؟ هل يتعين قياس درجات حرارة جميع الأشخاص الذين يدخلون؟"

كما أن علب المطهرات التي لا تستدعي اللمس ستصبح شائعة. وقد يتم اتخاذ خطوات للحد من الاكتظاظ في الأماكن العامة، بالإضافة إلى عدم مشاركة أجهزة الكمبيوتر والهواتف، وتشجيع استخدام الأقنعة الواقية التي قد توفرها بعض أماكن العمل.

كذلك ستقوم الشركات ومراكز التسوق بتحديد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الدخول، ووضع حواجز بلاستيكية واضحة بين الموظفين والعملاء وفرض التباعد الجسدي عن طريق وضع ملصقات على الأرض، كتذكير دائم يمكن أن يمتد إلى جميع المتاجر والمقاهي.

ارتباط الوقاية بالنظافة

من المؤكد أن أماكن العمل ستستمر في الإلحاح على غسل اليدين بانتظام وبشكل كامل.

وقال "بريان كروب" رئيس قسم أبحاث الموارد البشرية في شركة "غارتنر" للاستشارات العالمية:" لا بد من زيادة عدد الأشخاص الذين يقومون بتنظيف وتعقيم المكاتب".

وأوضح أنه سيتم توجيه اهتمام إضافي إلى أماكن مثل قاعات المؤتمرات التي يجب تنظيفها وتعقيمها بين كل استخدام وآخر، مما قد يؤدي إلى مزيد من التحولات غير المسبوقة.

وبالرغم من تنظيف الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر، إلا أن اهتماماً أكبر يجب أن يعطى للحفاظ على نظافة الحمامات وتحسين دورات المياه نظراً لوجود بعض الأدلة على أن الفيروس المستجد يمكن أن ينتشر عن طريق البراز.

كما أوصت صحيفة "لانسيت" الطبية بعدم تجاهل الروائح الكريهة غير المبررة في الحمامات أو المطابخ أو مناطق الغسيل ونصحت بإيجاد انحناءات في أنابيب المصارف على شكل حرف U لمنع انبعاث غازات الصرف الصحي.

ووفقاً لدراسة حديثة في هونغ كونغ، فإن إحدى خطوات التخفيف من المخاطر تتمثل في تغطية المرحاض قبل ضغط زر خزان المياه فيه، لأن التدفق يمكن أن يطلق ما يصل إلى 80.000 قطرة ملوثة ويتركها معلقة في الهواء لساعات إذا لم يتم تغطيته. ولذلك يجب تصميم أغطية للمراحيض في أماكن العمل.

العمل بنظام النوبات

من المتوقع أن تبدأ التغييرات بوصول العمال إلى أماكن العمل في نوبات متداخلة لتجنب ازدحام ساعات الذروة. وقد يتناوب الموظفون على العمل في أيام بديلة في المكتب كي يتواجد عدد أقل من الأشخاص في وقت معين.

على سبيل المثال تخطط شركة "Hive" وهي شركة ناشئة مقرها نيويورك، لمساعدة الموظفين على تجنب التنقلات بالمترو المزدحم في ساعات الذروة من خلال البدء في ساعات مختلفة. وتفكر الحكومة في المملكة المتحدة في مطالبة أصحاب العمل بالقيام بنفس الشيء.

كما يعيد كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى، التفكير في اكتظاظ أبنية المكاتب البرجية في مراكز المدن بالكثير من العمال. وقال "جيس ستالي" الرئيس التنفيذي لبنك "باركليز" البريطاني، إنه يجري "تعديلاً طويل الأمد في طريقة تفكيره في استراتيجية الموقع" وأضاف: "قد تصبح فكرة وضع 7000 شخص في نفس المبنى من الماضي".

وهذا ما يحدث بالفعل في الصين، فمع بدأ عمليات الإغلاق في التراجع في مارس، حددت سلطات بلدية بكين عدد الأشخاص في كل مكتب بما لا يزيد عن 50% من العدد المعتاد، وطلبت من العاملين في المكاتب ارتداء أقنعة الوجه والجلوس على مسافة متر واحد على الأقل.

اجتماعات أقل

لماذا يذهب الموظفون إلى الاجتماعات التي قد يحل محلها مجرد رسالة إلكترونية؟ الآن بعد أن أصبحت العديد من الأعمال افتراضية، تعقد الشركات اجتماعات أقل وتتحدث حصرياً عبر الإنترنت.

"براندون براون" عالم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا يقول: "إحدى الأشياء التي اكتشفناها من هذا الوباء ومن البقاء في المنزل هو أن الاجتماعات الشخصية ليست ضرورية دائماً. يجب أن تكون الاجتماعات الافتراضية خياراً مستمراً من الآن فصاعداً".

ونظراً لأن تعقيم مكتب يضم عدداً كبيراً من العاملين، سيكون بلا جدوى إذا اجتمع الكل في نهاية المطاف في نفس الغرفة من أجل اجتماعات شاملة، يمكن للشركات التخلص من الاجتماعات الشخصية تماماً واستبدالها بأخرى افتراضية."

تحذير "قف ضمن المسافة الآمنة"

يمكن للعلامات الأرضية أو أجهزة الاستشعار الرقمية، تذكير الناس بالوقوف والجلوس مع الحفاظ على المسافة الاجتماعية.

وبحسب "جوانا دالي"، نائبة رئيس مركز الصحة والسلامة في شركة "آي بي إم" للتكنولوجيا، فإن الحلول التقنية العالية ستلعب دوراً حاسماً، ويمكن تكييف تكنولوجيا أجهزة الاستشعار الصناعية الحالية بسهولة لاستخدامها في المكاتب.

ومن أحد الأمثلة المحتملة: "أن تصدر هواتفنا صوتاً خاصاً إذا اقتربنا أقل من مترين بينما نجري محادثة هاتفية".

خطة بديلة عن أماكن العمل المفتوحة

يمكن أن تلغي أزمة كوفيد-19 بعض تصاميم المكاتب الحديثة، مثل مساحات العمل المشتركة التي تستخدمها العديد من الشركات التكنولوجية الناشئة لخلق بيئة أكثر إبداعاً وتحفيزاً. ويقول المهندسون المعماريون إن المقصورات والأقسام قد تعود إلى أماكن العمل حيث تزداد سرعة انتشار الفيروس في مساحات المكاتب المفتوحة.

وتقوم حالياً شركة التصميم الأمريكية "بيرغماير" بإعادة تثبيت الفواصل بين 85 مكتباً في مقرها في بوسطن التي تمت إزالتها على مر السنين. وقالت "راشيل زيمبيري" نائبة رئيس الشركة، إن ذلك "سيعيد درجة أكبر من الخصوصية للمكاتب الفردية، بالإضافة إلى الحاجز المادي الذي تتطلبه هذه الأزمة الصحية".

إجازات مرضية أكثر

قال "براندون براون"، عالم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا: "سيكون بقاء العامل أو الموظف في المنزل في حال مرضه مرجحاً أكثر من قدومه للمكتب".

وكانت بعض الشركات الخاصة في تركيا والكثير من دول العالم، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، تعتمد في السابق ثقافة عمل متشددة في أيام المرض، بسبب عدم وجود إجازة مرضية إلزامية. ونتيجة لذلك، كان الناس يميلون إلى الذهاب للعمل بالرغم من المرض. ولكن ذلك قد يتغير الآن وقد يصبح العمل عن بعد أكثر شيوعاً بالنسبة للكثيرين نتيجة للوباء، خاصة وأن المدراء تعلموا خلال عمليات الإغلاق القسري أن العمل عن بعد أمر ممكن.

تقديم المشورة النفسية والاجتماعية

بما أن الوباء تسبب في حصيلة هائلة من الوفيات، فقد يقع عبء تقديم المشورة النفسية والاجتماعية إلى حد كبير على عاتق أرباب العمل.

الدكتور "مارك ويلكين فيلد" المتخصص في الطب المهني في جامعة نيويورك يقول: "يجب ألا ننسى أن الكثير من الناس سيعودون إلى العمل بعد أن فقدوا أفراداً من أسرتهم".

وأضاف: "أعتقد أن الشركات الكبيرة والصغيرة ستحتاج إلى معالجة هذه القضايا، لأنها تريد قوة عاملة بصحة جيدة، جسديا وعقليا".

من يعود إلى العمل ومن لا يعود؟

وفقاً لشركة "غارتنر" الاستشارية، سيستمر اتجاه العمل من المنزل في التسارع حتى بعد انتهاء تهديد كوفيد-19، خاصة مع استعداد الشركات لمواجهة تفشي الأمراض الجديدة أو حالات الطوارئ الأخرى.

ووفقاً لدراسة شملت 220 مديراً تنفيذياً للموارد البشرية، يُتوقع بعد الوباء أن يمارس 41% من عموم الموظفين، عملهم عن بعد لفترة من الزمن على الأقل، ارتفاعاً من نسبة 30% منهم قبل تفشي المرض.

وقالت شركة "غارتنر" إن العمال الذين يعودون للعمل من المكاتب، سيرحبون على الأرجح بارتداء الملابس المكتبية مرة أخرى كإشارة إلى أن الأمور تعود إلى طبيعتها.

ولا يمكن لجميع الشركات أن تطبق سياسة العمل عن بعد للجميع، لا سيما الشركات الكبيرة التي لديها الآلاف من الموظفين. ومع ذلك، فإن عليهم أن يفكروا جيداً في من يجب أن يعود إلى المكتب ومن يمكنه أن يستمر في العمل من المنزل.

فالأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً أو الذين يعانون من أمراضٍ مزمنة مثل أمراض القلب أو مرض السكري هم أكثر عرضة للمضاعفات الناشئة عن كوفيد-19، ويمكن تأجيل عودتهم إلى المكاتب.

وقال الدكتور "مارك ويلكين فيلد" المتخصص في الطب المهني: "سيبدأ الناس في العودة إلى العمل، لكنني لا أعتقد أن الجميع سيعود في نفس الوقت".

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.