العلاقات التركية الصومالية.. أهداف إنسانية واقتصادية ببعد جيوسياسي استراتيجي

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 23.02.2016 00:00
آخر تحديث في 23.02.2016 12:17
العلاقات التركية الصومالية.. أهداف إنسانية واقتصادية ببعد جيوسياسي استراتيجي

في الوقت الذي انشغل فيه العالم أجمع عن المجاعة والمأساة الإنسانية التي تعيشها الصومال، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2011 أول زعيم غير إفريقي يزور الدولة الفقيرة غير الآمنة منذ أكثر من 20 عاماً، فاتحاً الباب أمام مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تركية غير محدودة للصومال وصلت ذروتها، الاثنين، بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
لكن العلاقات بين البلدين لم تتوقف عند هذا الحد، بل أصبحت الصومال ثاني دولة ستستضيف قاعدة عسكرية تركية خارج أراضيها بعد إعلان تركيا إنشاء أول قاعدة عسكرية لها بالخارج في قطر، كما عملت الحكومة التركية على تدريب وتأهيل الآلاف من قوات الجيش والشرطة الصومالية.

هذه القاعدة تتجاوز حدود الصومال بكثير، كونها ستقع في مكان يحمل أهمية "جيوسياسية" بارزة، فالصومال يطل على خليج عدن الاستراتيجي، وتفتح آفاق لتعاون عسكري كبير مع السلطات الصومالية، وتضع قدم لأنقرة في القارة السمراء المهمشة عالمياً بالرغم من أهميتها الجغرافية والسياسية.

تركيا.. من الخليج العربي إلى خليج عدن:
ستمنح القاعدة العسكرية التركية في الصومال تركيا امتيازات كبيرة على خليج عدن الاستراتيجي وستكون محطة لتوسيع النفوذ التركي في القارة السوداء، وذلك بعد أن وضعت تركيا قدماً لها على الخليج العربي من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في قطر.

ومن المقرر أن يشرف الجيش التركي على تدريب أكثر من 10 آلاف جندي صومالي في هذه القاعدة التي ستفتح أبواباً واسعة لبيع وتصدير السلاح التركي، حيث تسعى أنقرة منذ سنوات إلى تطوير صناعاتها الدفاعية والعسكرية بشكل كبير ورفع نسب تصديرها للخارج.

وتدرك تركيا جيداً أهمية الصومال بالنظر إلى موقعها الجغرافي الذي يربط بين القارات وباعتبارها ممراً مهما للطاقة في العالم، إضافة إلى الثروات الكثيرة التي يمتلكها الصومال والمخزون النفطي، وبالتالي فإن الصومال يدخل ضمن سياسة عامة تنتهجها تركيا للتأثير على المستويين الإقليمي والدولي.

دعم سياسي واقتصادي:
لقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، أن بلاده ستواصل دعمها للشعب الصومالي من أجل أن يعيش في أمان وسلام، وذلك في كلمة له بمنتدى الأعمال التركي الصومالي الذي ينظمه مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي بإسطنبول، ويواصل أعماله لليوم الثاني.

من جهته، أوضح نائب رئيس الوزراء التركي، "لطفي ألوان"، أن حجم الاستثمارات التركية في الصومال بلغ 100 مليون دولار أمريكي بنهاية العام الماضي، وقال: "حين ننظر إلى إمكانيات العمل في الصومال، يجذب انتباهنا امتلاكها أطول ساحل بأفريقيا وموارد الطاقة المتجددة؛ وسنشجع مستثمرينا على الاستثمار في الصومال خاصة في مجالات صيد الأسماك والمقاولات والزراعة".

بدوره، قال وزير الاقتصاد التركي، مصطفى أليطاش، إن حجم التبادل التجاري بين تركيا والصومال بلغ 72 مليون دولار أمريكي العام الماضي، ونهدف لرفعه إلى 80 مليون دولار العام الحالي و100 مليون دولار العام المقبل.

وأوضح أليطاش أن العلاقات الاقتصادية والتجارية التركية شهدت تقدماً ملحوظاً خلال الفترة المذكورة، مضيفاً "كان حجم التبادل التجاري بين تركيا والقارة الأفريقية في عام 2003 نحو 5.5 مليار دولار، بينما تضاعف هذا الرقم 4 مرات في العام 2015 وبلغ نحو 20 مليار دولار".

أردوغان يلفت العالم للصومال:
في آب/أغسطس عام 2011 وصل أردوغان الذي كان رئيساً للوزراء آن ذاك وزوجته أمينة ووزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو إلى العاصمة الصومالية مقديشو في زيارة غير مسبوقة بهدف لفت أنظار المجتمع الدولي لحجم المجاعة التي تجتاح الصومال، على الرغم من الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد.

كما رافق أردوغان في الزيارة وفد كبير يضم دبلوماسيين ورجال أعمال ومنظمات إنسانية، بالإضافة إلى 4 وزراء ونواب من البرلمان التركي، وزاروا معسكرات للنازحين ومستشفى في العاصمة مقديشو في زيارة تاريخية غير مسبوقة لفتت نظر العالم إلى حجم الكارثة التي يعيشها الصومال.

وعززت الزيارة الحملة الإنسانية والدبلوماسية الواسعة التي تقوم بها أنقرة للتصدي للجفاف في الصومال التي يعاني نصف سكانه أي نحو 7,3 ملايين من المجاعة ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة، كما استضافت إسطنبول اجتماعاً لمنظمة التعاون الإسلامي التي تعهدت بدورها بتقديم 350 مليون دولار للصومال.

وفي عام 2015 كرر أردوغان زيارته للصومال، تحت إجراءات أمنية مشددة، ووعد الرئيس التركي بمزيد من الاستثمارات في البلاد التي تكافح من أجل إعادة البناء بعد عقدين من الصراع، كما زار مشروعات مختلفة استفادت من الاستثمارات التركية من بينها مبنى جديد بالمطار وميناء بحرياً بعد إعادة تأهيله.

وكانت تركيا مساهماً رئيسياً في جهود المساعدات الإنسانية في ذروة المجاعة عام 2011؛ كما تواصل أنقرة بناء المستشفيات ونقل المساعدات في أنحاء الصومال، وهو ما أكد عليه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قائلاً إن المساعدات التركية كانت حيوية للغاية بالنسبة للصومال.

المساعدات الإنسانية والتنمية:
وإلى جانب المساعدات الإنسانية غير المحدودة التي تقدمها هيئة الإغاثة التركية والهلال الأحمر التركي بشكل دائم للمواطنين الصوماليين، أقامت الحكومة التركية العديد من المشاريع الضخمة في البلاد من أجل تطوير العاصمة والمؤسسات الحكومية والخدمات العامة للسكان.

وعملت المنظمات الإنسانية التركية على بناء مخيمات للنازحين وملاجئ للأيتام ومراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية، إلى جانب مشاريع تنموية ضخمة وبناء شوارع في العاصمة وبناء أكبر مستشفى في تاريخ الصومال يحتوي على كامل التجهيزات والمختبرات الطبية، كما تعمل تركيا على بناء مبنى جديد للبرلمان الصومالي.

ومنذ عام 2011 تستقبل تركيا أكبر بعثة تعليمية صومالية في العالم، وقد استقبلت في أول عام 1500 طالب من مختلف مراحل التعليم بمنح تركية كاملة جزء كبير منها في الدراسات العليا، كما عملت الخطوط التركية على دعم مطار العاصمة وتسيير رحلات أسبوعية من وإلى مقديشيو.