أسباب الأزمة التركية العراقية وأبعادها

صورة أرشيفية
تسبب إرسال تركيا 150 جندياً برفقة عدد من الدبابات،إلى منطقة بعشيقة، القريبة من مدينة الموصل العراقية، وذلك لاستبدال الوحدة التركية المتمركزة هناك منذ سنتين ونصف، في نشوب ما يمكن أن يُطلق عليه أزمة دبلوماسية بين أنقرة وبغداد.
ورغم أن القوات التركية موجودة بناء على طلب من مكتب محافظ نينوى، أثيل النجيفي، وبالتنسيق مع وزارة الدفاع العراقية، تقوم الحكومة العراقية الآن بمحاولة تصوير الأمر على أنه خرقاً للسيادة العراقية، وانتهاكاً للأعراف الدولية.
حيث اعتبر الرئيس العراقي "فؤاد معصوم" الوجود التركي "انتهاكاً للأعراف الدولية ومساً بالسيادة الوطنية"
كما أشار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى أن وجود قوات تركية مدرعة "خرق خطير للسيادة العراقية". وهدد باستخدام كل الخيارات في حال عدم انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية. وتحدى الحكومة التركية بإبراز أي دليل حول علم الحكومة العراقية أو موافقتها على دخول القوات التركية إلى العراق.
وامهل حيدر العبادي تركيا 48 ساعة لسحب قواتها من بلاده، مهدداً باللجوء إلى مجلس الأمن.
كما صوت مجلس النواب العراقي في 9كانون الثاني/ديسمبر الجاري في جلسته التي عقدها برئاسة سيلم الجبوري، على قرار يدين دخول قوات تركية عسكرية الى الأراضي العراقية. ودعا حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس، القوات الجوية العراقية إلى قصف مواقع القوات التركية الموجودة حالياً في مدينة الموصل. وقال: إن "دخول القوات التركية إلى مدينة الموصل شمالي العراق يعد بمثابة جس نبض لدخول قوات من دول أخرى لتكون بديلاً عن داعش". وطالب الزاملي القائدَ العام للقوات المسلحة رئيسَ الوزراء، حيدر العبادي، بإصدار أوامر للقوات الجوية وطيران الجيش بضرب هذه القوات في حال رفضها الانسحاب، لافتاً إلى أن "هذه القوات دخلت بموافقة حكومة إقليم كردستان، وليس بموافقة الحكومة المركزية."
وفي خطوة تصعيدية من قبل الحكومة العراقية ضد تركيا خوّل مجلس الوزراء العراقي في 8كانون الأول /ديسمبر من الشهر الجاري، رئيس الوزراء حيدر العبادي في اتخاذ الخطوات والاجراءات التي يراها مناسبة بشأن التواجد التركي على الاراضي العراقية.
وجاء الموقف الإيراني، أو بمعنى أدق موقف الفصائل الشيعية المحاربة في العراق، مطابقاً لموقف الحكومة العراقية.
ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن موقف الحكومة العراقية في الأساس كان بناء على الموقف الإيراني.
حيث هدد القيادي في كتائب سيد الشهداء، رضا الساعدي بضرب المصالح التركية في العراق قائلاً : "إن كافة الفصائل المقاتلة المنضوية تحت منظومة الحشد الشعبي اتفقت على ضرب المصالح التركية في العراق، وإنها بصدد أن تعمم بيانات في الأسواق عامة وبين المواطنين تدعو إلى مقاطعة البضائع التركية."
أما هادي العامري القيادي الميداني لهذه الميليشيات سارع إلى تهديد الأتراك الموجودين في شمالي العراق بأن "يدمر دباباتهم فوق رؤوسهم" إذا لم يغادروا المناطق العراقية التي دخلوها، مؤكدا أن السلطة في المنطقة الخضراء "لا علم لها بهذا الدخول" خاصة بعد أن أصدر مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي بيانا ندد فيه بتواجد القوات المدرعة بالدبابات قرب منطقة كردستان والموصل.
ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مجلس الامن الدولي لإصدار قرار يلزم تركيا بإخراج قواتها من العراق.
على الجانب الأخر أكد مسؤولون عراقيون ومسؤولون سابقون، أن دخول القوات التركية للعراق كان بناء على طلب من العراق، وفي إطار اتفاقية بين البلدين.
حيث اعتبر المتحدث باسم حكومة إقليم شمال العراق، سفين دزيي، دخول القوات التركية محدودة العدد، الى العراق يدخل في إطار التعاون مع التحالف الدولي ضد الارهاب، لكن حكومة بغداد المركزية، تريد توظيف واستغلال هذه القضية في سياق خلافاتها مع حكومة الإقليم."
وقال علي المتيوني، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ، إن "الدبلوماسية العراقية، مطالبة بأن تتسم بأعلى مستوى من الضبط، بشأن أزمة تواجد القوات التركية في شمال البلاد"، مشيراً الى أن "تركيا ودول الجوار شركاء للعراق في الحرب على تنظيم داعش.
كما يرى أثيل النجيفي المحافظ السابق لمحافظة نينوى، ومؤسس الحشد الوطني، أن الخطوة العسكرية التركية تمت بموافقة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبعلم رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري.
.وقال النجيفي، في تصريحات له يوم الاحد الماضي "إننا نرحب بأي قوة تقدم لنا المساعدة الحقيقية لمحاربة داعش وطردها من الموصل، ووجود الدعم التركي مهم وحيوي، لأنه يقطع عدة طرق على داعش ويعجل بتحرير الموصل، وتركيا قادرة على تحديد دورها من خلال التحالف الدولي."
أما بالنسبة للموقف التركي، فقد أكد المسؤولون الأتراك أن نشر القوات جاء بعلم الحكومة العراقية، وبطلب منها، بغرض التدريب، ولا يمثل أي مساس لسيادة الدولة العراقية.
حيث صرّح رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان أن القوات التركية الموجودة بالقرب من مدينة الموصل كانت بطلب من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهذا ما أكد عليه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارازني عندما صرّح بالقول" أن هناك تنسيق أمني مسبق بين العراق وتركيا بشأن وجود قوات تركية عند أطراف الموصل."
كما أكد رئيس الوزراء التركي أن المعسكر الذي تتواجد فيه القوات التركية (بعشيقة 30 كم عن الموصل)، هو معسكر تدريبي أقيم لدعم قوات المتطوعين المحلية التي تقاتل الإرهاب.""
وأن "المعسكر ليس جديداً، ومخصص لتدريب العراقيين، والقوات التركية موجودة بناء على طلب من مكتب محافظ نينوى ، وبالتنسيق مع وزارة الدفاع العراقية."
ويرى محللون سياسيون أن هناك تناقضاً كبيراً بين تصريحات الحكومة العراقية حول رفضها خرق سيادة العراق على أراضيها وبين الممارسات الفعلية. خاصة عند النظر الى الدور الإيراني والروسي في مجريات الأمور في العراق.
حيث قال الكاتب والمحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، في تصريحات لموقع " ديلي صباح العربية "
الحكومة العراقية تتحدث عن انتهاك تركيا للسيادة العراقية على أراضيها. فهل تواجد عناصر تنظيم "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي (بي كا كا) في الأراضي العراقية، لا يخترق تلك السيادة؟! وهل تواجدهم في شمال العراق بالتنسيق مع الحكومة أم رغماً عنها؟!
كما تساءل الكاتب التركي حول ما إذا كانت عناصر تنظيم بي كا كا المتواجدون في العراق يقومون بشن هجمات إرهابية على تركيا بالتسيق مع الحكومة العراقية أم رغماً عنها؟!
وأضاف الكاتب التركي، "أليس من حق تركيا أن تقوم بما يلزم من أجل حماية أمنها القومي، وحماية أراضيها من تلك الهجمات التي تنطلق من شمال العراق؟"
وقال المحلل السياسي التركي " جان اجون"، الباحث بمركز "وقف الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية" التركي في تصريحات لـ "ديلي صباح العربية"
" إدعاءات الحكومة العراقية بأن تواجد الجنود الأتراك في الموصل، يعد انتهاكاً للسيادة العراقية، لا تبدو منطقية. إذن أن الجنود الأتراك –وعددهم محدود جداً- موجودون في العراق بهدف تدريب مجموعات من قوات البيشمركة، وقوات الحشد الشعبي، وتأهيلهم لمحاربة داعش. هذا من ناحية. من ناحية أخرى فإن إرسال تركيا جنودها للعراق تم في الأساس بناء على طلب من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي تولى رئاسة الحكومة خلفاً لنوري المالكي. كما أن الحكومة المركزية في العراق لا تستطيع السيطرة على جزء كبير ومهم من الأراضي العراقية. وهناك مستشارون عسكريون تابعون للقوات التحالف الدولي ضد داعش يقومون بمهام التدريب في الأراضي العراقية. هذا بالإضافة الى الميليشيات الشيعية المنتشرة في العراق والتابعة في المقام الأول لإيران. لذلك فإن الحديث عن السيادة أمراً غير منطقي في ظل الظروف الراهنة."
وأوضح "أجون" أنه يرى أن سبب تصعيد الأمر من قبل الحكومة العراقية- بالنظر الى توقيت إثارة الأزمة- يرجع الى محاولة التحالف الذي تمثله روسيا، وإيران، ونظام الأسد، الى إخراج تركيا من معادلة سوريا والعراق، وإبعادها عن لعب دور فعال في المشهد السياسي في المنطقة. ويرى أن تدخل روسيا في الأزمة بين أنقرة وبغداد، ومحاولتها لرفع الأمر الى مجلس الأمن التابع لأمم المتحدة يؤكد رأيه السابق.
ويرى محللون سياسيون بـ "مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية" بالعراق، "أن التمسك بهذه السيادة بالنظر إلى الممارسات الفعلية لا وزن لها. فمنذ الاحتلال الأميركي للعراق، لم تعد مسألة سيادة هذا البلد واستقلاله أولوية في أجندات الزعماء والساسة الجدد، نظرا لارتباط العديد منهم بخيوط ومصالح خارجية تسيّر توجهاتهم السياسية وترسم مسار تحركاتهم على مختلف الجبهات، ولعل الطرف الأهم المستفيد من هذا الشكل غير المباشر من الهيمنة هو إيران فالفصائل الشيعية التي تتباكى على احترام السيادة العراقية تستقبل في كل يوم عسكريين وخبراء وأسلحة من ايران ويوجد المئات من عناصر الحرس الثوري الأيراني بين مقاتلي قوات «الحشد» التي تقاتل «داعش»، ولكن عندما يتعلق الموضوع بدعم تركي أو أمريكي للسنة والأكراد يكون الاعتراض والتشكيك والتهديد وكأن العراق هو لمكون واحد وكأن الحرب على الإرهاب هي من اختصاص مكون بعينه». والسؤال الذي يطرح في هذا السياق على الحكومة العراقية والمليشيات الشيعية: ماذا يفعل قاسم سليماني في العراق هل هو ممثل الصليب الدولي فيه، أم ماذا؟
أما الحديث عن السيادة العراقية وعدم انتهاكها فكما هو معلوم أن العراق دولة ناقصة السيادة نظرا لوقوعه بشكل فعلي تحت النفوذ الإيراني منذ الاحتلال الأمريكي له وتحديدا في العام 2006م. فمفهوم السيادة لا يتجزأ وفق هوى الطبقة السياسية الحاكة في العراق. فالعراق قبل عدة أيام تعرض لواحدة من الانتهاكات التاريخية لسيادة الدولة، إذ إجتاحه وعبر منفذ "زرباطية" الحدودي بين العراق وإيران أكثر من نصف مليون إيراني، ودخلوا البلاد عنوة ومن دون جواز سفر ولا تأشيرة، ولا أي أوراق ثبوتية، بذريعة إحياء أربعينة الإمام الحسين! وقد حدثت تلك الخطوة في ظل ضعف منهجي وعدم وجود قوات على الحدود وإهمال فظيع من القيادة العامة العسكرية التي يرأسها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وطبعا البرلمان لم يتحدث أو يستنكر، والدولة لم تتصرف، بل تركت الأمور فوضى عارمة يتفرج عليها الجيش العراقي الذي بدلا من أن يواجه هذا الانتهاك للسيادة بحزم وقوة.
هل من المعقول ما يجري؟ لقد قامت الحكومة العراقية على أقدامها بدءا من رئيس الجمهورية مرورا برئيس الحكومة حيدر العبادي وكل أركان دولة إحتجاجا على دخول قوات تركية طالبين منها الإنسحاب الفوري أو أن المواجهة مع المليشيات الشيعية، بينما صمتت الدولة العراقية التائهة عن فضيحة تسلل مئات الآلاف من عناصر «الباسيج» والحرس الثوري للعمق العراقي في اعتداء علني، وهم يرفعون الرايات والإعلام الإيرانية في مشهد تاريخي فضائحي لإنهيار السيادة ولتمركز جيش من طوابير الحرس الثوري في العراق لتفعيل مسارب الحرب الأهلية الطائفية القائمة! ويودع العراقيون العام 2015 بفضيحة وطنية من العيار الثقيل، ويكرس النظام الطائفي التحاصصي القائم أزمته التاريخية، ويؤكد عجزه التام عن مهمة قيادة العراق نحو بر الأمان، وبما يشكل إرهاصة حقيقية ليس لنهاية العراق كدولة موحدة ذات سيادة فقط، بل لرفع راية المشروع الإيراني في الهيمنة وتجزئة المنطقة."
جدير بالذكر أن الحكومة التركية تحاول جاهدة تخفيف حدة التوتر، وحل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية، وهو ما يتضح جلياً من تأكيد الحكومة التركية أكثر من مرة على احترامها لسيادة العراق، ووحدة أراضيها. كما يتضح من إرسال رئيس الوزراء التركي احمد داود أوغلو، كلا من رئيس جهاز الاستخبارات، هاقان فيدان، ومستشار وزارة الخارجية، فريدون سينيرلي أوغلو، الى بغداد، يوم الخميس الماضي، لعقد لقاءات مع مسؤولين عراقيين، على رأسهم حيدر العبادي، رئيس الحكومة.

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.