فيروس كورونا يثير قضية الأمن البشري

برز مفهوم "الأمن البشري" كنموذج لفهم نقاط الضعف العالمية، كجزء من منظومة تحول تهدف إلى تجاوز المخاوف الأمنية التقليدية. ووفقاً لهذا النموذج، يجب أن يكون التركيز الرئيسي للأمن على البشر بدلاً من الكيانات السياسية والدول. ويقترح هذا النموذج فهماً متعدد التخصصات للأمن يغطي العديد من المجالات، مثل العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية ودراسات حقوق الإنسان والتنمية.

ويمكن توسيع نطاق الأمن البشري العالمي لا ليشمل الأمن السياسي والعسكري التقليدي فقط، إنما الأمن الشخصي والمجتمعي والاقتصادي والبيئي والغذائي والصحي أيضاً. فكما لا يمكن للحكومات أن تشعر بالأمان من خلال الاستمرار في بناء ترساناتها العسكرية فحسب، بل عن طريق ردع القوى العسكرية الأخرى عن مهاجمة الدولة أيضاً، نجد هذا النهج ضرورياً للغاية في مجالات أخرى عديدة.

وفي عالم اليوم الذي تتشابك فيه العولمة وتترابط فيه المعارف، يكاد يكون من المستحيل على أي دولة عزل نفسها عن بقية العالم من خلال بناء الجدران والأسوار العالية. ولا بد أن تتأثر جميع الدول بالتطورات التي تجري في أجزاء أخرى من العالم. فعلى سبيل المثال، يتأثر العالم كله بفشل الحكومات والحروب الأهلية في الشرق الأوسط. ونجد أن موجات مختلفة من اللاجئين قد غيرت بشكل كبير في الأوساط السياسة لمختلف البلدان الأوروبية. كما أدت تدفقات اللاجئين الجديدة إلى زيادة القومية وكراهية الأجانب.

كذلك تبرز الصحة كواحدة من أحدث المجالات في مفهوم الأمن، لانها أمر حيوي أيضاً للبشر في جميع أنحاء العالم. وبإمكان الأمن الصحي توفير ولو الحد الأدنى من الحماية من الأمراض، أو تقليل ضرر الظروف غير الصحية على أقل احتمال. كما يمكن أن تنتشر المشكلات الصحية في أي جزء من العالم إلى الآخرين عن طريق العدوى وغيرها في فترة قصيرة جداً. بل يكاد يكون من المستحيل منع انتشار الأمراض الوبائية. وبالتالي فإن القضايا الصحية المحلية أو العالمية هي أمر لا بد من التعامل معه بشكل جماعي على مستوى جميع الحكومات. ويتعين على كل ولاية اتخاذ التدابير اللازمة لتقليل تأثير الأوبئة.

وينبغي للتغلب على مشاكل انعدام الأمن العالمية هذه، تحرير جميع الأفراد من الفاقة والعوز، بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو الطبقة أو الدين. وهذا يعني توفير الاحتياجات والظروف الأساسية لحياة إنسانية، والتحرر من الخوف، وتوفير عالم آمن مسالم. بمعنى آخر، يجب على الحكومات اتباع سياسة خارجية لا تحدد احتياجات الدولة فحسب، بل وتلبي احتياجات الشعب أيضاً. وسوف تستمر الحكومات في مواجهة التهديدات الناشئة عن مختلف المجتمعات والبلدان، ما لم تتصدى لانعدام الأمن العالمي والفروقات التي تورث التفاوتات العالمية.

وبعد فترة قصيرة من الكشف عن تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) لأول مرة في ووهان/ الصين، في 31 ديسمبر 2019، بدأت آثاره العالمية تظهر كمثال واضح على مشاكل الأمن البشري. لم تعد مشكلة الفيروس محصورةً في الصين فقط بعد أن فقد أكثر من 1000 شخص حياتهم وأصيب الآلاف وانتشر المرض عبر العالم.

وبالنظر إلى العلاقات المكثفة بين الصين والدول الأخرى وانتشار المرض إلى عشرات البلدان، أصبح فيروس كورونا الجديد مشكلة أمنية عالمية تتطلب التعاون والتنسيق. وصار لزاماً على الدول الغربية المتقدمة مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبيرة أخذ زمام المبادرة لإيجاد علاج لهذا المرض، لأن اتخاذ تدابير لبلدانهم وحدها أمر لا طائل منه.

كذلك يمكن أن تحد اللوائح التي تضعها المنظمات الدولية والحكومات، من الآثار السلبية لتطورات المرض المتوقعة، مثل نقص الموارد والانتشار الوبائي للفيروس. فالاستراتيجيات التي تنطوي على السلوك الجماعي واللوائح الحكومية مطلوبة بإلحاح للتعامل مع المشكلة. ويجب على منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، لعب الأدوار المناسبة لتنسيق الجهود القومية لدول العالم، والحد من آثار المرض، من خلال توفير حلول تقنية.

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.