هل يمكن لماكرون إيقاف تراجع الاتحاد الأوروبي عن القيم؟

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 09.05.2017 00:00
آخر تحديث في 10.05.2017 00:03
إيمانويل ماكرون عشية انتخابه رئيسل للجمهورية الفرنسية. أ ف ب إيمانويل ماكرون عشية انتخابه رئيسل للجمهورية الفرنسية. أ ف ب

جاء إيمانويل ماكرون من اللا مكان تقريبا، ليحقق فوزا فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا يوم الأحد، بشبابه واعتقاداته حول فرنسا ومستقبل أوروبا وميوله المؤيدة للأعمال، كل ذلك وأكثر، وفر تبايناً صحياً بينه وبين مارين لوبان، حيث كان يدرك جيدا أنه سيجذب دعما كبيرا من أولئك الذين لم يكونوا قد صوتوا له قبلا. قد تظهر الأشهر القليلة المقبلة كيف أن الثقة التي أعطيت له ليست حقيقية في مجملها، لكن، في الوقت الراهن، يجب أن نعطيه دعمنا الكامل لأنه يواجه العديد من التحديات.

لقد أصبح ماكرون رئيسا لفرنسا فى وقت تشهد فيه البلاد وباقي القارة الأوروبية سيطرة الهوس المناهض للمهاجرين والمسلمين ومناهضي تركيا. عندما ينظر المرء إلى ما يسمى بقادة الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، فمن الواضح أن الكثيرين قد استسلم لشعبية اليمين المتطرف، في محاولة للاستيلاء على السلطة من خلال تبني شعارات، إن لم يكن مشاعر الحركات العنصرية والفاشية.

ومن الجدير بالثناء أن ماكرون لم يناصر الخطاب المليء بالكراهية للمتطرفين خلال الحملة الانتخابية الساخنة. وفي نهاية المطاف، رفض غالبية الناخبين الفرنسيين ما تحمله لوبان. لم نشهد مثل هذا الموقف المبدئي أثناء الانتخابات العامة في هولندا، حيث تنافس السياسيون مع بعضهم بعضا في الخطاب المناهض للمسلمين والمناهض أيضا لتركيا.

ومع ذلك، فإن معركة ماكرون الانتخابية مجرد بداية. إضافة إلى مسؤولياته الكبيرة حول مستقبل فرنسا، فإنه يحتاج أيضا إلى مواجهة الاتحاد الأوروبي، المريض في جوهره، والذي يحتاج إلى إنعاش من ذهوله الحالي.

ينبغي أن يصطف الاتحاد الأوروبي، جنبا إلى جنب بجميع مؤسساته، للوقوف على ما هو صحيح. الأمر يحتاج إلى غطاء شرعي عام، وليس إلى مجموعة من البيروقراطيين غير الخاضعين للمساءلة يلقون بالمواعظ من بروكسل. "بريكسيت" لم يكن من قبيل المصادفة و"فريكسيت" كذلك.

مثّل انتصار ماكرون انتصارا ضد الشعبوية اليمينية المتطرفة. وإذا أريد لها أن تثبت وجودها لفترة أطول، فإنها تحتاج إلى عمل مستدام.

كان الاتحاد الأوروبي، الذي تتطلع تركيا إلى الانضمام إليه، مشروعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا طموحا بشكل لا يصدق. لكن في العقد الماضي، خانت الدول الأعضاء رؤية مؤسسيه، الواحدة تلو الأخرى لمجرد شهوة السلطة. هذا ما يحتاج ماكرون إلى القتال من أجل إنهائه بكل ما يملك.

إن الأتراك الذين يتطلعون إلى أوروبا، يرون القارة منقسمة على نفسها، ويشير السياسيون إلى كل مجموعة باعتبارها وسيلة لشرح مشاكلهم، وليس حلها. ليس من قبيل المصادفة أن يستجيب بعض المسلمين الأوروبيين في تلك المجتمعات التي يكبرون فيها لغسيل الدماغ الذي يجرى لهم من قبل الجماعات الإرهابية مثل داعش.

تركيا، كشريك وعضو طموح، هي الترياق المثالي للتطرف في جميع أشكاله، كما سبق لأسلاف طبقة السياسيين الأوروبيين الحالية أن فهموا بحق.

ماكرون يواجه معركة شاقة لمحاربة الشياطين التي أدت إلى تآكل أسس أوروبا المتحدة. فالقارة بحاجة إلى سياسيين يستطيعون قول الحقيقة دون الخوض في الغرائز الأساسية للجمهور وتوفير رؤية لمستقبل شامل. الزمن وحده سيقول لنا ما إذا كان انتصار ماكرون يحمل في طياته نعمة للأوروبيين، أو أنه مجرد انتصار عابر ضمن مسيرة ضيقة الأفق. ونحن في ديلي صباح، نأمل الأفضل.