قراءات في دلالات محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز

إسطنبول
نشر في 16.07.2021 11:08
آخر تحديث في 16.07.2021 12:02

لم تكن محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز إحدى نقاط التحول الحاسمة في التاريخ التركي والديمقراطية التركية فحسب، بل كانت في الواقع حدثاً هاماً للعديد من الجهات الدولية الفاعلة التي تراقب نهضة تركيا عن كثب.

فالعملية الديمقراطية في تركيا واستقرار البلاد الاقتصادي كانا مصدر إلهام لكثير من الشعوب وشعوب العالم الإسلامي بخاصة، كما كانت مقاومة الشعب التركي الشجاعة للانقلاب العسكري عاملاً ملهماً آخر.

ولو لم يقاوم الشعب التركي محاولة الانقلاب، لكان من الممكن أن يكتسح التشرذم المجتمعي وانهيار أجهزة الدولة التركية عموم البلاد، ناهيك عن احتمال اشتعال حرب أهلية وزيادة الأنشطة الإرهابية داخل حدود تركيا إضافةً إلى الاحتلال غير القانوني لبعض مناطق الحدود التركية وغيرها من عوامل الضعف والتفكك، إذ لم يكن الانقلاب الفاشل مجرد هجوم على الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته، بل كان هجوماً شاملاً على الدولة التركية والديمقراطية.

تركيا مثال حي للديمقراطية الإسلامية

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 هجوماً على نموذج تركيا "للديمقراطية الإسلامية" تحت قيادة أردوغان، الذي حاولت تشكيله من خلال الديمقراطية والنظام السياسي الشامل الساعي لمعالجة مشاكلها السياسية والقانونية وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي كانت تعاني منه.

وتابع ملايين الأشخاص خصوصاً من شعوب الدول الإسلامية عن كثب التجربة الديمقراطية للبلاد والتقدم الاقتصادي في ظل إدارة حزب العدالة والتنمية فيما أعطت نجاحات تركيا وإنجازاتها الأمل للناس في معظم شرائحهم.

لكن النخب المنفصلة عن الشعوب والمستفيدة من النظام المناهض للديمقراطية في بلدانها بدت في المقابل منزعجةً بشدة من نجاح تركيا وإنجازاتها لأن في نجاح النموذج التركي تهديدا كبيرا لهم.

لذلك أرادت النخب السياسية في دول المنطقة التي أزعجها التغيير الديمقراطي زعزعة استقرار تركيا واستغلوا خطاب "التهديد الراديكالي" و"العثمانية الجديدة" لشيطنة تركيا وتقييد نفوذها الإقليمي.

في الوقت نفسه، كان النظام المناهض للديمقراطية وعدم الاستقرار في تركيا نعمةً بالنسبة لهم وثغرةً تمكنوا من خلالها من دعم ورعاية شبكات إرهابية من جماعة غولن الدموية وتنظيم ي ب ك/بي كا كا المشؤوم وداعش، من أجل زعزعة استقرار البلاد الذي أرسته تحت قيادة أردوغان، وتمكنت من خلاله من الحفاظ على نظام حكم ديمقراطي يتماشى مع القيم التقليدية التركية والفئات المهمشة.

لكن كيف تمت عملية المصالحة التي شكلت أساساً للديمقراطية؟

لقد أدى مشروع تركيا الاستبدادي وبناء الدولة من أعلى إلى أسفل إلى تهميش الأكراد والمسلمين المحافظين والعلويين لعقود. وساعدت الجهود المبذولة لاستيعاب الدوائر المحافظة في ظل النظام الديمقراطي على منع تطرف هذه الجماعات، فيما بدأ أردوغان عملية المصالحة التي هدفت إلى تلبية احتياجات أكراد تركيا ودمجهم كأعضاء متساوين ومحترمين في المجتمع التركي.

وسعت العملية إلى تهميش عناصر بي كا كا وتنشيط العناصر الفاعلة في الديمقراطية الشرعية بين أوساط السكان الأكراد وذلك جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الاقتصادي والتقدم في البلاد. وكانت تلك الجهود مشروعاً حاسماً حاول تحقيق نظام سياسي ديمقراطي قوي ومستدام في تركيا بعد أن أضعفت الانقسامات المجتمع التركي والاقتصاد التركي لعقود من الزمان وأتاحت مساحة أكبر لسيطرة نفوذ الوصاية.

تسلل منظمة غولن الإرهابية

لسوء الحظ، أراد أعضاء منظمة غولن الإرهابية الذين اخترقوا أجهزة الدولة والمجتمع المدني في تركيا، منع نجاح البلاد وإنجازاتها نحو مجتمع أكثر شمولية واستقراراً وازدهارا. فقاموا باستهداف الديمقراطية التركية وعملية المصالحة ووحدة وسلامة الدولة التركية وكذلك الأجهزة الأمنية.

ثم دعمتهم ورعتهم القوى الخارجية التي أرادت استخدام تركيا والتلاعب باقتصادها وأجهزتها الأمنية لمصالحها الأنانية.

وكان هدف القوات الموالية للانقلاب والموالين لتنظيم غولن الإرهابي، إبقاء تركيا تحت السيطرة بإغراقها بالمشاكل والتفكك. فكانت منظمة غولن الإرهابية واحدة من أقوى أدواتها واستثماراتها داخل تركيا. ولم تمتنع تلك القوات حتى عن التذمر من تطهير أجهزة الدولة التركية من القوات الانقلابية.

وفشل حلفاء تركيا في الغرب في إظهار الدعم الضروري للديمقراطية التركية والتضامن مع الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.

حتى أن هؤلاء الممثلين "آووا" الانقلابيين وأعضاء منظمة غولن الإرهابية، وكان رعاتهم الخارجيون والداعمون الداخليون لهم يهدفون إلى النيل من وحدة تركيا واستقرارها وديمقراطيتها. ولا يزال الشعب التركي يشكك وينتقد الأدوار التي تلعبها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الأخرى.

لكن الأمة التركية كرهت العودة إلى الأيام التي كانت فيها قوات الوصاية هي من يحدد مصير البلاد، الأمر الذي دفع مئات الآلاف من الأشخاص من مختلف الخلفيات السياسية والأعمار من الرجال والنساء إلى النزول للشوارع لمنع الاعتداء على الديمقراطية التركية.

وكان موقف أردوغان ومقاومته حاسماً في تحفيز الشعب التركي على مقاومة الانقلاب.

لقد كانت أحداث 15 يوليو/تموز انتصاراً لكل من آمن بالديمقراطية في تركيا. وكانت تلك الليلة أيضاً مصدر إلهام لملايين الأشخاص في جميع أنحاء تركيا ممن يتعاطفون مع التقدم الديمقراطي والاستقرار في البلاد.

لذلك لا بدّ من الحفاظ على الروح الديمقراطية حيةً في تركيا وشرح منطق وأهداف الانقلاب الفاشل للجهات الدولية.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.