طفل سوري موهوب يغتاله صاروخ في حلب

ديلي صباح ووكالات
اسطنبول
نشر في 01.08.2016 00:00
آخر تحديث في 01.08.2016 11:58
طفل سوري موهوب يغتاله صاروخ في حلب

يتناول مسلسل كوميديا الموقف "أم عبدو الحلبية" المشاحنات والإشكاليات الأسرية، إنما المختلف فيه أن أبطاله جميعهم أطفال. ويتم تصوير المسلسل في منازل تاريخية بمدينة حلب السورية التي تحاصرها القوات النظام في واحدة من أسوأ ساحات المعارك في الحرب الأهلية السورية.

يعد المسلسل حالة غريبة في الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، كما يعتبر أول كوميديا موقف تنتج في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في سوريا.

تم بث المسلسل للمرة الأولى على إحدى القنوات التلفزيونية المحلية في حلب، وكان بمثابة نظرة هزلية على المدينة التي مزقتها الحرب، إذ أظهر السكان أثناء تعاطيهم مع كل الأوضاع من انقطاع الكهرباء والمياه إلى الانشقاق في صفوف المعارضين والقصف والعنف.

وقد منح وجود الأطفال الممثلين المسلسل لهجة بريئة على الرغم من أنهم ظهروا كشخصيات تقليدية في أحد أحياء حلب.

بيد أن الواقع المأساوي تداخل مع البراءة خلال الشهر الحالي. فقد قتل بطل المسلسل قصي عبطيني (14 عاماً) الذي كان يلعب دور الزوج، عندما ضرب صاروخ السيارة التي كان يستقلها خلال محاولته الفرار من حلب.

وتجسد حياة عبطيني، صاحب الوجه الباسم والشعر الأسود الكثيف والذي كان من المشاهير في حلب، وكذلك مقتله، معاناة سكان المدينة التي كانت مركزاً تجارياً وثقافياً فريداً ومزدهراً لكنها تمزقت بفعل القتال وتحولت أحيائها إلى أنقاض.

قتل عشرات الآلاف في المدينة منذ صيف عام 2012، عندما انقسمت بين مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة وأخرى تحت سيطرة الحكومة واشتبك الجانبان. وفي الأسابيع الأخيرة، شددت القوات الحكومية حصارها على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، في محاولة لقطع آخر طرق الهروب.

وبعد أيام من مقتل عبطيني، توجه عشرات الرجال إلى مسقط رأسه في جنازة رمزية حاملين رايات المعارضة وهاتفين "روح قصي صعدت إلى السماء. بشار قاتل شعبه".

هذا وقد أذيع المسلسل "أم عبدو الحلبية" في ثلاثين حلقة مدة كل واحدة منها عشر دقائق، على قناة "حلب اليوم" التلفزيونية التي تديرها المعارضة. وقد تم تصوير المسلسل في حلب حتى تحت واقع القصف شبه اليومي.

وفي أحد المشاهد ظهرت ثلاث فتيات أثناء القفز على وقع صوت انفجار قبل استئناف اللعب.

ويقول بشار سقا، مخرج المسلسل، إنه فضل أن يكون أبطال المسلسل أطفالاً لأنهم شهود عيان على "المذابح التي يرتكبها بشار الأسد بحق الطفولة".

وأثار المسلسل ضجة في حلب إذ صورت حلقاته في ممرات حجرية في أحد الأحياء القديمة، ويدور الحوار فيه بلهجة المدينة العربية المتميزة. وتقوم بدور أم عبدو فتاة شابة، تدعى رشا، في حين يقوم عبطيني بدور زوجها، أبو عبدو.

ورغم أنه برنامج كوميدي، فقد أظهر النمط التقليدي للزوج والزوجة في سوريا. إذ بدا عبطيني استبدادياً يستخدم سلطته الأبوية. بينما كانت رشا ذكية وطموحة وبريئة بعض الشيء، وتتعامل مع الجيران الذين يعيشون في أحياء قريبة.

وفي إحدى الحلقات، أرادت والدة أحد مقاتلي المعارضة تزويج ابنها لابنة أم عبدو. لكن أم عبدو أخبرتها أن بناتها متزوجات من عناصر بالجيش السوري الحر. وعندما تعلم أن العريس "متشدد إسلامي"، ترفع أم عبدو قيمة المهر لإفشال الزيجة.

وفي حلقة أخرى، تقرر أم عبدو مع صديقاتها تشكيل فصيل متمرد من الإناث. لكن أبو عبدو ثار عليها قائلاً: "أنت تريدين الذهاب للخطوط الأمامية بينما تخافين من الصراصير". ثم يخبرها بوجود فأر أسفل الأريكة ويسقط ضاحكاً بعد فزعها وصراخها.

وفي مشهد آخر يذهب أبو عبدو مع قوات المعارضة في مداهمة، لكن أم عبدو تتحدث عن ذلك لجميع جيرانها ثم يعود زوجها مصاباً في كمين نصبته القوات الحكومية التي علمت بالهجوم المخطط له. فتتساءل الزوجة بدهشة تعجب: "كيف علم الجميع بأنكم ذاهبون مداهمة!".

"كان قصي موهوباً للغاية. كنا نبحث عن صبي ذكي"، حسبما قال سقا لأسوشيتد برس من جنوب تركيا عبر سكايب. وأضاف "أردنا أن يكون حراً في أفكاره ويؤدي دوره دون خوف من نظام بشار الأسد وبطشه."

كان عمر الطفل عبطيني 10 سنوات عندما اندلعت احتجاجات سلمية ضد حكم الرئيس بشار الأسد في مارس/ آذار 2011. وانخرط بسرعة في الانتفاضة، فشارك في المظاهرات المناهضة للأسد، وغالباً ما كان يجلس على كتف أخيه الأكبر سناً ويهتف.

وتحدث عبطيني في تسجيلات فيديو للمعارضة منتقداً حكومة الأسد وواصفاً ما شهدته حلب من دمار. وفي الوقت نفسه، كان عبطيني يؤدي أدواراً في المسرحيات المدرسية. ولاحظت عفراء هاشم، مديرة مدرسته، موهبته وقدمته للسقا.

وقالت: "كان طموحاً للغاية، وعندما انتقل من العمل في المسرح إلى التلفزيون، زادت أحلامه وعمل على نقل كل ما كان يعيشه من مآسي". بعد المسلسل التلفزيوني، أدى عبطيني أدواراً في المسرح المحلي. فقام الصيف الماضي، بلعب دور أحد مقاتلي المعارضة.

وأثناء القصف الأخير، استهدف صاروخ منزل عبطيني وأصيب والده مما أدى لإصابته.

وفي 8 يوليو/ تموز الماضي، قرر والد عبطيني إخراج أطفاله من حلب. لكن أصيبت السيارة التي استقلتها العائلة في إحدى الطرق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، بصاروخ.

وفي تسجيل فيديو لجنازة رمزية أقيمت بعد بضعة أيام، كان والد الطفل يراقب المشيعين من حوله، وهو يمسك بلافتة كتب عليها "قصي، أبو عبده الحلبي. أنت بطل صغير. أرعبت النظام بأعمالك العملاقة فقتلوك".

وبينما كانت أمه تبكي بجوار جثمانه، أخبرها رجل: "كوني سعيدة من أجله. لقد طلب الشهادة ونالها."