تركيا رائدة وسبّاقة في تعزيز "الاقتصاد الأزرق"

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 09.08.2023 15:29
آخر تحديث في 09.08.2023 15:31
Getty Images (Getty Images)

يمكن للاقتصاد الأزرق أن يساهم في التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال تبني الحلول الطبيعية، ولا سيما من خلال دوره في الانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضراراً مع طاقة نظيفة مستمدة من مصادر المحيطات.

في السنوات الأخيرة، واجهنا العديد من المخاطر الصعبة التي أرهقت العالم والإنسانية، بما في ذلك وباء كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى إلى عدم كفاية الإجراءات المتخذة بشأن المسائل العاجلة مثل تغير المناخ.

ومع إدراك أن كل دقيقة تأخير ليست في صالح الإنسانية، هناك مسعىً جاد على الساحة الدولية لإحداث أدوات وسياسات جديدة يمكن أن تسهم في الحفاظ على الكوكب وتساعد في تحقيق التنمية المستدامة. وهناك عنوان برز مؤخراً ولا يبدو أنه سيفقد مكانه في المقدمة على جدول الأعمال، وهو "الاقتصاد الأزرق".

ويكتسب "الاقتصاد الأزرق" الذي يُنظر إليه على أنه الاستخدام المستدام للمحيطات والموارد البحرية والحفاظ عليها لتحقيق النمو الاقتصادي، اهتماماً متزايداً في سياق مكافحة المخاطر المختلفة التي يواجهها كوكبنا، بما في ذلك الحد من الفقر والأمن الغذائي وتغير المناخ.

ويعرّف البنك الدولي "الاقتصاد الأزرق" بأنه الاستخدام المستدام لموارد المحيطات للحفاظ على صحة النظم البيئية لها مع المساهمة في النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش وخلق فرص عمل. وقد وسّعت المفوضية الأوروبية هذا التعريف ليشمل جميع الأنشطة المالية المتعلقة بالمحيطات والبحار والسواحل تحت مظلة الاقتصاد الأزرق، ما يشير إلى ترابطه وتغطيته لمجموعة واسعة من القطاعات النامية.

ويُنظر إلى الاقتصاد الأزرق على أنه حل للأزمات العالمية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في العقد الماضي، حيث يرتكز على مفهوم أن المحيطات وموارد المياه يمكن استخدامها على نحو مستدام لتعزيز الازدهار الاقتصادي.

ومع توقع أن يتجاوز عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، ما يؤدي بلا شك إلى زيادة كبيرة في الطلب على الغذاء والطاقة والمواد الخام مقارنة باليوم، فإن إدراج المحيطات في معادلة النمو الاقتصادي يعتبر أمراً ضرورياً.

ومع ذلك، فإن المحيطات تتعرض بالفعل لتهديدات خطيرة بسبب الاستغلال المفرط والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ. وبالتالي، يجب بذل جهد واعي أولاً لمنع تلوث المحيطات، وبالتالي تعزيز عائداتها الاقتصادية. وفي هذا الصدد يعتبر إدراك العلاقة بين الاقتصاد الأزرق وتغير المناخ ومعالجتها، مفيد للغاية وحاسم.

وفيما يتعلق بتركيا، فإن البحر الأبيض المتوسط يعاني بالفعل من تداعيات ارتفاع مستويات سطح البحر، وتحمض المحيطات وتزايد وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، ما يشكل تهديدا ليس فقط لقطاعات الاقتصاد الأزرق التي تعتمد على نظام صحي للبيئة البحرية ولكن أيضاً للمجتمعات الساحلية.

وتؤثر هذه المحن بشكل مباشر على قطاعات الاقتصاد الأزرق مثل صيد الأسماك والسياحة، ما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الاقتصادية والعواقب السلبية المحتملة على الاقتصاد مثل انخفاض الإنتاجية وفقدان الوظائف.

وفي هذا السياق، ترتفع درجة حرارة منطقة البحر الأبيض المتوسط بنسبة 20% أسرع من المناطق الأخرى، حيث تتجاوز درجات حرارة سطح البحر بالفعل المتوسط العالمي.

وبالنظر إلى أن البحر الأبيض المتوسط يستضيف 18% من الأنواع البحرية المعروفة في جميع أنحاء العالم، فإن المنطقة تواجه مخاطر كبيرة تتعلق بفقدان التنوع البيولوجي والتدهور الاقتصادي.

وتشغل تركيا منصباً فاعلاً في الاقتصاد الأزرق لمنطقة البحر الأبيض المتوسط. وتمتلك المنطقة، من خلال اعتمادها على البحر في صناعات متنوعة مثل صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية والسياحة والطاقة المتجددة، إمكانات هائلة لتطوير الاقتصاد الأزرق.

وقد قدّر تقرير الصندوق العالمي للطبيعة- تركيا لعام 2017 بعنوان "إحياء اقتصاد البحر الأبيض المتوسط"، القيمة الاقتصادية للأنشطة المتعلقة بالاقتصاد الأزرق في البحر الأبيض المتوسط بنحو 450 مليار دولار سنوياً.

ووفقاً للتقرير، تدر السياحة الساحلية وحدها 300 مليار دولار من العائدات السنوية، تليها السياحة البحرية بمبلغ 110 مليار دولار. كما يساهم صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية بما يقرب من 2 % من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل حوالي 8 مليارات دولار سنوياً، ولن يكون من الخطأ افتراض أن هذه الأرقام قد تكون أعلى هذا العام.

وتستفيد تركيا بشكل كبير من النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية المتنوعة للبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مناطق الصيد وتربية الأحياء المائية المهمة، مع إظهار الالتزام الضروري بالحفاظ على النظام البيئي. وينمو الاقتصاد الأزرق في البلاد بسرعة، ما يزيد من القيمة التي تولدها الصناعات القائمة على البحر، والتي تخلق آلاف الوظائف وتدعم سبل العيش في المجتمعات الساحلية.

وبالإضافة إلى ذلك، يتم دعم الاقتصاد الأزرق في تركيا من خلال قطاع بحري قوي يشمل بناء السفن وصيانتها إضافةً إلى أنشطة الموانئ. وبالنظر إلى التطورات في أسواق التمويل الخضراء والمستدامة، يمكن أن يكون لهذه التطورات آثار إيجابية أكثر في المستقبل القريب.

وتتخذ تركيا أيضاً خطوات قوية وشاملة نحو هدف 2053 صافي الانبعاثات الصفرية حيث يتصدى البلد بنشاط لمخاطر تغير المناخ التي يواجهها كل من البحر الأبيض المتوسط والبحار الأخرى، ما يدل على المشاركة الاستباقية. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تنفيذ مشروع محطة طاقة تجريبية في زونغولداك عام 2017. ومؤخراً، تم توقيع بروتوكول بين شركة إيكو ويف باور الإسرائيلية وشركة أوران أوردو إنيرجي التركية التابعة لبلدية أوردو لإنتاج الطاقة من أمواج البحر الأسود.

ومن المقرر أن تكون محطة الطاقة المخطط لها والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية 77 ميغاواط وبتكلفة تقريبية تبلغ 150 مليون دولار، أكبر محطة للطاقة على مستوى العالم والأولى من نوعها في تركيا.

وتتمتع بحار تركيا بإمكانيات هائلة لدعم التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي من خلال الاقتصاد الأزرق. وإدراكاً من الحكومة لذلك، فإن البلاد أصبحت رائدةً في دعم ممارسات الاقتصاد الأزرق المستدامة في منطقتها. كما استضافت تركيا وترأست المؤتمر الثاني والعشرين الدول الأعضاء في اتفاقية برشلونة لحماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط في 7-10 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وقد نجحت تركيا في تعزيز التعاون القيم مع أصحاب المصلحة وتشكيل شراكات مهمة للمساعي الجارية، ومن المتوقع استمرار الزخم في هذا المجال.

وختاماً فإن الحفاظ على البيئة الطبيعية التي توفرها الجغرافيا والاستفادة من فرصها بطريقة صديقة للبيئة أمر بالغ الأهمية لمستقبل صحي لكوكبنا والأجيال القادمة، ولا تساهم جهود تركيا لتعزيز ممارسات الاقتصاد الأزرق المستدامة في الحفاظ على الموارد البحرية فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى نتائج إيجابية للاقتصادات الإقليمية والبيئات والسكان، ويجب أن تستمر الجهود التعاونية لدعم ممارسات الاقتصاد الأزرق المستدامة، حيث تلهم قيادة تركيا الدول الأخرى لتحذو حذوها، لا سيما في منطقة البحر الأبيض المتوسط.