حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيم مستأجَر!

اسطنبول
نشر في 22.02.2016 00:00
آخر تحديث في 22.02.2016 14:46

مخطئ من يظن أن حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيمٌ سوري يمثل أكراد سوريا، بل هو تنظيم أسسه قادة تنظيم حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق عام 2003، ليكون ذراعه السوري، كما أسس ذراعاً في شمال العراق وفي إيران. يتقاسم الـ "ب ي د" مع التنظيم الأم البي كا كا الأفكار والمبادئ والأهداف نفسها. إذ يتبنى حزب العمال الكردستاني إيديولوجية ماركسية وقومية كردية شمولية استبدادية؛ ويهدف إلى الانفصال وإقامة دولة كردية على أساس من تلك المبادئ الشمولية الاستبدادية، كما أنه يتبنى أسلوب الإرهاب لتحقيق هدفه ذاك. وليس إقامة مناطق الحكم الذاتي إلا مرحلة من مراحل الوصول إلى الاستقلالية التامة في أدبيات التنظيم الانفصالي الأم ولدى ذراعه السوري.

مع اندلاع الأزمة في سوريا، لم ينضم تنظيم الاتحاد الدميقراطي"ب ي د" وميليشياته المسلحة من وحدات حماية الشعب "ي ب ك" إلى المعارضة السورية؛ بل مضى في اتجاه آخر حيث اتفق مع النظام الحاكم على تسلم مناطق في شمال سوريا وإقامة حكم ذاتي فيها مقابل عدم الانضمام إلى قوات المعارضة.

حاولت المخابرات التركية إقناع زعيم التنظيم، صالح مسلم، بضرورة قطع علاقاته مع التنظيم الرئيسي أي البي كا كا والابتعاد عن النظام السوري والانضمام إلى صفوف المعارضة التي حصلت على اعتراف دولي في تلك الفترة؛ إلا أن مسلم لم يستجب لنصائح أنقرة وبقي محافظاً على علاقاته مع النظام ومع البي كا كا ورفض الانضمام إلى المعارضة.

لمع نجم تنظيم "ب ي د" وميليشياته المسلحة (ي ب ك) مع تشكيل واشنطن تحالفاً دولياً لمحاربة تنظيم الدولة، داعش، الذي قتل مواطنين أمريكان وبات يشكل تهديداً لمصالحها في المنطقة. فقدمت واشنطن لميلشيات التنظيم الكردي مساعدات عسكرية وغطاءً جوياً مكثفاً أثناء حصار تنظيم داعش لمدينة عين العرب (كوباني) ما أدى إلى انسحاب داعش وتقدم ميليشيات "ب ي د" حتى استيلائها على المدينة.

يبدو أن أميركا والغرب بشكل عام، قد وجدت ضالتها في تنظيم "ب ي د"؛ ولعل في التكوين العلماني للتنظيم واستعداده لقتال جميع الإسلاميين في سوريا والعراق ما جعله مرغوباً لدى الغرب. وقد قام الإعلام الغربي وحتى العربي بالدعاية للتنظيم أثناء المعارك في عين العرب لجلب تعاطف الرأي العام العالمي له. والحقيقة أن الغرب يتناقض مع نفسه إذ يعتبر تنظيم العمال الكردستاني إرهابياً ولا يعتبر فرعه السوري كذلك لأنه يستفيد منه في محاربة تنظيم إرهابي آخر. لكن أنقرة لا تفرق بين داعش و"ب ي د"، فكلاهما تنظيم إرهابي وهما وجهان لعملة واحدة.

أثناء تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب تحت قيادة الولايات المتحدة، اشترطت تركيا للعب دور فعّال في التحالف أن يشمل عمل التحالف تنظيم داعش والنظام السوري معاً. كما أكدت أنقرة على ضرورة إقامة مناطق آمنة في سوريا لحماية المدنيين وإيواء النازحين، والسعي لأجل إيجاد حل شامل للأزمة السورية التي باتت تهدد أمن واستقرار دول الجوار. لكن واشنطن لم تستجب لهذه المطالب بحجج متعددة وعملت على التباطؤ والمماطلة.

لقد أدى تطوير واشنطن لعلاقاتها مع تنظيم "ب ي د" وتسليحه وتقديم الغطاء الجوي له إلى تقدم التنظيم وتمدده في شمال سوريا وتوسيع سيطرته ضد المعارضة السورية الحقيقية. كما قام التنظيم الإرهابي بعمليات تطهير عرقية ضد العرب والتركمان وحتى ضد الأكراد الذين لا يتفقون معه في نهجه. لقد فرّ مئات الآلاف من الأكراد من مناطق سيطرة التنظيم الكردي إلى الأراضي التركية هرباً من ظلمه واستبداده وهو الذي يدعي أنه يمثِّلهم!

ثم جاء الاحتلال الروسي لسوريا ليعطي انطلاقة جديدة لميليشيات الـ"ب ي د" الإرهابية؛ فبحصول التنظيم على الدعم الروسي بدأ يتقدم في مناطق المعارضة المعتدلة في ريف حلب بغطاءٍ جوي روسي في هذه المرة. ما أدى إلى موجة جديدة من النزوح إلى الحدود التركية!
يبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي أداة مطواعة يمكن للجهات الإقليمية والدولية أن تستخدمها مقابل أن تفتح الطريق أمامه في المضي في إقامة الشريط الكردي على الحدود التركية السورية. فتستخدمه واشنطن في محاربة داعش، وتستخدمه موسكو وطهران والنظام السوري لمحاربة المعارضة المعتدلة ولتهديد تركيا! إنه تماماً مثل عصابة من المجرمين تقدم الخدمات لمن يدفع مقابل تنفيذ أغراض محددة.

لقد دفع التدليل الدولي للتنظيم الإرهابي إلى الغرور وإلى تحدي الخطوط الحمراء التي وضعتها أنقرة ولا يجب المساس بها أبداً. وهي عدم السعي إلى السيطرة على المنطقة ما بين مدينتي جرابلس واعزاز على الحدود التركية السورية ، حيث ما زالت أنقرة تأمل في إقامة منطقة آمنة فيها؛ وعدم مهاجمة المعارضة المعتدلة على الحدود التركية وضرورة التخلي عن سياسة التطهير العرقي ضد المكونات الأخرى في المنطقة من العرب والتركمان، وعدم السعي إلى إحداث تغيير ديموغرافي. وعندما حاول التنظيم تحدي هذه الخطوط الحمراء، اضطرت تركيا إلى قصف مواقعه بالمدفعية الثقيلة لإظهار جديتها حول هذا الموضوع.

وفي السابع عشر من شهر شباط الحالي، قام عنصر من ميليشيات الـ"ب ي د" بالتعاون مع المنظمة الأم البي كا كا، بهجوم انتحاري في قلب العاصمة التركية أنقرة أسفر عن مقتل 28 مواطناً وإصابة العشرات بجروح أثناء توجههم إلى بيوتهم بسيارات النقل العسكري.

إن تنظيم العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي والنظام السوري الداعم لهذين التنظيمين الإرهابيين، هم المسؤولون بشكل مباشر عن هذا الاعتداء الآثم في قلب تركيا, كما اعلنه رئيس الوزراء التركي صراحة . وسيكون الرد من جنس العمل رداً حاسماً رادعاً موجهاً.
كما تعتبرالدول المستخدمة لهذا التنظيم الإرهابي لأغراض محددة مسؤولة عما حدث؛ ويجب ألا ننسى أن الإرهاب يعود ويضرب اليد التي تستخدمه.

لتركيا الحق في الرد على مصادر الإرهاب في داخل البلاد وخارجها؛ أما شكل هذا الرد، فستحدده الجهات المختصة تحديداً دقيقاً. المهم هو قطع اليد التي امتدت إلى قلب البلاد. صحيح أن هناك مخاطر وصعوبات وتعقيدات.. لكن تجاوز تلك المخاطر لن يكون بالاستسلام للإرهاب.

ولا شك أن أي حزب أو منظمة يستهدف أمن أية دولة ويقتل المواطنين الأبرياء هو تنظيم إرهابي يجب محاربته ودحره بكل الإمكانيات.

تنبيه قانوني: تنبيه قانوني: جميع حقوق النشر والاستخدام للأخبار والمقالات المنشورة ملك مؤسسة "تركواز ميديا جروب" Turkuvaz Medya Grubu'. ولا يجوز اقتباس أي مقال أو خبر بالكامل حتى مع ذكر المصدر دون الحصول على إذن خاص.
يجوز اقتباس جزء من أي مقال أو خبر بشرط وضع رابط مباشر للمقال أو الخبر المقتبس.. من فضلك اضغط هنا لقراءة التفاصيل اضغط.