ما الذي تسعى إليه إيران جنوب القوقاز؟

ديلي صباح ووكالات
إسطنبول
نشر في 15.10.2021 12:14
ما الذي تسعى إليه إيران جنوب القوقاز؟

في استعراض واضح للقوة، أجرت إيران الأسبوع الماضي مناورة عسكرية كبيرة على حدودها مع أذربيجان وسط توترات مع جارتها. وأشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إلى أن هذه أول مناورة عسكرية إيرانية قرب حدود بلاده، منتقداً طهران بسبب التوقيت المشكوك فيه الذي تزامن مع الذكرى الأولى لانتصار باكو في حرب إقليم قره باغ الثانية.

وتسببت التطورات الأخيرة التي حدثت بين البلدين بمزيد من التوتر من خلال قرار أذربيجان بفرض ضرائب تتعلق بالطرق والجمارك على الشاحنات الإيرانية، واحتجاز سائقين إيرانيين يحملان الأسمنت ومواد أخرى إلى أرمينيا وإقليم قره باغ عبر الأراضي الأذربيجانية.

ووفقاً لمسؤولين إيرانيين، هناك سببان رئيسيان وراء إجراء التدريبات العسكرية الإيرانية بالقرب من أذربيجان. أولها وجود إسرائيل في أذربيجان حيث صرحت السلطات الإيرانية مرارا أن لديها مخاوف جدية بشأن الوجود الإسرائيلي في المنطقة. وثانياً، وجود الإرهابيين في الدولة المجاورة. وبذلك تلقي إيران باللوم بشكل غير مباشر على تركيا وأذربيجان لاستخدام مقاتلي داعش ضد أرمينيا خلال حرب قره باغ الثانية، ساعيةً لنزع الشرعية عن الانتصار الأذربيجاني وتعبئة العالم الغربي ضد هذين البلدين.

ومع أن علاقة أذربيجان الوثيقة بإسرائيل تعتبر للوهلة الأولى إحدى الاهتمامات الأساسية لإيران، لكن القضية بالواقع أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. فبالرغم من أن أذربيجان تشتري أسلحة من إسرائيل ولديها علاقات وثيقة معها، إلا أنها ليس لديها بعثة دبلوماسية في تل أبيب. وإيران لا ترحب بتعاون إسرائيل مع أذربيجان، أي أن المشكلة الحقيقية ليست مجرد الوجود الإسرائيلي، بل توطيد قوة أذربيجان في مواجهة أرمينيا.

لكن المسؤولين الإيرانيين يتجاهلون في الوقت ذاته علاقات أرمينيا الوثيقة بإسرائيل. فأرمينيا لديها علاقات دبلوماسية وثيقة وكاملة مع الدولة اليهودية. لذلك، لا يمكن أن تكون الدبلوماسية والتجارة مع إسرائيل السبب الوحيد لسلوك إيران العدائي تجاه أذربيجان.

وعند التحقيق عن كثب، نجد أن هناك أسباباً أخرى لتحرك إيران الاستفزازي وتصعيدها للتوترات في جنوب القوقاز. ويكمن السبب الرئيسي لذلك في الانتصار العسكري لأذربيجان في حرب قره باغ الثانية، وهي علامة بارزة في تاريخ المنطقة.

ومن الواضح أن إيران الشريك المقرب لأرمينيا، كانت من بين الخاسرين في الحرب وكذلك جعلتها التطورات التي تلت الحرب قلقة بشأن التطورات المستقبلية. لذلك، نحتاج كي نفهم دوافع إيران الحقيقية من تلك المناورات، إلى النظر في الاستنتاجات الرئيسية للحرب وانعكاساتها على السياسات الإيرانية:

أولاً، انهارت الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية بعد تحرير الأراضي الأذربيجانية من الاحتلال الأرمني، حيث كانت الأولى تستثمر في أرمينيا على مدى العقود الثلاثة الماضية. أما الآن وفي ظل الظروف الجديدة بات من الصعب على إيران تقديم المساعدة لأرمينيا وخلق توازن إقليمي ضد المصالح الأذربيجانية والتركية.

وقد أعلن مسؤولون إيرانيون أنهم لن يقبلوا بالشروط الجديدة في المنطقة. وعلى سبيل المثال، أشار وزير الخارجية الإيراني الجديد "حسين أمير عبد اللهيان" إلى أن إيران "لن تتسامح مع التغيير الجيوسياسي وتغيير الخريطة في القوقاز". وصار من الواضح أن إيران لا تريد الاعتراف بالتوازنات الإقليمية الجديدة مع أن أرمينيا نفسها تطالب بالتطبيع في المنطقة، ما يدل على أن إيران خسرت أكثر من أرمينيا في جنوب القوقاز.

ثانياً، تسبب تحرير الأراضي الأذربيجانية في خسارة اقتصادية ضخمة لإيران التي كانت من بين أكبر المستثمرين في تلك الأراضي عندما كانت تحت الاحتلال الأرمني. ومع تحرير الأراضي الأذربيجانية، تم إلغاء العديد من المشاريع والعقود الإيرانية الموقعة مع أرمينيا.

ثالثًا، يعتبر المسؤولون الإيرانيون افتتاح ممر "زانغيزور" الذي سيربط منطقة "ناختشيفان" مع البر الرئيسي لأذربيجان، تطوراً ضاراً لإيران. بل على العكس، سيقدم الممر مساهمة كبيرة لأذربيجان، حيث سيصل تركيا مباشرة مع الدول الشقيقة لها في آسيا الوسطى. وبمعنى آخر، لن تعتمد تركيا بعد الآن على الأراضي الإيرانية للوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى. لذلك، ترفض إيران بشدة فتح هذا الممر الذي سيوفر ميزة استراتيجية لكل من أذربيجان وتركيا.

رابعاً، بعد الانتصار العسكري الأذربيجاني الذي تحقق بمساعدة تركية، أصبحت تركيا أحد الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، وتغير ميزان القوى الإقليمي لصالح أنقرة وعززت الظروف الجديدة وجوداً عسكرياً تركياً قوياً في المنطقة. وراحت دول إقليمية أخرى مثل أوكرانيا ودول آسيا الوسطى تكثف تعاونها مع تركيا. وبالرغم من سياسة تركيا الشاملة تجاه المنطقة، تعتبر السلطات الإيرانية أن الوجود التركي المتزايد هناك يضر بالمصالح الإيرانية على المدى المتوسط والطويل، وبالتالي يعد تطوراً مؤذياً.

خامساً، تفسر السلطات الإيرانية أيضاً التطورات الأخيرة في الجغرافيا السياسية الإقليمية، مثل الانسحاب الأمريكي غير المتوقع من أفغانستان وصعود نظام طالبان، ضد مصالحها.

وهناك أمور أخرى من بينها، قيام تركيا وباكستان وأذربيجان بتحسين تعاونها الثلاثي فيظل الظروف الجديدة. وخير مثال على ذلك التدريبات العسكرية التي أجريت في باكو خلال الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر/أيلول والتي تعد مؤشراً واضحاً على تحسن العلاقات الأخوية بين الدول الثلاث، ما جعل التدريبات العسكرية الإيرانية تبدو بمثابة رد فعل عليها، حيث نشرت طهران قواتها ومعداتها بالقرب من الحدود بعد وقت قصير من إجراء تدريبات باكو.

سادساً، أدركت أرمينيا في ظل الظروف الجديدة، أن الوضع الإقليمي الراهن غير مستدام، مما دفع مسؤوليها في نهاية المطاف بمن فيهم رئيس الوزراء "نيكول باشينيان" إلى الدعوة إلى تطبيع العلاقات مع تركيا وأذربيجان. وكمؤشر على تخفيف التوتر بين البلدين، قررت أذربيجان وأرمينيا استخدام المجال الجوي لبعضهما في الرحلات الجوية المدنية. ما جعل إيران منزعجة من التقارب الأذربيجاني الأرمني المحتمل والتطبيع الدبلوماسي الذي من شأنه أن يجلب الاستقرار السياسي والثروة الاقتصادية إلى جنوب القوقاز، في حين تنشط إيران وتزدهر في حالة استمرار الصراع فقط جنوب القوقاز، كما تفعل في الشرق الأوسط.

فما هو العرض التركي الذي يضمن حل القضية؟

لا تزال إيران تلعب مع تركيا لعبة محصلتها صفر بالرغم من أن تركيا لا تريد عزلها في المنطقة. ولطالما كرر الرئيس رجب طيب أردوغان إنهم مستعدون لإنشاء منصة إقليمية من 6 دول تضم تركيا وروسيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا في جنوب القوقاز.

ومع هذا العرض تكون تركيا قد اقترحت مبادرة مربحة لجميع الأطراف الإقليمية، وهي تعتقد أنه يمكن تحقيق السلام الدائم والاستقرار السياسي على أفضل وجه من خلال التعاون الأمني المتبادل بين جميع دول المنطقة.

لذلك يتعين على إيران تغيير عقلية المواجهة تجاه القضايا الإقليمية والدول المجاورة لها. وإلا فإن استراتيجيتها القائمة على الصراع ستؤدي إلى نتائج عكسية.