عودة العلاقات التركية المصرية ستعيد تشكيل الشرق الأوسط

إسطنبول
نشر في 24.03.2023 12:15

بالنظر إلى الروابط التاريخية العميقة والتقارب الثقافي بين تركيا ومصر، يمكن الاستدلال بسهولة على أنه لن يكون من الصعب إصلاح العلاقات بين البلدين وإعادة الدفئ لها.

قام وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بزيارة تاريخية إلى القاهرة، وهي المرة الأولى منذ 11 عاماً التي يزور فيها وزير خارجية تركي دولة مصر.

وبعد اندلاع حركات التمرد والثورات العربية عام 2011، تدهورت العلاقة بين تركيا ومصر من جهة وبين تركيا والدول العربية المؤيدة للوضع الراهن من جهة أخرى. ونتيجة لذلك، انقسمت دول الشرق الأوسط إلى معسكرين: ائتلافات مؤيدة للتغيير وأخرى مؤيدة للوضع الراهن. ومع توطيد الوضع الراهن والديناميكيات الجديدة، بدأت دول المنطقة في تطبيع علاقاتها مع بعضها.

وبدأت عملية التطبيع الأولى بين الدول العربية ذاتها إذ قامت تلك الدول بتطبيع علاقاتها مع قطر وفي وقت لاحق بدأت عملية تطبيع بين الدول العربية وغير العربية في المنطقة. وفي هذا السياق، قامت تركيا بتطبيع علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. لكن بدء عملية مماثلة مع مصر استغرق وقتاً طويلاً.

وبكل الأحوال فإن قوتين إقليميتين كبيرتين مثل تركيا ومصر، لا يمكنهما تجاهل بعضهما لفترة أطول. لذلك، كرس البلدان وقتاً مناسباً لإجراء محادثات استكشافية عام 2021. وكان من الصعب الوصول إلى مصالحة بين الدولتين المتنازعتين، لكن حقيقة أن التطبيع في الشرق الأوسط سيظل غير مكتمل دون تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة، جعلت كلاً منهما تتخذ خطوات جدية في هذا الشأن. وبادرت تركيا بالخطوة الأولى عندما حضر وزير الخزانة والمالية نور الدين نباتي الاجتماع السنوي للبنك الإسلامي للتنمية في القاهرة في يونيو/حزيران 2022. وانعكس الجو الإيجابي على العلاقات التجارية، فبعدما بلغ حجم التجارة بين تركيا ومصر 1.3 مليار دولار في الربع الأول من عام 2021، ارتفع بنسبة 85% في الربع الأول من عام 2022 إلى 2.5 مليار دولار. في حين واصلت المؤسسات الاقتصادية ترتيب اجتماعات مشتركة لتحسين العلاقات الاقتصادية بشكل أكبر.

كما أتاح حفل افتتاح كأس العالم فرصة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للجمع بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكانت تلك المرة الأولى التي يجتمعان فيها وجهاً لوجه منذ 10 سنوات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في الدوحة. وبعد الاجتماع، أكد الزعيمان على عمق العلاقات التاريخية وأشارا إلى تحسنٍ في عملية التطبيع. ومع ذلك، استمرت وجهات النظر المتضاربة بين البلدين في الأزمات الإقليمية.

الدبلوماسية في مرحلة ما بعد الزلزال

أتاحت الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب شرق تركيا يوم 6 فبراير/شباط، فرصةً أخرى لتنمية العلاقات الثنائية. ومثل العديد من الدول ذات العلاقات العدائية مع تركيا، مدّت مصر يد العون للبلاد بعد هذه الكارثة الكبرى. واتصل الرئيس السيسي بالرئيس أردوغان وقدم تعازيه وأبدى تضامن بلاده، قبل أن ترسل مصر أنواعاً مختلفة من المساعدات الإنسانية إلى منطقة الزلزال. وكخطوةٍ ثالثة، أرسلت مصر وزير خارجيتها سامح شكري إلى تركيا. وزار الوزير المصري ولايتي أضنة ومرسين المنكوبتين في 27 فبراير/شباط. وكانت تلك أول زيارة على مستوى وزراء الخارجية من القاهرة إلى تركيا منذ العقد الماضي. وخلال الزيارة التفقدية التي أجراها مع نظيره مولود تشاوش أوغلو للمناطق المنكوبة، ناقش شكري مع نظيره التركي خارطة الطريق المستقبلية لتطبيع العلاقات الثنائية.

وبعد اتفاق الجانبين، توجه مولود تشاوش أوغلو لإجراء أول زيارة وزارية من تركيا إلى مصر في 18 مارس/آذار للعاصمة القاهرة.

ومن بعض دلالات هذه الزيارة التاريخية نجد أولاً أن تبادل الزيارات أمر حاسم لتطبيع العلاقات الثنائية بين القوتين الإقليميتين. إذ سيحاول البلدان من الآن فصاعداً، اتباع سياسة مربحة للجانبين في المنطقة، وسيكونان أكثر حساسية لمصالح واهتمامات بعضهما، وسيتبادلان قريباً السفراء ويقيمان أعلى مستوى من العلاقات الدبلوماسية.

ثانياً، سيتخلى البلدان عن وجهات النظر المتضاربة والصفرية تجاه بعضهما. بعبارة أخرى، سيعيدان ضبط علاقاتهما الثنائية. وكما تُظهر تصريحات وزيري الجانبين، سيتم فتح صفحة جديدة بين تركيا ومصر، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بدايةً. وبعد ذلك، سيتم استكشاف فرص التعاون في مجالات مثل الاقتصاد والتجارة والطاقة والسياحة.

وفي هذا السياق، أكد تشاوش أوغلو أنه سيتم تشجيع الشركات التركية على الاستثمار في مصر في مختلف المجالات الاقتصادية، وخاصة في قطاعات التجارة والطاقة والنقل، وهو ما يعد مؤشراً عن التطور السريع للعلاقات الاقتصادية.

الأزمة الليبية

من خلال خطوات تحسين العلاقات الدبلوماسية، ستتشاور سلطات البلدين في الأزمات الإقليمية، وخصوصاً في المسألتين اللتين كانت العلاقات الثنائية بشأنهما أكثر توتراً في الآونة الأخيرة، وهما الأزمة الليبية والتطورات في شرق البحر المتوسط. وفي الوقت الذي يتوقع فيه الجانب المصري تغيير السياسة التركية فيما يتعلق بالوضع الليبي، يتوقع الجانب التركي أن تغير مصر سياستها تجاه شرق المتوسط.

ومع تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة، ستكون هناك تطورات جديدة في هاتين المسألتين بما يتماشى مع مصالح الطرفين. وفي مقابل طمأنة مصر بشأن ليبيا مع مراعاة الحساسيات المصرية ومحاولة إيجاد حل مشترك، تتوقع أنقرة ألا تشارك القاهرة في مشروعات من شأنها الإضرار بمصالح تركيا في شرق البحر المتوسط.

رابعاً، يعتبر تطبيع العلاقات بين أهم دول العالم العربي وتركيا إحدى أكثر الفاعلين نفوذاً في المنطقة، ذا أهمية كبيرة للاستقرار السياسي وازدهار المنطقة. ونظراً لأن دول الشرق الأوسط تعلم أنها لا تستطيع الاعتماد على القوى العالمية لحماية مصالحها الوطنية، فهي مصممة على تطوير مبادرات إقليمية وتحسين علاقاتها مع الجهات الفاعلة في الجوار. لذلك، من الطبيعي أن تعطي الدول العربية وغير العربية، الأولوية للمبادرات الإقليمية وتطبيع العلاقات الإقليمية البينية. علاوة على ذلك، فإن تداعيات محور التعاون بين أنقرة والقاهرة أكثر أهمية من أي محور إقليمي آخر. لذلك، ستعمد دول أخرى لاتباع نفس المسار، وتتشجع تركيا على إقامة علاقات بناءة مع الدول العربية الأخرى دون أي تحفظات.

وبالنظر إلى العلاقات التاريخية العميقة والتقارب الثقافي بين الجانبين، يمكن بسهولة استنتاج أن إصلاح العلاقات لن يكون أمراً صعباً. وستستعيد الدولتان قريباً علاقاتهما وتشرعان في عمليات تعاون مربحة للطرفين. وبما أن الظروف الإقليمية المتغيرة وتوازن القوى تتطلب تعديلاً في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، فإن دول المنطقة سوف تتصرف وفقاً لذلك وتسعى إلى علاقات متناغمة. ومع كل هذا الزخم من التحركات الأخيرة، ستكتمل دائرة التطبيع في الشرق الأوسط.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.