ما مدى استعدادنا لأزمة عالمية جديدة؟

طلحة كوسا
نشر في 24.03.2020 13:57
آخر تحديث في 25.03.2020 05:03
ما مدى استعدادنا لأزمة عالمية جديدة؟

وضعت بعض البلدان خططاً لمواجهة الفيروس بناء على أن المشكلة قد تستمر لأكثر من عام. الأمر الذي يعني كارثة للعديد من المجالات، لأن أي من القطاعات لم تتعرض لمثل هذا التهديد الشامل من قبل ومن ثم لم تضع خططاً لتقييم المخاطر الخاصة بها، كما أن الطبيعة غير المتوقعة للفيروس تزيد من تأثيره المذهل. أما بعض البلدان الأخرى فصاغت استراتيجيات ضعيفة وسطحية لمعالجة المشكلة. الأمر الذي قد يعرضها للخطر إذا لم يتم تنسيق جهود مكافحة الوباء.

تصدر موضوع انتشار فيروس كورونا المستجد ساحة النقاشات والحوارات في المحافل العلمية العالمية وفي الأوساط الشعبية في جميع أنحاء العالم على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. وزادت وسائل الإعلام الدولية الرئيسية من تغطيتها للوباء بشكل يوحي أن الفيروس سيستمر في كونه الظاهرة العالمية الأكثر خطورة، على الأقل حتى صيف 2020.

ومن المرجح أيضاً أن تستمر مناقشة العواقب الطبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للوباء ودراستها أكاديميا لسنوات عديدة قادمة. كما يحاول علماء السياسة الدولية وممارسوها وأصحاب القرار أيضاً فهم الظواهر المتعلقة بهذا الوباء وفقاً لمصالحهم. لكن هذا الوضع استثنائي، وقد لا تكون الأطر النظرية كافيةً لإدراك العواقب المحتملة للمشكلة.

يشعر الأشخاص الذين حبسوا في منازلهم بالتوتر والارتباك مع توارد الأخبار المشؤومة حول العواقب المحتملة للوباء. ويعمل الأكاديميون وصناع السياسات في جميع المجالات على فهم المشكلات المتعلقة بـ كوفيد-19 والاستجابة لها. فهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها جيلنا جائحة عالمية، وليس لدينا مبادئ توجيهية واضحة لمعالجة هذه المشكلة على المستوى العالمي.

وعالم اليوم هو أكثر سكاناً وأكثر تعقيداً مما كان عليه في عام 1918 عندما هزّ وباء الإنفلونزا الإسبانية أركان العالم. وبات من الواضح أن التحدي العالمي لا يمكن معالجته إلا جزئياً من خلال الاستجابات المحلية والوطنية. فالدول المختلفة لديها إستراتيجيات وقدرات مختلفة، والانشغال في النضال العالمي ضد الوباء يقلل من فعالية جهود النضال المحلي.

وضعت بعض البلدان خططاً لمواجهة الفيروس بناء على أن المشكلة قد تستمر لأكثر من عام. الأمر الذي يعني كارثة للعديد من المجالات، لأن أيا من القطاعات لم تتعرض لمثل هذا التهديد الشامل من قبل ومن ثم لم تضع خططاً لتقييم المخاطر الخاصة بها، كما أن الطبيعة غير المتوقعة للفيروس تزيد من تأثيره المذهل. أما بعض البلدان الأخرى فصاغت استراتيجيات ضعيفة وسطحية لمعالجة المشكلة. الأمر الذي قد يعرضها للخطر إذا لم يتم تنسيق جهود مكافحة الوباء.

فهل نحن مستعدون لعالم ما بعد كوفيد-19؟

نحن نواجه مشكلة تهدد البشرية جمعاء في مختلف مناحي الحياة، والمجتمع العلمي وصانعو السياسات في جميع أنحاء العالم تفاجؤوا أنهم في خضم هذه العاصفة لا يملكون إستراتيجية للتعامل معها. كما أن نقص التنسيق وكثرة الخلافات سيقوضان بشكل كبير الجهود المبذولة للتعامل مع المرض.

حتى الاتحاد الأوروبي فشل في اجتياز أول تحدٍ كبير له في مواجهة جائحة عالمية كما فشلت المؤسسات الأوروبية والبيروقراطية والمعايير والقيم التي طالما افتخر الأوروبيون بإنشائها في العقود العديدة الماضية في الاستجابة لتهديد الوباء بطريقة منسقة. وحاولت دول الاتحاد الأوروبي صياغة استراتيجياتها، لكن سياستها هذه تحولت إلى كارثة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. وقامت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف بإغلاق حدودها بدلاً من إيجاد إستراتيجية منسقة للتعامل مع الأزمة. إن محنة الاتحاد الأوروبي جعلته يفقد مكانته كقدوة للمجتمعات الإقليمية الأخرى.

واليوم ينبغي للباحثين الدوليين وأساتذة العلاقات الدولية أن يعيدوا التفكير في المعرفة التي يقدمونها ويعلمونها للأجيال، لأن النظام العالمي والسياسة الدولية سيختلفان بعد تفشي الفيروس. ولعل الفرضيات السابقة والنماذج النظرية والأدوات العملية لن تعود كافية أو أنها ستمسي عديمة الفائدة كلياً في عالم ما بعد كوفيد-19.

وهذا لا يتعلق فقط بمشكلة توزيع السلطة أو الموارد، بل ربما تتفاوت نقاط القوة والضعف في مواجهة هذه الأزمة وتختلف باختلاف الدول. ومع ذلك ما زلنا في الوقت الحالي نفتقد القدوة الناجحة التي يجب أن نتبعها.

لعبت مجموعة العشرين في عام 2008 دوراً هاماً في إيجاد طرق مبتكرة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية. ومع كونها واحدة من المنظمات المبتكرة القليلة التي تمكنت من التعامل بفاعلية مع أزمة عالمية، إلا أن ضعف التنسيق بين أعضائها ظهر جلياً بعد تسوية الأزمة. ومع أن مجموعة العشرين كانت قدوةً واعدة لفكرة عولمة التحديات الجماعية، لكن تضارب المصالح فيها سبق الأهداف الجماعية، ولم تتمكن الجهات الفاعلة العالمية من تطوير آليات لإيجاد حلول مستدامة لجذور المشاكل التي ولّدت أزمة 2008.

لطالما أكد علماء السياسة الدولية مزايا العولمة ونتائجها البناءة، ولطالما عززوا دور المؤسسات والمعايير الدولية وفكرة الحوكمة العالمية وأظهروا في المحاضرات إيجابيات العولمة بالتبادل العالمي للسلع والخدمات وزيادة التفاعل البشري والتعددية الثقافية وزيادة التجارة، حتى جاء الانكماش الاقتصادي العالمي عام 2008.

لقد عجزت العولمة عن حل بعض الأزمات الدولية الكبرى التي واجهها العالم مثل التهديدات العالمية بالأوبئة والأزمات البيئية العالمية والانكماش الاقتصادي العالمي وتدفقات اللاجئين التي أشير إليها كعواقب سلبية للعولمة. ولم يتم التوصل إلى توافق في الآراء بين الجهات الدولية الفاعلة لمعالجة تلك المشاكل العالمية.

ومن ناحية أخرى، راح الانكماش الاقتصادي العالمي لعام 2008 يكشف عن نتائجه بعد بضع سنوات، ومنها على سبيل المثال ظهور الشعبويين اليمينيين واليساريين، والسياسات المشبعة بالانعزالية، والمستويات المتزايدة من الحروب التجارية وحروب العملات، واستعادة الحدود والجدران الفاصلة وغيرها. واستُبدلت المثل الليبرالية التي نادت بها العولمة بانعزال صارخ وتعاون وتنسيق أقل.

ونحن الآن ما زلنا نشهد المراحل الأولى لأزمة كوفيد-19، لكن الفيروس المستجد يوحي بظهور عواقب وخيمة أكثر من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. وسيكون عالم ما بعد الوباء مختلفاً تماماً عن العالم الذي اعتدناه.

ينبغي أن نكون أقل تفاؤلاً من سيناريو مجموعة العشرين للتعاون، بسبب وجود منافسة عميقة في قيادة العالم بين القوى العظمى. ويجب أن تكون أولوية تركيا في الوقت الحالي، تنسيق خططها للتعامل مع عواقب الأزمة والحفاظ على مرونة علاقاتها المجتمعية.