خطة ترامب حول سوريا محكوم عليها بالفشل بدون تركيا

إسطنبول
نشر في 04.02.2019 17:09
آخر تحديث في 04.02.2019 17:10

تسعى قيادة الجيش الأمريكي هذه الأيام إلى الدفع باتجاه ثلاث خيارات: تسليم المناطق التي تسيطر عليها "ي ب ك" إلى روسيا ونظام الأسد، أو جعل المقاتلين العرب ضمن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" يتولون إدارة الأمور، أو تسليم المنطقة إلى قوة أوروبية مشتركة.

ثمة لعبة تجري في واشنطن لشد الحبل على خلفية "المنطقة الآمنة" المقترحة في شمال سوريا. فمعارضي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من منطقة الصراع يعملون بجد لمنع إدارته من العمل مع تركيا في المستقبل.

إن الخبراء بالشأن السوري في العديد من مراكز الدراسات يتحدون الرؤية التركية في سبيل إقناع الولايات المتحدة للاستمرار في حمايتها لمليشيا وحدات حماية الشعب "ي ب ك"، والتي تعد جزءاً من منظمة "بي كا كا" الإرهابية.

ويشترك مسؤولون رفيعو المستوى في البنتاغون في هذه الرؤية ويسعون إلى تحويل المنطقة الآمنة التي اقترحها ترامب لتلبية مخاوف تركيا المتعلقة بالأمن القومي، إلى منطقة عازلة مصممة لتوفير ملاذ لمسلحي "ي ب ك" من الانتقام التركي.

تسعى قيادة الجيش الأمريكي هذه الأيام إلى الدفع باتجاه ثلاث خيارات: تسليم المناطق التي تسيطر عليها "ي ب ك" إلى روسيا ونظام الأسد، أو جعل المقاتلين العرب ضمن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" يتولون إدارة الأمور، أو تسليم المنطقة إلى قوة أوروبية مشتركة.

أما وزارة الخارجية الأمريكية، فهي على النقيض من ذلك، تدعم خطة للتعاون مع تركيا. ومع ذلك، فإن التوفيق بين طلب تركيا قتال الإرهابيين وبين حماية مسلحي "ي ب ك" في الوقت نفسه يعد تحدياً كبيراً. وفي قلب هذا التحدي تكمن مقاربة واشنطن المضللة حول محاربة داعش. ففي السنوات الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بتمكين مجموعة إرهابية، هي "ي ب ك"، من أجل هزيمة أخرى، وهي اليوم تبحث عن طريقة لحماية وكيلها.

الأسوأ من ذلك، أن مسؤولين أمريكيين يدرسون خيار إضفاء نوع من الصبغة القانونية على مليشيا "ي ب ك". واستقبال ترامب ممثلاً عن حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" في واشنطن يشير إلى أنه هو الآخر مشوش.

لا يحتاج الأمريكيون إلى تكليف أحد بوضع دراسة لفهم كيف يخلقون مشاكل خطيرة عبر محاولتهم إيجاد طرق سهلة في أوضاع صعبة. كل ما عليهم فعله هو أن يقرؤوا تقاريرهم وعدداً كبيراً من الكتب لمسؤولين أمريكيين سابقين نشروها بعد مغادرتهم مناصبهم. ففي تقرير حديث حول حرب العراق، اعترف الجيش الأمريكي أن سياسة واشنطن المضللة عززت نفوذ إيران. لكن هذا التحليل الدقيق لم يقد واشنطن إلى استنتاج دقيق. فالمشكلة كما زعم الجيش، هي التزام إدارة أوباما بتعزيز الديمقراطية في العراق، في حين أن الديمقراطية لم تؤد دوماً إلى الاستقرار.

تميل واشنطن لتكرار خطأ الفشل في فهم توازن القوى في المنطقة ودولها، وهو ما مهد الطريق أمام التدخلات العسكرية بدون القلق بشأن المشاكل التي يمكن أن تخلفها العجرفة الأمريكية على المدى الطويل. إن استبعاد العرب السنة، الأمر الذي تسامحت معه الولايات المتحدة من أجل تفكيك نظام البعث في العراق، لا يمت إلى الديمقراطية بصلة. بل إن هذا القرار دفع المجتمع السني إلى أحضان الجماعات الراديكالية بما فيها القاعدة وداعش.

ليس سراً أن مقاربة واشنطن المعيبة لن تنتج حلولاً عملية. ففي أفغانستان، حيث ارتكب الأمريكيون الخطأ نفسه تماماً، يتوقع أن تحجز طالبان مقعد القيادة ضمن تسوية تفاوضية مع الولايات المتحدة. لنأمل أن تصدر الوكالة الحكومية المعنية تقريراً يزعم أن تعزيز الديمقراطية في أفغانستان كان خطأً.

ومع كون الانسحاب الأمريكي من سوريا قاب قوسين أو أدنى، توشك نخبة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة ارتكاب خطأ كبير آخر. ولنكون صريحين، فإن الجدل الحالي لا يتعلق بقرار ترامب الانسحاب من منطقة الصراع على الإطلاق، بل بطبيعة الانسحاب. لا يزال من الممكن بالنسبة للولايات المتحدة أن تنسحب من ميدان المعركة من خلال إصلاح علاقاتها المتوترة مع تركيا، وتقديم مساهمة ذات معنى لمستقبل سوريا. والطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هي في التعاون مع الأتراك.

إن انسحاباً متسرعاً للولايات المتحدة من سوريا في غياب اتفاق مع تركيا لن يحل أية مشكلة، كما لن تتمكن من الوصول إلى أي مكان من خلال البحث في خيارات هدفها إقصاء أنقرة، وهي تحركات سوف تصب في مصلحة روسيا وإيران ونظام الأسد. والأسوأ من ذلك، أن الخروج عن هذا المسار سوف يجعل من المستبعد جبر الأضرار التي ألحقتها الأزمة السورية بالعلاقات التركية الأمريكية.

لا ترتكبوا خطأ، فتركيا ستجد، بطريقة أو بأخرى، أرضية مشتركة مع روسيا وإيران. ومع ذلك فإن تركيا ستعتبر الولايات المتحدة قوة معادية إذا ما حزمت حقائبها وغادرت بعدما سلحت الامتداد السوري لـ"بي كا كا" وأنشأت منطقة عازلة لحماية الإرهابيين.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.