لماذا تتسم علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا بطبيعة متغيرة؟

نشر في 05.10.2021 12:05

التقى الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي. واحتلت العديد من القضايا مكاناً بارزاً على جدول أعمال القمة، وخاصة أن الرئيسين لم يحظيا بفرصة اللقاء الشخصي لأكثر من عام ونصف. واستمر اجتماع أردوغان - بوتين أكثر من 3 ساعات ووصفت بيئة انعقاده بأنها بناءة. وبُعيد انتهاء القمة صدر بيان صحفي قصير دون ذكر تفاصيل اتفاق محدد. وقرر الزعيمان الإبقاء على الوضع الراهن في إدلب، مشيرين إلى رغبتهما في تعميق التعاون في قطاعي الدفاع والأمن، ووعدا كذلك بتحسين علاقاتهما الاقتصادية.

وكانت القضية الأساسية المطروحة على الطاولة خلال قمة أردوغان - بوتين، هي زيادة هجمات النظام والروس على إدلب وعفرين، بشكل يهدد شروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2018. وأكد الزعيمان رغبتهما في الحفاظ على الوضع الراهن في سوريا والعمل معاً لاستعادة الأمن والاستقرار في البلد الذي مزقته الحرب. وتتعرض كل من موسكو وأنقرة مؤخراً لضغوط غير مسبوقة لإيجاد حل سياسي في سوريا، بسبب التكاليف المستمرة والمخاطر الأمنية المحتملة للحرب الأهلية السورية.

أنقرة غير راضية عن سياسات واشنطن

وفور عودته إلى أنقرة، سلط أردوغان الضوء على شكواه بشأن بريت ماكغورك، الذي يشغل حالياً منصب منسق شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي. وأعرب الرئيس عن مخاوفه بشأن جهود ماكغورك المستمرة لدعم ورعاية ي ب ك/بي كا كا الإرهابي.

إن جهود واشنطن المستمرة لدعم التنظيمات الإرهابية شمالي سوريا مثل ي ب ك وما يسمى قوات سورية الديمقراطية "قسد"، تهدد الأمن القومي التركي وتشجع دموية بي كا كا أكثر. وبالرغم من أن ممثل الولايات المتحدة لم يكن حاضراً في اجتماع سوتشي، إلا أن موقف بلاده كان له تأثير كبير على جدول أعمال اجتماع أردوغان وبوتين. وتتوقف علاقات أنقرة مع موسكو على علاقاتها مع واشنطن وبروكسل.

فالسياسات غير المتعاونة والمواقف العدائية لواشنطن تجاه أنقرة تضعف موقف تركيا التفاوضي مع موسكو. الأمر الذي ينعكس سلباً على الصراع في كل من سوريا وليبيا، حيث لا تزال موسكو تتمتع بموقف قوي مدعوم بقدراتها العسكرية على الأرض. وتتابع موسكو باهتمام علاقات أنقرة مع واشنطن، لتستفيد بالطبع من الخلاف المستمر بين الحليفين في الناتو.

ومع ذلك تحول الخلاف بين أنقرة وواشنطن في النهاية إلى فرصة جديدة للتنسيق والتعاون بين أنقرة وموسكو. وامتنعت واشنطن أيضاً عن إثارة توترات جديدة مع موسكو، في مسعىً لتركيز جهدهما لمواجهة النفوذ المتزايد للصين. يبدو أن واشنطن مستاءة من الوضع الراهن في علاقاتها مع كل من موسكو وأنقرة. لهذا السبب امتنعت واشنطن بشكل صارم عن اتخاذ خطوات من شأنها أن تولد شكوكاً جديدة.

الإبقاء على الوضع الراهن مع أنقرة وموسكو

تستمر واشنطن بدعم ورعاية تنظيم ب ي د وتنظيم ي ب ك الإرهابي، بالرغم من إدانة أردوغان والمسؤولين الأتراك دعم واشنطن المستمر لهذه التنظيمات في كل مناسبة. ومع قضية إس -400 وعقوبات واشنطن التي تمنع تسليم مقاتلات إف -35، فإن موقف واشنطن من ي ب ك الإرهابي يسمم العلاقات بين الحليفين في الناتو.

ويواصل المسؤولون في واشنطن التعبير عن الموقف نفسه في كل اجتماع بدلاً من الانخراط في الدبلوماسية مع أنقرة لإيجاد أرضية مشتركة بشأن القضايا المذكورة. وهم بذلك إنما يسعون فقط لكسب المزيد من الوقت ويتوقعون من نظرائهم الأتراك قبول الوضع الراهن، مع أن أنقرة ترد بعبارات متشابهة تقريباً بعد كل اجتماع فاشل.

وإذا ما استخدم الجانب التركي العبارات الصريحة بشأن انتقاداته لخط السياسة الأمريكية، تنهال عليه تهديدات جديدة من واشنطن. الأمر الذي يؤكد أن الولايات المتحدة لا تزال تريد الحفاظ على حالة الجمود وتتوقع بعض التغييرات السياقية لمقاربة تغيير سياستها مع أنقرة. ومع تكرار هذا السيناريو عدة مرات بدأ أنصار التطبيع التركي الأمريكي يفقدون الأمل، في حين أن الجمهور التركي أصبح أكثر استياءاً من الفائدة المرجوة من كون تركيا حليفاً لواشنطن في الناتو.

وتستمر جوقة الإرهابيين في بث الرعب من الأتراك في الولايات المتحدة، بما في ذلك تنظيم بي كا كا الإرهابي وجماعة غولن الإرهابية الدموية وجماعات الضغط اليونانية والأرمن في الشتات، ما يعطي بعض المبررات الواهية لعدم تحسين العلاقات مع تركيا. ومؤخراً بدأ تأثير الجوقة المعادية للأتراك يتراجع وضعفت قدرته على زيادة التوترات بين أنقرة وواشنطن في الشهرين الماضيين. لكنهم نجحوا نسبياً في الحفاظ على الوضع الراهن السلبي مع أنقرة ومنع إدارة بايدن من الانخراط بشكل بناء أكثر مع أردوغان.

لقد أبدى الجانب التركي عدم رضاه عن المأزق الحالي مع الولايات المتحدة، بل أشار إلى المزيد من الخطوات السلبية إذا ما هدد خط سياسة واشنطن الأمن القومي لتركيا.

كما أن الموقف المتحيز والمدفوع أيديولوجياً تجاه تركيا يهدد الولايات المتحدة والمصالح الإقليمية أيضاً، لأن العداء الأيديولوجي يستمر في هزيمة المطالب المشتركة العملية. كما أن رعاية البنتاغون المستمرة لتنظيم ي ب ك الإرهابي توقف المزيد من تعاون القوات التركية الأمريكية في المناطق الحرجة الأخرى.

يبدو أن واشنطن لن تغير موقفها من أنقرة حتى انتخابات 2023 الرئاسية في تركيا حيث يواصل الكثيرون في واشنطن تمنياتهم في أن تعمل المعارضة في تركيا معاً لهزيمة أردوغان وتحالف الشعب. لكن مع الأسف حتى هذه الخطة الافتراضية في حال نجاحها لن تكون الدواء الشافي لاستعادة العلاقات التركية الأمريكية.

وبينما تخطط واشنطن لجهود جديدة لاحتواء تركيا في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، تكتسب العلاقات التكتيكية بين أنقرة وموسكو أرضية أكثر جوهرية.

في الواقع ،تحاول إدارة بايدن الحفاظ على الوضع الراهن مع موسكو أيضاً. ولا ينبغي لنا كمحللين للوضع، أن نتوقع انفراجة في العلاقات التركية الأمريكية قريباً بسبب الطبيعة العرضية للعلاقات الدبلوماسية المعقدة مع بعض الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك روسيا. فواشنطن لا تريد أي انحرافات أو مفاجآت جيوسياسية أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعلاقات عبر الأطلسي. لكن عليها أن تتذكر أن أدواتها القسرية ولعبة العقوبات التي تتبعها بدأت تفقد فعاليتها بشكل تدريجي. وقد يقوم ضحايا العقوبات الأمريكية والسياسات القسرية في نهاية المطاف، بزيادة تعاونهم وتنسيقهم مع بعضهم، للتغلب على الصعوبات التي يواجهونها. وبالرغم من خلافاتهما الاستراتيجية، فإن العلاقات التركية الروسية تكتسب أرضية أقوى. بل تعمل سياسات واشنطن وجهودها للحفاظ على الوضع الراهن من حيث لا تدري، كمحفزات أساسية لمثل هذه النتيجة.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.