من عسل الجنون إلى أغلى عسل في العالم.. نبذة عن أنواع العسل في تركيا

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 02.06.2021 12:04
عسل المغارات التركي الذي يصل سعر الكيلوغرام منه 10.000 يورو عسل المغارات التركي الذي يصل سعر الكيلوغرام منه 10.000 يورو

تركيا واحدة من أهم الدول المنتجة والمستهلكة للعسل عالمياً، ولطالما احتل هذا المنتج المحبوب مكانةً خاصة في الثقافة التركية نظراً لتاريخ البلاد العريق مع هذا الرحيق الشافي. وتكريماً لليوم العالمي للنحل الذي صادف 20 مايو/أيار من الأسبوع الماضي، يستعرض هذا المقال تاريخ العسل واستخداماته وأنواعه في تركيا.

استُخدم العسل لأغراض طبية وعلاجية منذ 10.000 عام على الأقل في أراضي الأناضول، وتُظهر اللوحات الجدارية والزخارف الأخرى الموجودة في موقع "جطل هويوك" التي ترجع إلى 8000-7000 قبل الميلاد، تواجد العسل في منطقة جنوب البلاد، بينما تشير القطع المعدنية الموجودة في أفسس إلى ذكر العسل في الأعمال الكلاسيكية لهوميروس والأهمية التي احتفظ بها هذا المنتج الطبيعي المحبوب عبر التاريخ.

وفي أيامنا هذه يزين العسل تقريباً وجبات الأفطار في عموم تركيا، بينما يستخدم أيضاً لعلاج مجموعة كبيرة من الأمراض من خلال دخوله ضمن مكونات المنتجات الطبية وعلاجات الطب البديل.

وتنتج تركيا أكثر من 100.000 طن من العسل سنوياً يستهلك الكثير منها محلياً. كما تنتشر تربية النحل المتنقلة أو المهاجرة على نطاق واسع في البلاد، وهي تعني ممارسة منتظمة يقوم بها مربّو النحل لنقل خلاياهم إلى مناطق جغرافية ومناخية مختلفة على طول البلاد وعرضها اعتماداً على مواسم العام. ومن الشائع أن يصادف المتنزهون ومحبو الطبيعة مناحل العسل في معظم الأماكن الطبيعية الخلابة حيث تكثر الزهور وتتعدد أنواعها.

ويمكن أن يختلف مذاق العسل وخصائصه اختلافاً كبيراً بناءً على الموقع والصنف النباتي الذي استخرج منه. ويوجد في تركيا مجموعة متنوعة من نكهات العسل المستخرج من مناطق مختلفة وبطرق مختلفة أيضاً. وهذه مجموعة من أنواع العسل المعروفة في البلاد، أو ما يمكن تسميته "الذهب السائل في تركيا".

عسل الزهور:

يُنتج عسل الزهور من الرحيق الذي يتم جمعه مباشرة من الزهور بواسطة النحل العامل، وهو أكثر الأنواع شيوعاً وانتشاراً على موائد المطاعم والمنازل وفي أسواق تركيا. ويُنتج هذا العسل من مجموعة متنوعة من الزهور، وبالتالي فهو عسل "متعدد الأزهار" لا يحتوي على أية نكهة مميزة بخلاف الحلاوة المألوفة المرافقة للمنتج. وهو جزء لا يتجزأ من وجبة الإفطار التركية الكلاسيكية، بالإضافة إلى الأطباق التركية الأخرى. ويوجد في تركيا أنواع من العسل المصنوعة من أزهار نبات واحد أو نوع معين من الأشجار، ويشار إليه عادةً باسم العسل أحادي الأزهار مثل عسل الكستناء وعباد الشمس والخزامى والخرنوب والليمون وزهر البرتقال، إضافةً إلى بعض الأنواع النادرة مثل البرسيم الحجازي والكافور والزيزفون والنعناع وإكليل الجبل.

عسل الصنوبر:

يمثل هذا النوع من العسل 92% من إنتاج عسل الصنوبر في العالم، وهو متوفر على نطاق واسع في تركيا ويتم إنتاجه في الغالب في مناطق جنوب بحر إيجة وغرب البحر المتوسط في البلاد. وفي الواقع تنتج ولاية موغلا وحدها 3/4 عسل الصنوبر المنتج في تركيا. ومن اللافت أن هذا النوع من العسل لا ينتج من الرحيق المستخلص من الزهور بل يعتمد على ندى العسل، وهو سائل يفرز من نوع من الحشرات التي تعيش على أشجار الصنوبر.

يُعرف عسل الصنوبر بأنه أغمق وأقل حلاوة من عسل الزهور. وهو يحتوي على نسبة منخفضة من الغلوكوز والفركتوز وبعض من أعلى مستويات الإنزيمات والأحماض الأمينية والمعادن بين أنواع العسل المختلفة. ويُعتقد أنه يساعد على إنقاص الوزن إذا أكل في الصباح بإذابة ملعقة كبيرة منه في كوب من الماء الدافئ.

عسل الحمضيات:

وهو الأكثر انتشاراً في منطقة البحر المتوسط، ويحظى هذا النوع بكثير من الشعبية في تركيا بسبب نكهته العطرية. وتشمل هذه الأنواع من العسل الليمون والبرتقال واليوسفي والغريفون ويتم جمعها إما من نوع واحد أو أنواع متعددة من أزهار شجر الحمضيات. ويفضل الكثيرون تناول عسل الحمضيات بسبب نكهته ورائحته الشبيهة بالعطور بالإضافة إلى احتوائه على كميات عالية من فيتامين c بينما يساهم في إعطاء أقل مؤشر لنسبة السكر في الدم من بين أنواع العسل الأخرى. كما يميل هذا النوع من العسل إلى التبلور عادةً، لذلك يُنصح بوضع عبوة العسل في وعاء من الماء الدافئ كي تتبدد البلورات.

عسل الكستناء:

يستخرج عسل الكستناء من رحيق أزهار الكستناء التي تزهر لمدة أسبوعين فقط في شهر يونيو/حزيران في الغابات على طول المنطقة الساحلية الشمالية للبحر الأسود. ويشتهر عسل الكستناء بنكهته القوية والمرّة لذلك يستخدم بشكل أكبر في الأغراض الطبية مثل تخفيف أعراض الربو ومشاكل الجهاز التنفسي وزيادة الطاقة وأيضاً كعلاج لرائحة الفم الكريهة. كذلك يستخدم موضعياً لعلاج الحروق.

عسل عباد الشمس:

وهو أخف أنواع العسل لوناً ونكهةً ويتم إنتاجه في منطقة تراقيا الغربية بتركيا. ويشتهر عسل عباد الشمس بميله إلى التبلور، كما يتم أحياناً خلطه بأنواع أخرى من عسل الزهور من أجل تعزيز نكهته أثناء الاستهلاك. وتشمل أغراضه الطبية تخفيف الحمى وتقوية جهاز المناعة.

عسل الزعتر البري:

لا يتمتع عسل الزعتر بنكهة قوية كما أن لونه أفتح من أنواع العسل الأخرى، لكنه يتصف بخصائص طبية هامة فهو مفيد لمعالجة أعراض الأنفلونزا والسعال ويخفف من نفخة البطن ويزيد من الشهية ويستخدم موضعياً في علاج الإكزيما لأن له خاصية إيقاف الحكة.

عسل اللافندر:

لهذا النوع النادر من العسل نكهة مميزة ولون كهرماني عميق. ويتم إنتاجه بشكل أساسي في شهر يونيو/حزيران في منطقتي إسبرطة وبوردور غرب الأناضول. ويُفضل العامة استخدامه لخصائصه في معالجة اضطرابات النوم كما يعمل كمسكن طبيعي للألم، ويكثر تناول عسل اللافندر مع أطباق الجبن الفاخرة.

عسل الأكاسيا:

هو شكل نادر آخر من العسل عالي القيمة المنتج من رحيق أزهار الأكاسيا التي تعيش في جبال "كاتشكار" في ولاية أرتفين. ومن بين فوائده الصحية الكثيرة يساعد هذا العسل على التئام جروح الفم وتحسين أعراض أمراض الرئة والذاكرة وشفاء الالتهابات المعوية وتنظيف خلايا الدم كما يستخدم موضعياً لتقليل البقع الجلدية.

عسل مرتفعات أنزر:

ينحدر عسل المرتفعات من رحيق أزهار التلال الأصلية في هضبة أنزر في ولاية ريزة، وهو نوع نادر للغاية ولكنه مرغوب جداً نظراً لخصائصه الطبية التي تساعد في علاج عدد من الأمراض مثل آلام المعدة وتورم اللوزتين وتساقط الشعر وفقدان الذاكرة وحتى الدوالي.

عسل الجنون:

وهو نوع خطير من العسل الموجود في مكانين فقط في العالم: جبال كاتشكار في منطقة البحر الأسود التركية وفي سفوح جبال الهيمالايا، وهو سيئ السمعة بسبب آثاره الضارة عند استهلاكه بكميات كبيرة. تصاحب عبوات هذا النوع الفريد من العسل علامة تحذير بسبب احتوائه على سم عصبي من مادة "الرودودندرون" التي يصنعها النحل في هاتين المنطقتين من العالم. وبالرغم من أن تناول جرعات صغيرة من هذا النوع من العسل مفيد لآلام المعدة والقلق والسكري وارتفاع ضغط الدم، ولكن حتى ملعقة صغيرة منه قد تؤدي إلى التسمم. أما عند تناول الكثير منه فيمكن أن يؤدي بسهولة إلى الهلوسة والغثيان والإغماء والنوبات القلبية واضطراب ضربات القلب وانخفاض مستويات ضغط الدم بشكل خطير وحتى الموت.

ويُعتقد أن هذا النوع من العسل كان أول سلاح كيميائي تم استخدامه في الحروب على الإطلاق، وذلك عندما استسلمت القوات الرومانية بقيادة الجنرال "بومبي" العظيم في الفترة الهلنستية 97 قبل الميلاد لقائد البونتيك "ميثريداتس" الذي أوعز بوضع كميات من عسل الجنون على طول طريق جنود الرومان ليجبرهم على التراجع بالقرب مما يعرف اليوم بمنطقة البحر الأسود في طرابزون. وبالفعل عاد المحاربون البونتيك في وقت لاحق لغزو الجنود الرومان الذين مرضوا وأصيبوا بالهذيان وأغمي على الكثير منهم.

عسل الكهوف التركي يدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية:

تنتج تركيا عسل سنتوري Centauri الأغلى في العالم والذي يصل سعر الكيلو غرام منه إلى 10.000 يورو، وتم اختيار هذا النوع من العسل في فبراير/شباط الماضي كأغلى عسل في العالم في كتاب غينيس للأرقام القياسية. وينتج عسل سنتوري في منطقة شيلة على البحر الأسود، ويجمع من كهف على ارتفاع 2500 متر فوق مستوى سطح البحر بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان وبعيداً عن خلايا النحل الأخرى. ويُعتقد أن المناطق المحيطة بهذا الكهف غنية بمجموعة متنوعة من الأعشاب الطبية بما في ذلك نبتة القديس جون، لذلك يتمتع هذا العسل النادر بخصائص طبية قوية بسبب مستوياته العالية من المغنيزيوم والبوتاسيوم والفينولات والفلافونويد ومضادات الأكسدة.

بقلم: ليلى إيفون أرغيل