جولة سياحية غير تقليدية في إسطنبول القديمة
- ديلي صباح, إسطنبول
- Aug 04, 2021
تتكرر قائمة الأماكن السياحية للقادمين لزيارة إسطنبول في كل مرة وتظهر فيها المعالم التاريخية والأثرية ذاتها مثل قصر طوب كابي وآيا صوفيا وخزانات المياه الرومانية ومطاعم كرات اللحم في السلطان أحمد...
لذا يحاول هذا المقال تقديم أماكن جديدة نسبياً للوافدين إلى المدينة الساحرة للمرة الثانية أو الثالثة ممن لهم سبق أن زاروا الأماكن السياحية التقليدية المشهورة في إسطنبول.
لننطلق في هذه الرحلة حول إسطنبول القديمة ونحاول التعرف على أماكن سياحية جميلة ومميزة.
البداية ستكون من محطة ترام "أمينونو" والسير باتجاه الجزء الخلفي من "بازار التوابل" مروراً بمتجر "غورمانيا" المتخصص في المعجنات الألمانية حيث يمكنك الحصول على كابتشينو ونوع من الكعك المحشو لتناول الإفطار ودفع حوالي 17 ليرة تركية أي ما يعادل 2.02 دولار فقط. ورغم أن "غورمانيا" لا يحتوي على مقاعد للجلوس وتناول الإفطار اللذيذ، لكنه رخيص ويبيع معجنات متنوعة وشهية.
سوق الزهور في "إيمينونو":
سوق "إيمينونو" للزهور التاريخي شارع غريب لأنه يعج بالنباتات والحيوانات الأليفة من جميع الأنواع. وربما اشترى العديد من سكان إسطنبول أول حيوان أليف لهم مثل الكتكوت أو فرخ بطة أصفر ذو وبر ناعم من هذا المكان بالذات.
ولعل السائح يستمتع أكثر من غيره بالغوص في المتاجر الموجودة على طول السوق وإلقاء نظرة خاطفة على الداخل حيث تنتشر أحواض السمك الكبيرة والصغيرة وتصطف أقفاص الطيور فوق بعضها من الأرض إلى السقف، إضافةً إلى حاويات الجراء والقطط الجميلة بأنواعها المختلفة.
مسجد رستم باشا:
يقع مسجد رستم باشا على بعد 5 دقائق سيراً على الأقدام في شارع الزهور، وهو مبنى يمكن للمرء أن يطلق عليه بسهولة "المسجد الأزرق الأصلي". وبعد ترميم طويل دام 4 سنوات، أصبح هذا المسجد الرائع جاهزاً أخيراً للافتتاح وعرض جماله للزوار مرة أخرى.
ويمكن ملاحظة المسجد الصغير من مكان بعيد مثل حي تقسيم، فالمبنى يتربع على قاعدة مرتفعة بمهارة تجعل المسجد يبرز من حي السوق المزدحم. كما أن تصميم المسجد البسيط قد تم تزيينه ببلاط إزنيق من الجدار إلى الجدار. المسجد من تصميم المهندس المعماري العثماني سنان، الذي كان يواصل حينها بناء المسجد الأزرق الشهير. وبزيارة هذا المسجد الصغير يمكنك إخبار الجميع أنك شاهدت النسخة الأصلية من المسجد الأزرق أولاً.
وبلاط إزنيق هو نوع من الخزف الذي يجسد حقاً أهمية موقع الإمبراطورية العثمانية كملتقى طرق بين الشرق والغرب. إذ بعد فترة وجيزة من دخول محمد الفاتح مدينة إسطنبول، اكتشفت مدينة إزنيق الصغيرة أخيراً سرّ صناعة الفخار الصيني باللونين الأبيض والأزرق. وتأثرت تصاميم فخار إزنيق بشدة بهذا الفخار الذي كان يدخل شبه القارة الهندية عن طريق الحرير، وهي تجمع بين أنماط الأرابيسك والعناصر الصينية. وعند دخول مسجد رستم باشا يمكن اكتشاف بعض هذه الزخارف الصينية.
مسجد السليمانية:
يمكن السير لمدة 15 دقيقة أعلى التل شديد الانحدار انطلاقاً من مسجد رستم باشا إلى مسجد السليمانية، حيث ضريح السلطان سليمان القانوني وزوجته الشهيرة روكسِلانا (حرّم سلطان).
ويتمتع المسجد بإطلالة 180 درجة على القرن الذهبي ويتيح رؤية بعضاً من أروع مناظر المدينة بإطلالته على برج غلاطا كما أن زيارته مجانية ولا يوجد طابور مرعب للانتظار أمامه.
المسجد بناه المهندس سنان طبعاً إذ بنيت أفضل المعالم العثمانية تقريباً في هذا الجزء من المدينة بيده العبقرية، خصوصاً تلك التي بُنيت بأمر من السلطان سليمان القانوني، وهو العاشر والأكثر شهرة بين السلاطين العثمانيين الذي حصل على لقب القانوني أو"المشرع" بسبب تفانيه في إقامة النظام والعدالة في الدولة.
ومع ذلك، اشتهر السلطان أيضاً بحياته الخاصة إذ كان لديه عدد لا يحصى من الجواري في حريمه، لكن قلبه كان ملكاً لواحدة منهم فقط، هي روكسِلانا (حرّم سلطان) التي أصبحت الزوجة الشرعية له عام 1534، لتصبح بذلك أول جارية في تاريخ الحريم العثماني تتزوج السلطان. وأصبحت القصة موضوع المسلسل التلفزيوني التركي الشهير "القرن الرائع" الذي حصد اهتمام وإعجاب كل من الجمهور المحلي والعالمي.
ويمكن للزائر زيارة مقبرة العاشقين مكان قبر روكسِلانا التي تقع بجانب المسجد، وهي مبنى مقبب كبير تم بناؤه خصيصاً للمرأة التي تغلبت على كل الصعاب وارتقت إلى مرتبة زوجة السلطان.
كما يوجد قرب المسجد قبر متواضع وسري للمهندس المعماري سنان، ويتقاطع شارع المعمار سنان مع أحد الشوارع الفرعية ويضم المكان قبراً واحداً ونافورة ماء لسقاية المارة العطاش.
وهناك مطعم تاريخي مشهور في الجوار اسمه "علي بابا" خلف المسجد مباشرة افتتح أبوابه عام 1924، يذهب إليه السكان المحليون والسياح باستمرار لتذوق حساء الفاصولياء البيضاء المطبوخة بصلصة الطماطم مع الأرز وهو من أكثر الأطباق شهرةً وانتشاراً في تركيا.
متجر "وفا بوظة" الشهير:
وهو متجر مشهور بوصفاته اللذيذة لمشروب يسمى البوظة Boza، وهو مشروب من التراث الكلاسيكي للثقافة العثمانية. ويتألف من قطعة كريمية سميكة من القمح المخمر مغطاة بالحمّص المحمر.
أسس هذا المتجر عام 1876 الحاج صادق باي وما زال يديره أحفاده من الجيل الرابع. المشروب هو الدعامة الأساسية لفصل الشتاء البارد، لكن يمكن شربه في أي موسم خصوصاً إذا كان من صنع هذه العائلة.
وقد أثار هذا المشروب الكثير من الجدل عبر التاريخ، لأن تخميره يمنحه محتوى كحولياً طفيفاً يبلغ حوالي 1%. لكن التيار السائد اعتبر أن شراب البوظة مسموح به وكان يُستهلك على نطاق واسع. وفي القرن السابع عشر في ظل حكم السلطان محمد الرابع، حظر المشروب إلى جانب جميع المشروبات الكحولية لفترة قصيرة. وبالرغم من تاريخه الفوضوي إلا أن معظم علماء المسلمين ينظرون إليه في الوقت الحاضر بشكل إيجابي ومقبول ولا شك أن السائح يستمتع بالتفكير في ماضيه المثير للاهتمام بينما يشربه.
مسجد شاه زاده:
ربما سئم البعض من المساجد التي صممها سنان في هذه المرحلة، لكن المساجد هي المكان الذي تتألق فيه العمارة العثمانية حقاً. ومسجد شاه زاده هو مجمع مترامي الأطراف يبدو من بعيد وكأنه نوع من سفينة فضاء عثمانية خيالية. ويمكن رؤيته بسهولة من متجر البوظة الذي يبعد أقل من 5 دقائق سيراً على الأقدام.
ويمثل المبنى أول تصميم للمهندس المعماري سنان لمسجد سلطاني ضخم. وهو يضم مسجد ومدرسة دينية ومدرسة ابتدائية ونوافير مياه ومقابر وأضرحة مختارة. ونظراً لموقعه على سطح مستوٍ، فإن حدود المجمع الواسعة تبدو واضحةً حين الاقتراب منه وهذا هو السبب في أنه أحد المساجد المفضلة في المدينة.
ويعني اسم "شاه زاد" باللغة التركية حرفياً "ابن السلطان" إذ بُني هذا المجمع تخليدا لذكرى شاه زاد محمد نجل حرّم سلطان والسلطان سليمان القانوني بعد أن توفي بشكل مأساوي وهو في ريعان الشباب عن عمر يناهز 21 عاماً.
قناة فالنس أو "بوزدوغان كيميري":
بعد مغادرة مسجد شاه زاد يمكن السير لمدة 15 دقيقة إلى الشارع الرئيسي المسمى شارع أتاتورك بوليفارد الذي تخترقه القناة القديمة منتصفه مباشرة.
أنشأ هذا البناء في القرن الرابع الإمبراطور الروماني الشرقي فلافيوس فالنس، لتزويد المدينة بالمياه عندما لم تكن المدينة تسمى بعد القسطنطينية ولكن "بيزنطة". ومع مرور الكثير من الحكام على المدينة عبر القرون تم ترميم القناة عدة مرات واستمرت في إمداد المدينة بالمياه. وفي النهاية لم تتمكن القناة من تحمل الزلازل العديدة التي هزت المدينة، ولم يبق منها اليوم سوى جزء صغير شاهد على التاريخ.
مسجد كنيسة زيريك أو "دير بانتوكراتور":
يقع على بعد 10 دقائق سيراً على الأقدام من القناة، وهو مبنى كان يُعرف سابقاً باسم "دير بانتوكراتور". وعندما يسير السائح باتجاه هذا المبنى يخيل إليه أنه خرج من إسطنبول ودخل القسطنطينية. فالمبنى هو ثاني أقدم كنيسة بيزنطية في المدينة بقيت قائمة بعد آيا صوفيا. بني في القرن الثاني عشر كمجمع دير مترامي الأطراف وكان أحد أهم المباني في الإمبراطورية.
وعلى مر القرون تغير المبنى وتبدل الغرض منه عدة مرات. فخلال الحروب الصليبية تولى رجال الدين الكاثوليك من البندقية السيطرة على الدير بأنفسهم. وبعد أن فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية حول الدير إلى جامعة والكنيسة المركزية إلى مسجد. وتهالك بناء الدير القديم بفعل الزمن وبنيت مكانه مدرسة الفاتح الأكثر حداثة وانتقل الطلاب للدراسة فيها. واليوم لم يبق شيء من الدير والبناءان الوحيدان الباقيان هما كنيستا المجمع، وقد اندمجتا الآن في مسجد واحد.
ويوجد في هذا الجوار مطعم Baran Et Mangal وهو مطعم تركي يقدم الشواء فقط على الطريقة التركية. وأكثر ما يحب السياح والمحليون تناوله في هذا المطعم شرائح لحم الضأن والعيران محلي الصنع والبقلاوة التي تصل يومياً من ولاية غازي عنتاب جنوب تركيا.
قبر السلطان أيوب:
تعتبر هذه المنطقة أقدم موقع إسلامي في المدينة منذ أعيد اكتشاف قبر الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري بعد سيطرة الإمبراطورية العثمانية على المدينة. وبنى السلطان محمد الفاتح قبراً رائعاً مكان أطلال القبر القديم ومجمعاً دينياً يضم مسجداً واسعاً فوق موقع مثواه الأخير.
ويقوم المسلمون بزيارة هذه البقعة باعتبارها واحدة من أقدس المواقع في المدينة. ومع ذلك يحب الكثير من غير المسلمين أيضاً أن يغتنموا الفرصة لرؤية هذا المبنى الرائع الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر المغطى بالبلاط الجميل. وهي فرصة استثنائية أيضاً لمراقبة كيفية تفاعل السكان المحليين مع قدواتهم المحبوبين، فزيارة المقابر جزء أساسي من سلوك المسلمين في الأناضول.
هضبة بيير لوتي:
بعد الانتهاء من زيارة مسجد السلطان أيوب، يمكن المشي إلى التلفريك الذي ينتهي عند قمة هضبة بيير لوتي حيث يحلو من هناك مشاهدة غروب الشمس.
وتمتلك هضبة بيير لوتي تاريخاً عريقاً منذ وقع كاتب اسمه "جوليان فيود" معروف بلقبه "بيير لوتي" في حب مدينة إسطنبول عندما زارها لأول مرة كجندي، ويقال إنه غالباً ما كان يأتي إلى المقهى على قمة هذا التل، حتى شاع اسم المنطقة باسمه. وأصبح التل محطة توقف للكثير من الكتّاب والشعراء بعده. وبعد إعلان الجمهورية قررت الحكومة تسمية المقهى باسمه وبعد ذلك بوقت قصير سُمي التل باسمه أيضاً.
ولكن السكان المحليين يهتمون في الغالب بالمنظر الرائع للقرن الذهبي الذي يمكنهم مشاهدته من أحد مقاهي الشاي الكثيرة المنتشرة حول الجزء العلوي من التل.