ضع يدك بيدي.. نبنِ غدك وغدي

ضع يدك بيدي.. نبنِ غدك وغدي

"أين العدالة".. واحدة من العبارات التي لفتت انتباهي وأنا أتصفح بعض المواقع الإلكترونية. موظف في إحدى الشركات، كان في غاية الاستياء من فكرة استغلال المدير لقدراته. وأنه رغم كل الجهود التي يبذلها، إلا أنه بالمقابل لا ينال أي دعم مادي أو معنوي.. بل على العكس من ذلك، فإن كل الامتيازات التي تحال إلى القسم، تذهب ـ بشكل مباشر ودون نقاش ـ إلى المدير. فيرتقي بمنصبه بطريقة أتوماتيكية على حساب موظف آخر، أو مجموعة من الموظفين قدموا كل ما في وسعهم لدعم المشروع ومن ثم دعم المؤسسة بكاملها و الحفاظ على بريقها وحسن صيتها.

مبدئيا، فإن هذا الشخص المستاء لن يُمنح الحق كله، رغم كل ما يشعر به من تواطؤ يحدث على المنصة، واقتناعه بأن الأسلوب المتبع في الترقية وتوزيع الشكر والمكافآت، يكون على حساب من هم أقل منزلة في المؤسسة الواحدة. لن يُمنح كامل الحق، رغم ما يشعر به من غياب للعدالة وغياب للقوانين التي تحافظ على حقوق الآخرين، وتنجيهم من مسألة التهميش و لو بنسبة بسيطة. لن يُمنح المطلق من الحق، لأن القضية ليست قضية عدالة و مساواة بين الأفراد، وإنما قضية الحفاظ ـ و بشتى الطرق ـ على تلك المؤسسة، قائمة و منافسة لغيرها من المؤسسات في إطار أوسع لمفهوم العمل. و لأن الموظف حينما وافق سالفا على شروط العمل يعني أنه وافق أن يكون فردا في مؤسسة، بمعنى أن يكون حلقة لسلسلة واحدة مترابطة ومتلاحمة، تدعم كل حلقة فيها الحلقة التالية بغض النظر عن طريقة الدعم أو مقداره.

لو كان الفرد هنا قد دخل غمار منافسة فردية لاختلف الأمر، فساعتها سيكون من حقه الانزعاج من المنهجية المتبعة، ومن حقه أيضا الدفاع عن أبسط الجهود المبذولة. ولأن الحال ليس كذلك، فنفوره من السياسة الداخلية للمؤسسة لن يغير شيئا من سيرورة العمل ومنواله، والمكافأة لن تترك طريقها الطبيعي إلى المدير لتتجه نحوه.. إلا في حالة واحدة؛ حين يعرف المدير أن استمراره في الإدارة مرتبط باستمرار الكفاءات التي تدير شؤون المؤسسة معه.. وحين يدرك هذه القاعدة يرضخ بسلام لفكرة تقسيم ما يصله من ماديات ومعنويات على كل حلقة من حلقات سلسلته؛ انطلاقا من نائبه، إلى الفرد الذي يحرص كل صباح أن يضع فوق مكتبه فنجان قهوة يرتشفها على مهل.

ولأنه من النادر حدوث ذلك، تنقاد المؤسسات في الكثير من الأحيان إلى فك السلسلة الملتحمة و تحويلها إلى مجرد حلقات تائهة، لا دراية لهذه عن السابقة التي ستسند إليها ظهرها، و لا عن اللاحقة التي ستمد إليها يدها. والحال كذلك، يتلاشى مفهوم " الجميع" ليبرز بدلا منه مفهوم "الفرد"، يضمحل " الكل" في " الأنا" و يتولد النفور شيئا فشيئا بين الأفراد الذين كثيرا ما يجدون أنفسهم في وضعيات حرجة مع الآخرين.. دون تفكير، انتباه أو قصد يجرح هذا الآخر.. و بدل التفكير في الاعتذار ـ لفظا أو سلوكا ـ ينسحب الفاعل وكأن شيئا لم يحدث، ليفتح للطرف الآخر مجال الانتقام؛ يتركه يفكر، بل يحترف التفكير، في خلق أسباب وهمية تدعم فكرته للأخذ بالثأر. تتحول بذلك النزاعات البسيطة إلى صراعات أزلية، معقدة و متراكمة مع أن سبب تراكمها الوحيد هو الصمت و قلة الحوار بطريقة حضارية.

في حين أن إدراك الحاجة إلى الاعتذار، بين الحين والآخر، يحل الكثير من التعقيدات و يخفف من حدة الأذية. وممارسة الحديث و بعض مهارات الحوار، تنهي سنوات من البلبلة و وجع الضمير.

إن توسيع نطاق التفكير، و التحكم في ردات الفعل العشوائية، يقلص و بشكل ملحوظ من حجم المشاكل التي يعيشها أفراد المؤسسة الواحدة. و على الصعيدين؛ الآمر و المأمور، هناك الكثير من الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار، أهمها وكما هو الحال في كل مجال من مجالات الحياة؛ تحاشي الإفراط والتفريط.. الآمر مثلا، لو شجع نفسه على استحضار جهود المأمور، و سحبه ليضع قدميه على منصته و تقاسم معه طعم النجاح موسم الجني، لما تسللت إليه فكرة الاستغلال.. على العكس، فخطوة بسيطة كهذه تعزز ثقة المأمور بنفسه، وتقوي روح المسؤولية فيه، ستجعله يدرك دائما أنه لبنة أساسية من جدار صلب، لا يهم فعلا موقعها في الجدار، ما يهم أكثر أن إزالتها قد يسبب خللا و ربما قد تعود بالمؤسسة إلى مراحلها الأولى.

اختر لنفسك النجاح أو الخسارة.. لا تترك الأمر للحظ و إنما تحكم فيه بنفسك، فأنت أنت و أنت المؤسسة في نفس الوقت. و هذه العلاقة المتعدية التي لا مفر منها، لن تتحقق إلا بوضع اليد باليد.. ساعتها فقط تكون قد أحطت حاضرك و مستقبلك بسور حماية.

إسطنبول

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.